حوار من طرف واحد مع رجل الأعمال الدولي طلال ابو غزالة .. حول مفهوم الدولتين العظميين القادمتين ..

جمعة, 04/03/2020 - 17:57
محمد شريف الجيوسي

في حوار أجرته فضائية رؤيا الأردنية الخاصة، ليلة السبت / الأحد يوم 28 / 29 آذار 2020 ، مع رجل الأعمال العصامي الدولي طلال أبو غزالة ، الذي وصفته ألـ ويكيبيديا بانه مؤسس ورئيس مجموعة طلال ابو غزالة الدولية ، وقائد المحاسبة العربية والداعم للملكية الفكرية العربية ، في جملة العديد مما تحدثت به عنه ، والذي يتوفر على قدرٍ عال من تقديس العمل والجد ، وهو ما لا يعجب  بعض الشباب الذين ربما يريدون أن يأتيهم الفرص مهرولة ، دون ان يبذلوا ما يكفي من الجهد والفكر ـ ما عرّضه لهجوم كبير وتسخيف ونكات وسخرية ، كان الكثير منها غيرمنصف وغير موضوعي وينطوي على سفاهة وإنحدار وأكثر ..

وتعاظمت الهجمة على الرجل بعد أن استضافته فضائية RT   وتحدث من خلالها قبل وبعد كورونا في قضايا خطيرة واستراتيجية ، تنم عن موسوعية ، بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف معه ، ولكن البعض وجد بعد تعاظم خطر كورونا والاجراءات الحكيمة التي إتخذتها الحكومة الأردنية لمواجهة الوباء ، وتبرعات البعض السخية ، وجدت في ذلك  فرصة لإتهامه بالبخل وبأنه مجرد منظّر ليس إلا ، وانه بخل بالمال على وطن احتضنه فيما الحقيقة أن الهجوم يخفي أشياء أخرى .. ، حيث أطلق توقعات جديرة بالإستماع والنقاش، وفي خضم الهجمة على الرجل وجدت فضائية رؤيا ، أنها فرصة لمحاورته في عديد القضايا التي طرحها قبل وبعد كورونا ، وهكذا كان حواراً مهما ، كشف اموراً عديدة .

وكان أقل ما كشف عنه الرجل أن مؤسسته تتبرع للحكومة سنوياً بمبلغ 3 ملايين لا أذكر إن كان بالدولار او الدينار ، وبأن مؤسسته مستعدة للتبرع أكثر ، لكن الاهم من التبرع من هنا وهناك ، بناء شراكة بين القطاعين الخاص والعام في نطاق مشروعٍ منتج مستدام .. وبرنامج شامل ، وان لدية مشروعاً متكاملاً في هذا الإتجاه سيتقدم به إلى الملك الأردني؛ عبد الله الثاني .

قال أبو غزالة أن الصين باتت رقم واحد إقتصاديا في العالم ، وان الصدام الاقتصادي واقع لا محالة بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية ؛ التي لا تريد أن تفقد هذه المكانة ، لكنها ستفقدها ، وسيدخل العالم في مخاضات تستمر نحو سنتين إلى 3 سنوات ؛ ستتمخض عن نظام عالمي جديد يعكس موازين القوى على الأرض ، وان الصين والولايات المتحدة ستكونا القوتين الأعظمين في العالم قد تستمر لمدى زمني طويل .

ورغم أن ابا غزالة قال ذلك ، لكنه رأى ان الهند ستكون الثانية بعد الصين إقتصاديا فالولايات المتحدة ثالثاً ، ثم تاتي جنوب إفريفيا وروسيا والبرازيل ونيجريا ومصر وأخال انه ذكر هذه الدول دون ترتيب حسب الأهمية ، لكنه لم يشر على أي حال إلى أي من الدول الغربية الأوروبية .      

أتفق مع الخبير والإستراتيجي العالم ؛ طلال ابو غزالة، بان الصين ستكون الدولة الأعظم إقتصادياً ، لكن اختلف معه في أن تكون الأعظم سياسيا وعسكريا ونفوذا في العالم او أن تكون شريكة في قيادة العالم .. بل لا أعتقد أن للصين أو للصينيين أو قياداتهم طموحات توسعية خارج حدودهم الجغرافية التاريخية والديمغرافية ، سواء كانت استعمارية أو عسكرية أو امنية استخبارية.

نعم  لقد شهدت الصين منذ إنقضاء فترة الحرب الباردة والنظام العالمي المتولد عن الحرب العالمية الثانية ، مطلع التسعينات ـ  اهتماما أكيداً بمنطقة الشرق الأوسط ، كما ورد في تقرير امريكي بعنوان " التنين الحذر " حيث حرصت الصين على بناء علاقات مميزة مع البلدين "المحوريين"بحسب التقرير في المنطقة( السعودية وإيران ) على ما بينهما من تباينات بل وتناقضات ،  لكنها حرصت أيضاً على عدم التورط  في إنحيازات عميقة، إنما كانت معنية باستقرار المنطقة بما يؤمن لها استمرار إنسياب مصالحها حتى لو كان ذلك " بحضور  امريكي مميز" بحسب التقرير .

لكن ينبغي الإعتراف ان إستراتيجية الصين الجديدة المعروفة بـ طريق الحرير بفرعيه البري والبحري، سببّت وستسبب لامريكا قلقاً بالغا ، وهو ما يفسر إستياء واشنطن من إيطاليا التي توافقت مع بكين بخصوص الطريق هذا.. فضلاً عن التقدم الهائل الذي حققته الصين وتحققه من تقدم راق على الصعيد الإقتصادي ، دون أساطيل وقواعد عسكرية وانقلابات وفتن وحروب ودون دولار أو رغماً عن الدولار الذي تحتفظ بتريليونات منه .. وهو ما قد يُقلق اكثر الولايات المتحدة ويبدو أن هذه السياسة إستراتيجية ثابتة لدى الصين ، يؤهلها لمزيد من التقدم بأقل قدر من ترف الإنفاق في غير مساقات إقتصادية بحتة ؛ تحقق لها التقدم المضطرد .

لكن هذه السياسة على أهميتها لا ولن تحقق للصين قيادة العالم، إلى جانب عوامل أخرى من بينها ، أنها لا تمتلك ثروات إستراتيجية كالنفط والغاز، ولا ممراتٍ ابحرية مهمة ،ولا تتمتع بموقع إستراتيجي تفرض من خلاله سيطرة على آخرين أو تمتلك نفوذا عسكرياً على موقع إستراتيجي في الشرق الأوسط، ولا تمتلك عقيدة ولغة وثقافة متبناة خارج حدودها وشعبها، رغم ما تنطوي عليه الصين من رقي مهذب مميز.

وهي إن حاولت تحقيق مزايا لا تمتلكها كما المستعمرين العثمانيين والأوروبيين الغربيين والامريكان و الصهاينة ، فستنشغل بحروب ومناكفات دولية تقوض تقدمها الإقتصادي ومزايا الداخل الصيني الخاص في الثقافة والرياضة والتهذيب والجدية والروح الجمعية ، وفي المقدمة التقدم الإقتصادي والعلمي والتقني الهائل .   

أما الولايات المتحدة الامريكية فقد بدأت مقدمات إنهيارها بإنهيار الإتحاد السوفييتي والمنظومة الإشتراكية (وقد كتبت في ذلك مرارا بجريدة الدستور الأردنية بداية التسعينات وفي القادسية العراقية ) فقوانين الطبيعة والسياسة وكل شيء؛ تقوم على الثنائية .. وحدة الخالق وثنائية المخلوقات .. والنظام العالمي منذ بدء الخليقة والحضارة يقوم على الثنائية ؛ ولكن عندما يتأخر اندثار أحد طرفي الثنائية دون الآخر، فإن هذا يعني أن الطرف المتأخر اندثاره، خلافاً لقوانين الكون والطبيعة والمجتمعات ، لن تكون نهايته نهاية عادية كما انهيار الطرف الأول أو كأي دولة تدول ، وان العالم سيمر في ظروف وحروب وتداعيات غاية في السوء ، وهو ما حصل فعلا من حروب وفتن وإنقلابات وإرهاب وتطرف واحتلالات وتقويض أنظمة وإسقاط دول ، فالقطبية الواحدة منافية لنواميس الكون .

لقد إنتهى الإتحاد السوفييتي ، لكن مكوناته والمنظومة الإشتراكية عادت إلى أصولها القومية التاريخية الضاربة بالزمن والعراقة ، لكن الولايات المتحدة الامريكية ، لا تمتلك العراقة ولا التاريخ ، وعندما تنتهي وهي آيلة إلى ذلك ، فلن تعود إلى جذور ، فهي بلا جذور ، ستتفتت الى إثنيات وأعراق وطبقات وولايات لا جذوراً قومية لها ولا دينا يجمعها وإنما مافيات وبقايا ماسونية ودويلات عميقة فاشلة ولا من جامع يجمعها فتؤول إليه ، بخاصة انها أكبر دولة مدينة وأكثر كيان سياسي عالمي محل كراهية العالم له ، توالى على حكمها على مدى 3 عقود أفشل رؤساء العالم ، فمن قاريء كف ، ورئيس لم يستطع تجديد ولايته في ذروة تحلل الإتحاد السوفييتي والمنظومة الإشنراكية ، الى منشغل بجهازه البولي ، إلى مدعٍ بتلق أوامر الهية ، إلى عاجز كذوب تعيّش على لونه وجذوره ، وهي منه براء ، إلى رئيس أحمق شتت البنى الداخلية لأمريكا وأسقط هيبتها ..

ولم يكن رؤساء أعظم دولتين اوروبيتين احسن حالاً ، وهما بريطانيا وفرنسا ، ما يؤشر على ان الغرب جغرافياً وإمبرياليا وأخلاقيا وحضارياً إلى سقوط عظيم . 

 لقد تقدمت الولايات المتحدة الأمريكية على آلام شعوب اوروبا الغربية، الغالب منها والمغلوب بنتيجة الحرب العالمية الثانية ، ورغم ذلك ( نجد الولايات المتحدة  الآن هي الأشد عداء للإتحاد الاوروبي رغم أن أوروبا الغربية كانت في سبعينات وثمانينات القرن الـ 20 الداعمة الأول للدولار؛كلما تعرض لهزة)  فكمثال  ضغطت أمريكا لكي تخرج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي وهو الخروج الجدلي حتى من قبل قطاع واسع من البريطانيين ومكونات المملكة المتحدة ، وهي المخربة لأي تطلع استقلالي أوروبي عنها، وعندما طرح الرئيس الفرنسي التمايز عن أمريكا والإستقلال عن الدولار قبل نحو عامين ، خرج الى الشوارع الفرنسية  خلال فترة وجيزة أصحاب الستر الصفراء .. تماما كما يعمل الأبيض ضد لبنان او العراق او سورية أو ليبيا او اليمن او فنزويلا وغيرها .. وكما أججت الإرهاب في ثمانينات القرن العشرين بالجزائر بالتنسيق مع فرنسا وامريكا والسعودية .

نعود الى جدلية القطبية الثنائية ، أتفق مع طلال ابو غزالة بان النظام العالمي الناشيء عن الحرب الثانية، ونظام الأحادية القطبية ؛ المسخ ، آيل للسقوط، وأضيف بطريقة تراجيدية !؟ وقد عجّل في نهايته وباء كورونا ؛ الذي عرى عجزه وتفاهته ، وبخاصة في أمريكا والإتحاد الأوروبي وفي منظماته الأممية ومؤسسات رأسه ماله الدولية ، وإن إستعارته لمقولة الرئيس الصيني بأن العالم  بعد كورونا ليس كما قبله في مكانها ودقتها ..

وكما أسبقت،يشترط لكي تكون دولة ما أحد طرفي معادلة القطبية الثنائية ، ان تكون موجودة استراتيجيا وبقوة في منطقة الشرق اوسط ، عسكريا وأن تكون بعض دول المنطقة موالية لها أو محتلة من قبلها ، ليس مهما أن تتوافر هذه الدولة في مناطق من العالم ، وإنما في هذه المنطقة التي تتوفر على الطاقة بأنواعها : النفط والغاز والصخر الزيتي والشمس والرياح .. كما تنطوي على المرات المائية والجوية والبرية ، وتضم الأيديولوجيات الدينية السماوية ، والإستقرار المناخي والجيولوجي وكل ما تنتجه الطبيعة من زراعات إستراتيجية ضرورية للإنسان .

كما لا بد أن تتوافر تلك الدول في عصرنا على قدر عال من التقدم الصناعي والزراعي وضرورات الحياة والمساحة الجغرافية وعدد السكان داخلياً .

ويتوفر الإتحاد الروسي على مجمل هذه الشروط فهو موجود في منطقة الشرق الأوسط بقوة ويجمع بين يديه كل الأطراف النقيضة ، برغبتها ومصالحها ودون حروب أو فرض أيديولوجيات أو عقائد ، ما يجعل وجوده سلسا يسيرا وغير مكلف نسبياً .. ومستداما ومقبولا .. ومساحة روسيا وعدد سكانها تؤهلها للقيادة ، فضلاً عن أنه بلد منتج للبترول والغاز والذهب ومتقدم صناعيا وزراعيا وعسكريا وله علاقات وتحالفات دولية واسعة تحقق مصالحه بقوة . 

لذلك أرى أن روسيا ستكون أحد طرفي الثنائية الدولية الجديدة ، وسيكون لروسيا تحالف دولي عريض قوي من بين أطرافه الصين وإيران وسورية التي ستفرد جناحيها على المنطقة وكوريا الديمقراطية وكوبا وفنزويلا وبعض دول أمريكا اللاتينية ودول طورانية سوفيتية سابقة .

أما الطرف الثاني للثنائية الدولية ، فارى انه لم يتشكل بعد ، وقد لا يكون دولة واحدة وإنما تحالف دول ستتشكل، بعد ؛ نقيضة لروسيا ، تتباين معها في المصالح والغايات والأهداف ( باعتبار أن التناقض من شروط الثنائية ) ربما يكون الإتحاد الأوروبي ولكن في ظل صيغة إتحادية مختلفة اكثر تماسكاً واستقلالية عن الولايات المتحدة الأمريكية ، يقوم على أنقاضها ، أو إتحاد الدول الإسلامية الطورانية الآسيوية ، ولكن دون تركيا الغاربة الآلية للسقوط .

وقد تكون إيران الدولة الثانية في معادلة الدولتين العظميين ، على الرغم من كونها وروسيا حليفين الآن ، فإيران بنظامها الحالي دولة إسلامية ، تختلف عقيديا مع موسكو المسيحية الأرثوذكسية العلمانية ، ونحن نرى الآن بعض التباين الخجول بينهما فيما يتعلق بقضايا ساخنة كاليمن والبحرين والسعودية وجزئياً في سورية ، وفي العلاقة مع تركيا .. وباعتبار تعري الدول الإسلامية الأخرى وسقوط أنظمتها بتورطها في الإرهاب ، وتراجعها مالياً بما انفقت في غير أوجه الإنفاق المجدي بل العدواني .. وإنهيار تحالفها مع الولايات المتحدة وأوروبا الغربية وإسرائيل بسقوط هذه الأنظمة ، فمن المحتمل أن ترث طهران هذه المكانة بدعم وصيغة تتساوق مع بعض الدول الإسلامية ، وفي ظل تلاشي التناقضات المذهبية والتيارات الإخونية والوهابية والتكفيرية والإرهابية . 

وسيساعدهاعلى تحقيق هذه المكانة، أنها  جزءا من المنطقة تاريخيا وجغرافيا ، تتوفر على مساحة جغرافية ملائمة على طريق الحرير التاريخي تتوفر على عدد معقول من السكان،منتجة للبترول ولديها موارد زراعية وأحفورية متقدمة صناعيا وعلميا، لم تستطع الحصارات كسرها ، ولديها عقيدة تتيح التفاف ملايين البشر من حولها ، ولديا مزايا بحرية في هرمز وبحر العرب .  

محمد شريف الجيوسي

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطرائف