لماذا لن يتمكن ابن سلمان من إغلاق قضية خاشقجي؟

ثلاثاء, 05/26/2020 - 18:22

ما هو تأثير عفو أسرة "جمال خاشقجي" عن قتلة والدهم على سير القضية؟ وما هي دوافعه؟ ولماذا صدر في هذا التوقيت؟ تصدرت هذه الأسئلة تعليقات متابعي الشأن السعودي فور إعلان الأسرة، ليلة 22 مايو/أيار، التنازل عن مطالباتهم بالقصاص وفق بيان أصدره "صلاح خاشقجي"، نجل الصحفي المغدور، الذي قتله عملاء رسميون داخل قنصلية المملكة بمدينة إسطنبول التركية في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018.

وبينما برر نجل "خاشقجي" عفوه عن قتلة والده باستذكار فضل "الليلة الفضيلة من شهر رمضان"، وفضيلة العفو في القرآن الكريم، رأى مراقبون أن القرار وتوقيته معدان سلفا، وأن الحكومة السعودية قامت بإكراه أبناء الصحفي المغدور باستخدام ذهب السلطان وسيفه معا.

ومن شأن إعلان هذا العفو أن يمنح السلطات السعودية فرصة لغلق قضية مقتل "خاشقجي" داخلياً بعد أن حكمت المحكمة في ديسمبر/كانون الأول الماضي بالإعدام على 5 متهمين من الاستخبارات السعودية لقيامهم بقتل وتقطيع جثة الصحفي المغدور، من بين 15 شخصا اتهمتهم السلطات التركية بتنفيذ الجريمة.

وبذلك يخرج جميع المتهمين بتنفيذ عملية القتل البشعة من تبعات القضية دون عقاب، وسط تقارير غربية تؤكد أن كثيرا منهم لايزالون على رأس أعمالهم الأمنية والمخابراتية.

وأصدر القضاء السعودي في ديسمبر/كانون الأول الماضي أحكاما ابتدائية في القضية، برأ بموجبها 3 مسؤولين بارزين من الجريمة، وهم: "سعود القحطاني" المقرب من ولي عهد المملكة "محمد بن سلمان"، والقنصل السعودي السابق في إسطنبول "محمد العتيبي"، واللواء "أحمد عسيري"، النائب السابق لمدير الاستخبارات.

التنصل من المسؤولية

لكن "التكييف القانوني" للقضية وتوقيت إعلان العفو يؤشران إلى أن إخلاء مسؤولية قتلة "خاشقجي" عن الجريمة كان معد سلفا، حسب تأكيد الباحث في القانون "عبدالله العودة"، نجل الداعية السعودي المعتقل "سلمان العودة"، عبر تويتر، لافتا إلى أن المملكة تعيد تقديم قضية "خاشقجي" باعتبارها "قضية قصاص"، بما يعني إمكانية العفو عن القاتل من قبل عائلة القتيل.

ووفقا للعودة، فإن الوصف الحقيقي للجريمة هي أنها عملية "قتل غيلة"، وهو نوع من الجرائم لا يُقبل فيه العفو من أولياء الدم، حسب ترجيح العديد من مذاهب الفقه الإسلامي، وقد تناولت أبحاث وفتاوى هيئة كبار العلماء السعودية أحكام قتل الغيلة، ورجحت أنه لا صلاحية لعائلة المغدور بالعفو، وأن القاتل "غيلة" يجب قتله حدّا، وليس قصاصا كما قضت السلطات السعودية سابقا، وكما ورد في المجلد الثالث من أبحاث هيئة كبار العلماء الصادر عام 2013.

وينص الكتاب على أنه "لا يجوز العفو في قاتل الغيلة، وإذا عفا الأولياء قتله السلطان"، مشيرا إلى أن الإمامين "مالك بن أنس" و"ابن تيمية" أفتيا بذلك، وهو ما تأخذ به المملكة.

وسبق أن أفتى مفتي السابق "محمد بن إبراهيم آل الشيخ"، في ديسمبر/كانون أول 1959، بحتمية قتل امرأة قتل زوجها "غيلة"، دون النظر لإمكانية عفو ذوي زوجها.

ولذا يرى "العودة" أن تكييف القضية في إطار "القصاص" استهدف الوصول إلى إعلان العفو في النهاية وفق سيناريو محبوك ابتداء، وبمشاركة عائلة "خاشقجي".

أما توقيت العفو فاعتبره مراقبون محاولة غير مشروعة لاستغلال أجواء شهر رمضان المبارك، ومعاني الصفح والاحتساب من أجل تفادي عواقب جريمة سياسية يرجح أن ولي العهد السعودي نفسه قد تورط فيها، مع الإعلان عن الخبر ليلة عيد الفطر من أجل ضمان اختفاء الجدل حوله بشكل مبكر.

ويأتي عفو أبناء "خاشقجي" عن قتلة والدهم، في حين لم تفصح السلطات السعودية عن مصير جثة والدهم إلى الآن، ليزيد من الشكوك حول طبيعة هذا العفو، خاصة في ظل تقارير غربية تفيد بأن السلطات السعودية استخدمت وسائل الترغيب والترغيب لانتزاع العفو من أبناء الصحفي المغدور.

ترغيب وترهيب

وتستند فرضية إكراه عائلة "خاشقجي" على العفو عن القتلة حتى قبل معرفة مصير الجثة إلى كون معظم أفراد العائلة يعيشون داخل المملكة، بما يعني سهولة "إجبارهم" على على التنازل عن القصاص.

في المقابل، قدمت صحف غربية مؤشرات على سيناريو معاكس، حيث نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا، في أبريل/نيسان 2019، ذكرت فيه أن السلطات السعودية منحت أبناء "خاشقجي" منازل تقدر قيمتها بملايين الدولارات، ودفعات شهرية لا تقل عن 10 آلاف دولار، فيما نشرت صحيفة "ميدل إيست آي" البريطانية، تقريرا في  أغسطس/آب من العام ذاته، عن توجه من "بن سلمان" لإغلاق ملف قضية "خاشقجي" عبر الحصول على عفو من أولياء الدم.

ورغم أن "صلاح خاشقجي" نفى أن تكون تلك المنح تهدف لإسكات أفراد العائلة عن المطالبة بحق والدهم، كان من الواضح أن أفراد العائلة يتجنبون توجيه أي انتقادات للسطات السعودية، رغم أن وفاة والدهم أثارت غضبا عالميا وإدانة واسعة النطاق لولي العهد.

بل إن "صلاح خاشقجي" قام بنشر تغريدات عبر تويتر دعا خلالها وسائل الإعلام العالمية لـ "عدم استغلال قضية والده"، مؤكدا ثقته بالقضاء السعودي.

وفي مواجهة الموقف المثير للجدل لأبناء "خاشقجي"، أكد الناشط السعودي "يحيى عسيري" عبر تويتر، على أن "قضية خاشقجي ليست عائلية أو شخصية، وليست من قبيل القتل الخطأ"؛ وبالتالي فإن أحدا لا يملك العفو عن المتهمين؛ لأن "السلطات السعودية قتلت خاشقجي بسبب عمله السياسي".

كما نشرت خطيبة الصحفي المغدور، التركية "خديجة جنكيز"، تغريدات أكد فيها أنه ليس لأحد الحق في العفو عن قتلة خطيبها، مشددة على أن "القتلة قدموا من السعودية بترتيب مسبق، والقتل غيلة، وليس لأحد حق العفو"، وأن "جريمة قتله (خاشقجي) المشينة لن تسقط بالتقادم".

ورغم أنه من الصعب التنبؤ بتأثير العفو المثير للجدل على مسار قضية الاغتيال السياسي الأشهر خلال الأعوام الأخيرة، من السهل أن نقول أنه حتى لو نجحت المملكة في استخدام هذا العفو لإغلاق القضية داخليا، فإن هذا السيناريو المعيب لن يكون كافيا لإقناع العالم بالكف عن المطالبة بمحاسبة قتلة "خاشقجي" بمن فيهم ولي العهد السعودي نفسه، الذي يبدو أن دماء "خاشقجي" سوف تظل تطارده في الوقت الذي يسابق فيه الزمن للصعود إلى العرش.

 

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطرائف