هل تقع شركة أرامكو السعودية ضحية السياسات المتهورة لقيادة المملكة؟

اثنين, 09/23/2019 - 10:54

في مؤتمر صحافي عقده وزير الطاقة السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان، يوم 17 سبتمبر/أيلول، وأجاب فيه على أسئلة الصحافيين حول الاعتداءين اللذين تعرضت لهما منشأتان رئيسيتان لشركة أرامكو في 14 من الشهر ذاته، وآثارهما على عمليات إنتاج النفط، ذكّر الحاضرين بحقيقة تاريخية صحيحة، وهي أن مؤسس المملكة الملك عبد العزيز، كان حريصاً أشد الحرص على استقلالية المنظومة النفطية السعودية، وعلى ضرورة السماح لها بأن تعمل بحرية على أسس تجارية محضة.

 وأضاف أن ملوك السعودية الذين أتوا من بعده، بمن فيهم الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، ظلوا حريصين على احترام وتطبيق ذلك المبدأ. فما هو المغزى من وراء هذا التذكير العلني لوزير النفط السعودي، والذي جاء غريباً خارج نطاق مستلزمات الإجابة على أي سؤال؟

من الممكن جداً أن يُفهَم تصريح الأمير عبد العزيز بوصفه تعليقا مواربا غير مباشر، بل وتحذيرا من خرق ذلك المبدأ التاريخي.

فقد نشرت صحيفة «الفايننشال تايمز» البريطانية في 20 سبتمبر/ أيلول تقريراً مفاده أن السلطات السعودية تقوم «بلي أذرع» حوالى 50 من أثرياء العائلات السعودية بغية إقناعها باستثمار مبالغ ضخمة من المال في شركة «أرامكو» من خلال مرحلة أولى من الطرح العام الأوّلي المُنتَظَر لأسهم من الشركة تعادل 1 إلى 3 % من قيمتها الكلية في السوق السعودي المحلي، بغية تحسين التقييم الكلي لقيمة الشركة تمهيداً لطرح المزيد من الأسهم في سوق أسهم دولي واحد أو أكثر.

وكانت وكالة «بلومبيرغ» الأمريكية للأنباء الاقتصادية قد سبقت «الفايننشال تايمز» إلى نشر تقرير مشابه. ويفيد التقرير بأن بعض العائلات والشخصيات التي جرى الاتصال بها، (مثل رجل الأعمال الكبير والمعروف الأمير الوليد بن طلال)، كان قد تم احتجاز البعض منهم في فندق الريتز كارلتون في الرياض قبل عامين بدعوى أنهم متورطون في أعمال فساد، وأطلق سراحهم بعد شهرين بعد أن دفعوا مبالغ من المال للحكومة أو تعهدوا بدفعها حين توفر السيولة الكافية. وقالت الحكومة حينئذ إنها «استردت» حوالى 100 مليار دولار من المحتجزين على شكل دفعات وتعهدات وأصول حُوِّلت للحكومة، كما ظلت الأصول المحلية لبعض الذين أوقفوا محتجزة.

وحسب التقرير، فإن محاولات «الإقناع» لبعض الأثرياء الذين تم الاتصال بهم تتضمن اقتراحات باستبدال أصولهم المحتجزة بأسهم في «أرامكو»، طالما أنهم غير قادرين على الاستفادة من تلك الأصول لأنها محتجزة، كما أن محاولات إقناع أكبر أثرياء محليين كبار للدخول كمستثمرين في الشركة سيشجع صغار المستثمرين على شراء الأسهم بعد طرحها في السوق المحلي.

تنحية الفالح

وإذا صح تقرير «الفايننشال تايمز»، فقد يفسر الطريقة الفجائية التي تمت بها تنحية وزير الطاقة السابق خالد الفالح من منصبه في 7 أيلول/ سبتمبر الجاري. وكان قد نُحي من منصبه الآخر كرئيس لمجلس إدارة «أرامكو» قبل ذلك بخمسة أيام بشكل فجائي أيضاً، وعُيِّن مكانه ياسر الرميان كرئيس لمجلس الإدارة. والرميان هو محافظ «صندوق الاستثمارات العامة» الذي سيكون المستفيد الأول من أي بيع لأسهم «أرامكو»، إذ أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان (الذي يمكن اعتباره الحاكم الفعلي للبلاد) قد بين أن الدخل المتأتي من بيع حصص في «أرامكو» سيتم تحويله للصندوق لاستخدامه في الاستثمارات الداخلية والخارجية تحقيقاً لخطة ولي العهد الاقتصادية المعروفة بـ»رؤيا 2030» الهادفة لتطوير وتنويع اقتصاد المملكة جذرياً وإنهاء اعتماده الكبير على الإيرادات المتحصلة من الصادرات النفطية. ويعتبر الرميان من أقرب مستشاري ولي العهد، ويترأس بنفسه مجلس إدارة الصندوق.

يذكر أن الفالح، الذي استلم عام 2015 منصب رئاسة مجلس إدارة «أرامكو» والتي كان رئيساً تنفيذياً لها حينذاك، أصبح وزيراً للطاقة في عام 2016. وهو يعتبر من أهم محترفي الصناعة النفطية دولياً، ويحظى باحترام واسع في دوائرها. وقد أمضى كل حياته العملية في الشركة وكان مسؤولا عن قطاع إنتاج النفط الخام فيها قبل أن يتدرج في مناصبها الإدارية العليا.

ومن المرجح أن لا تكون خطة الضغط على أهم أثرياء البلاد للاستثمار في «أرامكو» في محاولة لرفع تقييم الشركة وإذكاء رغبة المستثمرين للمشاركة في الطرح الأولي قد لاقت استحساناً لدى الفالح، إذ أن خبرته العملية في مجال النفط والأعمال التجارية المتعلقة به وبكيفية عمل كبرى شركات النفط العالمية غير الحكومية قد مكنته من فهم النتائج السلبية المتوقعة لهكذا خطوة.

أداة لوضع اليد

غير أن استخدام الحكومة لشركة «أرامكو» كأداة لوضع اليد على المزيد من أموال كبار الأثرياء السعوديين (أي الحلقة الثانية من مسلسل فندق الريتز كارلتون) ستضعف ثقة المستثمرين المحتملين بالشركة، الذين سيرون أن الطريقة التي تسيطر فيها الحكومة عليها وتعرضها لقرارات تعسفية واعتباطية قد لا تكون في مصلحة الشركة الاقتصادية والتجارية. كما أن الضغط على أهم أقطاب القطاع السعودي الخاص بهذا الشكل يضعف من ثقته بالبيئة الاستثمارية داخل البلاد، بل ويشجع على زيادة هروب الأموال الخاصة إلى الخارج، مما يصعّب تحقيق زيادة حصة القطاع الخاص من الدخل المحلي الإجمالي وتقليص دور عائدات النفط والإنفاق الحكومي، وهما من أهم عناصر خطة ولي العهد لتحقيق التحول الاقتصادي المنشود.

ومن هنا، يمكن فهم مغزى التصريح الذي أدلى به وزير الطاقة الجديد الأمير عبد العزيز بن سلمان في مؤتمره الصحافي الأسبوع الماضي، إذ أنه هو الآخر من محترفي القطاع النفطي في المملكة كونه قضى كل حياته العملية في وزارة النفط وعمل نائباً لعلي النعيمي الذي كان من أكفأ من استلموا وزارة النفط.
رغبة ولي العهد الملحة في السير قدماً في الطرح الأولي لـ»أرامكو» وتحقيق دخل يربو على 100 مليار دولار من ذلك (على افتراض أن التقييم الكلي للشركة قد يصل إلى 2 تريليون دولار أو أكثر كما قال الأمير عام 2016) تفسر الطريقة التي تعاملت بها الحكومة و»أرامكو» مع تبعات الهجومين في 14 سبتمبر/أيلول اللذين تعرض لهما معمل أبقيق، الذي يعالج معظم كميات النفط السعودي الخفيف تمهيداً لإرساله للتحميل والتصدير، وحقل خريص الذي تبلغ قدرته الإنتاجية حوالى 1,45 مليون برميل في اليوم من النفط الخفيف أيضاً، فبدلاً من إعلان حالة الظروف القاهرة والتقليل من شحنات النفط الخفيف لمستوردي النفط السعودي في الخارج، اختارت الشركة أن تسحب كميات كبيرة من الخزين الموجود داخل وخارج البلاد، وتقليل الكميات المخصصة للمصافي المحلية بغية استخدام أكبر كمية ممكنة من النفط المنتج للتصدير وتبديل شحنات النفط الخفيف المتفق عليه مع المستوردين الأجانب بشحنات من النفط المتوسط والثقيل. الهدف من كل تلك الإجراءات كان إثبات قدرة الشركة على الإيفاء بالتزاماتها التصديرية ومحاولة الحفاظ على سمعة الموثوقية العالية لإمداداتهان وذلك للتأكد من عدم تعرض التقييم الكلي لقيمة الشركة المالية للتخفيض في مرحلة الإعداد للشروع في عملية الطرح الأولي. لكن في نهاية المطاف، فإن حصول الهجومين، اللذين عطلا إنتاج 5,7 مليون برميل يومياً من إنتاج النفط في أول 48 ساعة بعد حصولهما، ينبه إلى المخاطر الجيوسياسية التي تستمر في تهديد أمن منشآت الشركة وبالتالي إنتاجها، وهي ظروف خارجة تماماً عن قدرات الشركة على التحكم بها.

وفي دلالة على كفاءة قدرات الشركة المهنية والتقنية التي تراكمت بفضل استقلاليتها وعدم التدخل السياسي في كيفية إدارتها، فقد تمكنت من استعادة حوالى نصف الإنتاج المفقود خلال أسبوع من وقوع الهجومين.

فهل بدأنا نرى نتائج التهور والقرارات السياسية والاستراتيجية الخارجية والداخلية غير المدروسة جيداً تلقي بظلالها على شركة «أرامكو» التي تتولى إدارة أهم شريان حيوي في البلاد؟

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطرائف