الــــفــــســـاد مــــن أيــــن يــــبــــدأ وينتهــــي؟

أربعاء, 10/30/2019 - 00:42
عمر دغوغي الإدريسي

ليست مقاربة الفساد بالأمر الهين رغم سطوع هذه الظاهرة، التي لا يكاد يخلو مجتمع أو نظام سياسي منها، بل قل إن تناول هذه الظاهرة يتم من زوايا ورؤى مختلفة ولا تعدم من وجود نفر من الباحثين يتحدث عن إيجابيتها في مقابل أكثرية تظهر آثارها السلبية.

 

إن وظائف الفساد ومستوياته (ولا نقصد بالوظيفة هنا تقويم الفساد أخلاقياً، وإنما النتائج الموضوعية له) التي تنوس بين قدرته على إنتاج التراكم في ظرف ما أو الحيلولة دونه، ومن اللافت للنظر أن الفساد  رغم الموقف الاجتماعي منه قد يكون علانياً في تلك الدول التي تسود فيها الشفافية، في حين أنه يظل مستوراً في الدولة القمعية الدكتاتورية، وفي كل الأحوال يتعذر علينا قياس تكلفة الفساد بشكل دقيق.

 

إن الفساد في حدوده الصغرى كالرشوة السائدة والرشوة الطارئة، والفساد في حدوده الكبرى وهو فساد منظم والذي يمارسه بعض كبار مسئولي السلطات الثلاث (التشريعية - التنفيذية - القضائية) غير أن هذه المستويات تختلف استناداً إلى طبيعة النظام الاقتصادي  الاجتماعي ذاته كالفساد في الاقتصاد الموجه والفساد في اقتصاد السوق والفساد في الاقتصاد المشترك فضلاً عن ظاهرة الفساد الجديدة المرتبطة بعملية الانتقال من الاقتصاد المخطط إلى الاقتصاد الحر، وهذه ظاهرة لم يألفها التاريخ سابقاً إلا في مرحلة انهيار الشيوعية وإعادة إنتاج العلاقات الرأسمالية مرة أخرى.

 

وفي كل الأحوال ومهما تفاقم أمر الفساد وصار ظاهرة طبيعية أو كان ظاهرة طارئة فإن هنالك حدوداً لا يستطيع المجتمع أن يتعايش معها كما لا تستطيع الدولة الاستمرار في أداء وظائفها، ومن هنا تبرز مكافحة الفساد وإنتاج آليات الحد منه وهذا أمر تمارسه أغلب دول العالم.

ويظل القول صحيحاً أن سبل مواجهة الفساد في الدولة الديمقراطية أنجع بما لا يقاس من وسائل مواجهته في الدولة الشمولية، ولما كانت آثار الفساد تطال جميع صعد الحياة السياسية والاقتصادية والأخلاقية والاجتماعية، فإنه جدير بالتناول والمناقشة والإجابة على أسئلة من قبيل:

 

ما الفساد، هل الفساد الاقتصادي ثمرة فساد سياسي أم العكس؟ هل الفساد ظاهرة موضوعية أم هو ثمرة سياسة واعية؟ ما السبيل إلى لجم الفساد؟ بالشفافية والمساءلة، أم بالعقوبة الزاجرة، أم بتغيير البنية التي أنتجت الفساد؟ ما الآثار الأخلاقية للفساد؟ ما علاقته بمفهوم الحق والواجب؟ ترى لماذا شهدت مرحلة الانتقال من الاقتصاد المخطط إلى اقتصاد السوق، تفشي ظاهرة الفساد بهذه السرعة والكيفية؟ هل تحول التعددية الاقتصادية والسياسية دون الفساد أم أنها تفضي إلى تعدد أنماطه؟ وإذا كانت الخصخصة لدى البعض منقذاً من الفساد فلماذا عم في مرحلة الخصخصة؟

وإذا ما تمسك كل منا بحقوقه التي يتفرع عن كل حق منها أربعة واجبات تتمثل: بوعي ومعرفة الحقوق، وممارسة هذه الحقوق، وحمايتها والدفاع عنها، ومراعاة حقوق الآخرين، وإذا ما أدى كل منا واجباته وفقاً لما تمليه أخلاقيات الوظيفة العامة، فإن مساحة الفساد ستنحسر إلى حدودها الدنيا وليس مبرراً كون الفساد ظاهرة عالمية أن نقبله ونتعايش معه في بلداننا.

 

إن من اللافت للنظر الاهتمام العالمي المفاجئ بالفساد مصحوباً بضجة إعلامية كبيرة، فهل هذا مرتبط بثورة الاتصالات والمعلوماتية؟ أم هو مرتبط بانتهاء الحرب الباردة وما رافقها من تكتم متبادل على قضايا الفساد؟ وهل هو مرتبط بتطور المجتمع المدني داخل كل دولة؟ أم أن هناك تيارا دوليا يخشى من الفساد في ظل ازدياد حجم التجارة وظهور جماعات فاسدة تسعى لغسيل الأموال؟ هل إناطة اللثام عن الفساد ينم عن صحوة وطنية أملتها الموجة الثالثة للديمقراطية؟ أليس مطلوباً التوقف على آلية تكيف المجتمعات مع الفساد؟ ومعرفة الطرق التي سلكتها في تجاوزه وتلافي أضراره؟ ثم لماذا يرتبط تحول المجتمعات إلى الرأسمالية بشيء من الفساد؟ ولماذا يرتبط أيضاً تحولها إلى الديمقراطية بقدر من الفساد؟ وأخيراً هل تحتاج المجتمعات إلى قدر من الفساد كضرورة أنجبتها البيروقراطية؟ ولماذا شيء من الفساد الوظيفي مفيد كما ذهب بعض علماء الإدارة الأمريكيين (قدر من الفساد ضروري لأداء سياسي جيد) مفارقة عجيبة شعوب تكافح الفساد وأنظمة تبرره؟ وفي كل الأحوال الطريق إلى محاربة الفساد يمر عبر القاعدة التي تقضي بـ (فكر عالمياً ونفذ محلياً) وفي كل الأحوال فإن مكافحة الفساد لاسيما الفساد السياسي والإداري والمالي يستدعي بالضرورة توافر ثلاثة شروط هي:

الشفافية في عمل الدولة ومؤسساتها.

الحكم الرشيد، ويعني الحكمة في استخدام الموارد وحسن اختيار السياسات الاقتصادية.

المساءلة القانونية للقائمين على إدارة شؤون الدولة، والمحاسبة الصارمة لمرتكبي الفساد.

إن السياسات الخاطئة للدولة التي لا تقوم على قاعدة معلومات صحيحة، أو تفاضل بين البدائل والخيارات المتاحة، قد تفوّت على المجتمع فرصاً كثيرة، منها عدم استثمار الموارد الاقتصادية والطاقات البشرية على نحو أمثل، حتى ولو لم يكن هناك فسادا.

والشفافية التي عقدت بشأنها العديد من الندوات والمؤتمرات الدولية في السنوات الأخيرة إلى درجة أن ألمانيا أحدثت منظمة خاصة تعنى بقياس درجة الشفافية بين الدول، باعتماد مؤشرات يتم بمقتضاها تحديد أكثر الدول الشفافية وأقلها شفافية، واللافت للنظر أن الدول المتقدمة كانت السابقة إلى إثارة هذه القضية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية التي اشتهرت شركاتها بتقديم الرشاوى لبعض مسئولي دول الجنوب للفوز بالصفقات التجارية.

 

 كذلك أظهرت المعطيات تورط المسئولين في بلجيكا وإيطاليا وفرنسا وغيرها، في قبض عمولات أو قروض ميسرة أو هدايا ثمينة لتمرير صفقات مشبوهة، إلى درجة أن الفساد طال موظفي أجهزة الاتحاد الأوروبي، مما حدا بالبرلمان الأوروبي إلى إقالة كل أعضاء لجنة الاتحاد، نظراً لتقاعسهم في الكشف عن جوانب الفساد المالي أو لتورطهم في قضايا الفساد السياسي.

 

لقد فسر البعض إلحاح الولايات المتحدة على الشفافية الدولية، يعود إلى خسارة الشركات الأمريكية للعديد من الصفقات الدولية، بسبب براعة الشركات الأخرى في إقامة صلات مشبوهة بكبار مسئولي الدول التي عقدت فيها هذه الصفقات.

 

 وبغض النظر عن الجهة التي أثارت إشكالية الشفافية، فإنها تلقى قبولاً من الدول كافة التي أدركت بأن غياب الشفافية والمساءلة ورجاحة الحكم تفضي إلى إلحاق خسائر فادحة بالمجتمعات التي تفتقر إلى مثل هذه الضوابط، وعلى المستويات الأخلاقية والسياسية والاقتصادية كافة.

 

فعلى الصعيد الأخلاقي، تختفي النظرة إلى العمل بوصفه الحاجة الحيوية الأولى للإنسان بل وتهتز نظرة الناس إلى الإخلاص والأمانة والنزاهة، وعلى الصعيد السياسي والاقتصادي تتجذر النظرة إلى كون من يملك المال يملك السلطة، ومن يملك السلطة يملك المال، مستغلين مواقع المسؤولية لتحقيق مزايا ومكاسب تخالف القوانين والأعراف السائدة في المجتمع، وإذا كانت دوافع القرارات الاقتصادية تحقيق مكاسب آنية ضيقة لكبار المسئولين وأسرهم وأصدقائهم، عندها يفقد النظام السياسي شرعيته، أي قبول وتفاعل المواطنين مع مؤسسات الدولة وإدارتها، فيحصل الركود السياسي والاقتصادي والاغتراب السيكولوجي، ويعزف الناس عن المشاركة في برامج الحكومة التي تفقد مصداقيتها وتهتز ثقة المواطنين بها، وهذا ما حصل في رومانيا واندونيسيا والبرازيل وصولاً إلى الكونغو، والحبل على الجرار.

 

لقد اقترنت العديد من التجارب التنموية بحالات من الفساد السياسي والإداري والمالي، كما حصل في ظل الجمهورية الثالثة في فرنسا أو في إيطاليا أو في كوريا الجنوبية، ولكن التنمية المستدامة تشترط وبالضرورة مكافحة الفساد، من أجل تعزيز الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي وبالتالي توطيد شرعة النظام السياسي برمته، من خلال الاستجابة لطموحات المواطنين وتطلعاتهم لحياة حرة كريمة.

 

 تتيح لهم فرص المشاركة في صناعة القرارات السياسية والاقتصادية التي من شأنها تحقيق التنمية المنشودة وتحول دون إثراء المسئولين الحكوميين بطرق غير مشروعة تملي ضرورات محاسبتهم ومساءلتهم وفقاً للقانون.

 

والشروط اللازمة لتحقيق عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية بنجاح هي: الشفافية والمساءلة والحكم الرشيد، بالإضافة إلى شروط أخرى مثل: فعالية الحكومة وتمتعها بالكفاءة والخبرة الإدارية اللازمة، وهذه الشروط الثلاث وغيرها هي التي تُحصن المجتمع من آفة الفساد، وما يقترن به من مظاهر الفوضى والتسيب واللامبالاة، وانعدام الحس بالمسؤولية الرفيعة.

 

 وعليه إذا كانت القواعد الناظمة للحياة العامة قواعد موضوعية وعلنية، وإذا كانت القرارات الحكومية موضوعية من حيث خياراتها ومرتكزاتها ومبرراتها ودوافعها، وإذا كان المسئولون كل في مجال عمله على مستوى السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية يخضعون للرقابة الوقائية واللاحقة وإذا تم تغيير المسئولين الذين خرجوا على القوانين واخترقوها في الوقت المناسب، سواء ارتكبوا هذه المخالفات عن قصد أو غير قصد، فإن توافر الشروط الثلاث للتنمية لا بد وأن تؤدي بالضرورة إلى دفع عجلة التنمية من جهة والتقليل من الفساد وهدر الموارد من جهة أخرى. 

 

ومما لا شك فيه فإن ظاهرة الفساد ظاهرة معقدة تتداخل فيها قضايا سياسية وإدارية ومالية، جوانية وبرانية المنشأ، وتتكامل مع بعضها بعضاً، لتكون حلقة مفرغة، يفترض كسرها من أقوى حلقاتها من خلال:

إقامة نظام سياسي يقوم على مبدأ التعددية السياسية المستند إلى الانتخابات العامة العلنية والنزيهة، وأن يرتكز هذا النظام على الفصل بين السلطات الثلاث، فضلاً عن احترام ممارسة المواطنين لحقوقهم المدنية والسياسية، بما في ذلك حرية التعبير عن الرأي، علماً بأن الديمقراطية لا تحصن المجتمعات من الفساد، رغم ما تنطوي عليه من شفافية وعلانية ومصارحة ومكاشفة، ولكن في ظلها لا يتحول الفساد إلى ظاهرة ويمكن تطويقه ومكافحته بسهولة من خلال محاسبة ومساءلة المسؤولين، وعبر تصويب السياسات التي تتسبب في هدر الموارد، خلافاً للأنظمة الشمولية التي يشيع فيها الفساد ويتحول إلى ظاهرة، تتطلب مواجهتها جهوداً مضنية، وتكاليفها باهظة الثمن على المجتمع.

حصر ثروات كبار المسئولين ومعرفة مصدرها من قبل الأجهزة الرقابية التي يُفترض أن تتحقق من صحتها أثناء وبعد تولي المسؤولية العامة.

 

إعطاء صلاحيات واسعة لجهاز رقابي واحد، يتمتع بالاستقلال في مراقبة السلطات الثلاث، وأن يُعِد هذا الجهاز تقارير دورية تكون في متناول المواطنين على اختلاف انتماءاتهم الحزبية والسياسية ولأعضاء المجالس التشريعية والقيادات الحزبية ومؤسسات المجتمع المدني كافة.

 

تلبية احتياجات ورغبات المواطنين بتوفير مستوى لائق من العيش الكريم وإشباع حاجاتهم الأساسية من طعام ولباس وسكن وتعليم ورعاية صحية، وتطبيق مبادئ تكافؤ الفرص وربط الأجر بالإنتاج، وفي غير ذلك قد يتهيأ المناخ لانتشار الفساد ليتحول إلى أسلوب حياة تمارسه المستويات الصغيرة والمتوسطة من الموظفين الحكوميين وصولاً إلى كبار موظفي الدولة.

 

التوعية السياسية بإشاعة مناخ ثقافي ناقد يحترم الرأي والرأي الآخر، يمكن له أن يحد من الانخراط في الممارسات الفاسدة، ولا بد من توظيف وسائل الإعلام، كافة لاسيما التركيز على إعلاء القيم المجتمعية من نزاهة وإيثار وتضحية ونكران للذات، والتمسك بالخصال الحميدة المتأصلة في المجتمع من أمانة وحس بالمسؤولية الفردية والجماعية، وضرب المثل الأعلى والقدوة الحسنة من قبل القادة من مسئولي الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني.

لقد تم التركيز في السنوات الأخيرة على الشروط السياسية للتنمية ومنها: رجاحة الحكم والشفافية والعلانية والمساءلة كشروط لا بد منها لمواصلة العملية التنموية والتي تصطدم في العديد من البلدان النامية بمشكلة الفساد الإداري والسياسي التي بدورها تنتقص من مشروعية النظام السياسي واستقراره، والذي يستوجب إصلاحه من خلال ضمان الشرعية والمساواة والرقابة والإصلاح الإداري بغية السير قدماً في تطبيق النموذج التحديثي للحياة الاقتصادية والسياسية.

أسباب الفساد ومنعكساته:

إن الفساد يعني إساءة الاستخدام للمسؤولية العامة، بغية تحقيق المنافع والمكاسب لشخص ما أو لجماعة ما، ويحصل الفساد عندما يستغل الموظف العام منصبه، للحصول على المال بطرق غير مشروعة، من خلال تورطه في أفعال غير قانونية وغير أخلاقية من شأنها إلحاق الضرر بالمصلحة العامة للمجتمع والانتقاص من سيادة الدولة ومؤسساتها.

 

إن انتشار ظاهرة الفساد تعكس ضعف المنظومة الاقتصادية والسياسية والقانونية للدولة، وللتميز بين الممارسات الفاسدة وغير الفاسدة، فإن الفيصل في ذلك الشفافية والمحاسبة، إذ أن الفساد حتى عندما يتحول إلى ظاهرة عامة، فإن مرتكبيه يمارسونه تحت جنح الظلام ويخفونه عن عيون الناس. 

 

والفساد لم يعد مقصوراً على دولة دون غيرها بل أضحى شبه ظاهرة عالمية، وأن اختلفت درجة تفشيه، وبمعنى آخر لا تنفرد دولة دون سواها بالفساد، فالدول على مستوى المعمورة تعاني وبدرجات متفاوتة من مشكلة الفساد، ففضائح الفساد شملت، اللجنة الأولمبية والمفوضية الأوروبية. 

 

والفساد يكتسب أشكالاً عدة بما في ذلك الرشوة والمحاباة والمحسوبية ونهب أموال الدولة، والتهرب الضريبي، وتبييض الأموال، وتزوير الانتخابات، والمقصود بالرشوة التماس المال من قبل الموظف أو المسئول لقاء تقديم الخدمات، لدافعي الرشوة، كتنظيم العقود الحكومية، وتخفيض الضرائب، والحصول على التراخيص الحكومية، وإقدام بعض موظفي الدولة على سرقة المال العام، وهم المؤتمنون عليه، يعد أيضاً شكلاً من أشكال الفساد الذي تتم ممارسته على عدة مستويات من بينها:

الفساد الذي يمارس على المستوى الوطني.

الفساد الذي يمارس على المستوى الدولي.

الفساد على المستوى الأدنى الذي يُمارسه صغار الموظفين.

 الفساد على المستوى الأعلى الذي يمارسه كبار المسئولين.

والفساد تتم ممارسته من خلال دفع المال لبعض المسئولين تسهيلاً لقيامهم بواجباتهم الوظيفية، وتقديم الهدايا الثمينة والرشاوى لبعض المسئولين نظير الأفعال غير القانونية.

 وهناك علاقات ارتباط وسببية بين مستويات الفساد كافة التي ترتبط بعدة عوامل من بينها:

العوامل السياسية: وفي ظلها تتباين مستويات الفساد صعوداً وهبوطاً تبعاً لقوة أو ضعف الحريات المدنية، لاسيما حرية الصحافة واستقلالية وسائل الإعلام كافة، وحرية نشاط مؤسسات المجتمع المدني من عدمها، وطريقة تنظيم الحملات الانتخابية والتي تشكل مجتمعة مدخلاً للفساد.

 

العوامل القانونية: يتناسب الفساد وغياب التشريعات، فإذا كانت القوانين واضحة صارمة، فإن من السهولة بمكان اكتشاف حالات التورط في الفساد، وتطبيق القانون يتوقف إلى حد كبير على مصداقية الأجهزة القضائية والرقابية، ومدى قدرتها على مكافحة الفساد، وبغيابها تعم ظاهرة الفساد.

 

العوامل البيروقراطية: تشكل البيئة البيروقراطية مرتعاً للفساد، وكلما كثرت القوانين والتعليمات وتداخلت مع بعضها بعضاً، كلما كثرت محاولات الالتفاف عليها من قبل المسئولين الحكوميين، لاسيما في ميدان الخدمات والدوائر المالية والضريبية، وتتوقف مساحة الفساد على مدى الصلاحيات التي يتمتع بها المسئول الحكومي، وعلى مدى محاسبة المسئولين عن القرارات التي يتخذونها بعيداً عن روح القانون، أي كلما زادت الصلاحيات وتراخت المحاسبة كلما اتسعت رقعة الفساد.

العوامل المعيشية: يتناسب الفساد طرداً وضعف الأجور والرواتب التي يتقاضاها الموظفين الحكوميين، الذين تنفتح شهيتهم، فيتورطون في الممارسات الفاسدة، وكلما قل احتمال انكشاف الفساد، وكلما انخفض الثمن المدفوع لدى انفضاحه كلما زاد احتمال حصوله.

 

العوامل الاقتصادية: تتسع رقعة الفساد في الأنظمة التي تحتكر المؤسسات الاقتصادية المفصلية التي تهيئ للمسئولين فرصاً مواتية لمعرفة ما هو مستور من الأمور، فيستغلونها لتحقيق مصالحهم الشخصية الضيقة، ومصالح الفئات التي تتحالف معهم. 

وتتصل العوامل الاقتصادية اتصالاً وثيقاً بالعوامل البيروقراطية، التي تؤسس لعلاقات اقتصادية، تتسم بالاستغلال نتيجة غياب المشاركة والشفافية والمحاسبة، حيث تستغل العقود الحكومية والإعفاءات الضريبية لتحقيق المنافع الشخصية.

 

العوامل الانتقالية: عندما ينتقل الحكم من الدولة الشمولية البيروقراطية إلى الدولة الوطنية الديمقراطية، ومن الاستبداد إلى الحرية، فإن الفساد سرعان ما ينتشر وتشيع ظاهرته فيتحكم في المجتمع استبداد الفساد إلى درجة أن رجال الأعمال يضمنون فاتورة الفساد التكاليف واعتبار المبالغ المدفوعة كرشاوى، خصومات ضريبية.

 

عوامل الإعانات والمساعدات الاقتصادية: تستغل الدول التي تعاني من سوء الحكم الإعانات والمساعدات التي تقدم لها في صورة قروض وإعانات وهبات من المؤسسات المالية الدولية، فتحدث بها مؤسسات وهمية، تُسخر في خدمة كبار المسئولين، في ظل غياب المحاسبة والشفافية.

بقلم: عمر دغوغي الإدريسي مدير مكتب صنعاء نيوز بالمملكة المغربية

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطرائف