كوفيد 19 تهديد جدي لنمط حياة وسياسات

أحد, 07/05/2020 - 15:29

بشكل مفاجئ وسريع، داهم كوفيد ١٩ الحياة الإنسانية ، وفتك بأرواح الآلاف. ورغم القدرات والخبرات العلمية والطبية الكبيرة التي بلغتها البشرية، والإمكانات المالية الضخمة للدول المتقدمة، إلا أنها(باستثناء التجربة الصينية)، وبعض التجارب القليلة، عجزت معظم الدول، حتى الآن، عن إيقاف زحف هذا الوباء أو تصاعد وتيرته ، و عن إيجاد الرد الحاسم، على هذا التحدي الذي فرض نفسه عليها. 

إلا أن ذلك لا يعني، إن المعركة، على الصعيد العلمي، (بوصفه طريق وأداة البشرية الحاسمة للانتصار في هذه المعركة)، قد حسمت لصالح هذا الفيروس.

 

 فأخبار تجارب علاجات و(لقاحات أيضا)، أثبتت فاعلية ما، في هذه المواجهة، هي في تزايد. وهي أخبار تبعث على الأمل. 

فالبشرية اليوم تسند إلى رصيد أرضية علمية هامة، (معرفة وأدوات كشف وعمل، وخبرة متراكمة في التعامل مع الفيروسات والأوبئة، والسلالات التاجية) ، ساهمت في سرعة معرفة التركيبة الجينية للفيروس واليات عمله،  والقدرة على التحكم به بدرجة معينة، عبر أدوية أثبتت فاعلية حتى الآن في التجربة.

 

 بل وقد بدأ العمل بتجربة لقاحات واعدة، لا يشك في قدرتها على حسم المعركة لصالح البقاء الإنساني وقدراته العلمية اللا محدودة.

إلا أن تجربة المواجهة مع هذا الفيروس، أثبتت كما في تجارب مع فيروسات أخرى، انه لا يمكن التعامل مع الأمر، بالبعد العلمي والطبي والوبائي فقط. فالنجاح في هذه المواجهة، يتطلب أيضا مراعاة، الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية، وانتهاج سياسات رعاية طبية واجتماعية وعلمية،  بأولويات إنسانية واقتصادية واجتماعية، عقلانية وأخلاقية، تكون فيها أولوية الإنسان وحياته وحقوقه، واضحة ومحسومة. 

والمفارقة أن قدرات العلم على النجاح في هذه المواجهة مع الفيروس، على صعوبتها، تبدو جاهزة بدرجة اكبر وأوضح، من جاهزين النظام  الدولي، السياسي والاقتصادي، للتعامل مع التداعيات ، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، التي خلفها هذا التحدي ويمكن أن يخلفها، على حياة الناس، والمجتمعات. 
فالنجاح في المسار العلمي، بهذه القراءة و كما تشير، المعطيات الحالية، هو أسهل هذه المسارات وأوضحها.

 

 كونه المنطقة التي تجتمع عندها، مصلحة ومصير الوجود الإنساني.

فحتى الأطراف التي قد تتناقض مصالحها الضيقة أو الآنية، موضوعيا (اقتصاديا بالدرجة الأولى)، ولا يمكنها التعامل، بشكل مطلق بأولويات إنسانية مجردة، باتت مصالحها الأنانية هذه محكومة بسرعة النجاح في هذه المعركة، وبضرورة المساهمة في دعم البحوث والجهود العلمية ، من اجل عودة الحياة الإنسانية، والاقتصادية إلى ظروفها الطبيعية.

 
فما لم يخرج هذا الفيروس عن السيطرة، (حينها ستلتقي أولويات رأس المال والسوق مع أولوية الحياة والبقاء)، ستبقى خطورة تقديم، أولويات السوق وشركات الدواء الاحتكارية( للإنتاج والبحث)، هي ما يمكن أن تعرقل هذا التقدم الطبي والبحثي، الممكن والمؤمل. 

وسياسات التأخر أو التباطوء في اتخاذ إجراءات الوقاية والحظر، أو التخفي وراء مفهوم مناعة القطيع(اللا إنساني) ،( وهي حتى لو كانت كلمة حق، نخشى أن يراد بها باطل)، والعجز أو التقصير في توفير منظومة الرعاية والعلاج، اللازمة، كانت كارثية على هذه الدول والمجتمعات.

 

 وقد دفع ثمنها بالأساس، كل الحلقات الاجتماعية الضعيفة في المجتمع. (كبار السن، إجراء العمل اليومي، الفقراء اللذين يعيشون بمناطق وظروف الاكتظاظ السكني (طبقات وأعراق).

 

 دع عنك أوضاع الشعوب في بلدان التخوم والأطراف، الضعيفة القدرات والموارد الصحية والاقتصادية. فهذه البلدان ستتحمل على الأغلب، العبء الأكبر في هذه المواجهة.
لقد عكست هذه السياسات ملمحا طبقيا وعرقيا، لا أخلاقيا واضحا، يصل في بعض تأويلاته، تسويقا لمالتوسية جديدة أو مغلفة.

 

 وليس لدي شك إن ما يقيد هذه الرؤى والأهداف، إنما هي مصالح، نفس الطبقات التي تقف وراء، بقاء اقتصاد العولمة الظالمة، المتناقضة ، التي تختزل كل تناقضات رأس المال، البنيوية ، الأساسية والثانوية، في مراكزه وتخومه ، والتي فرضتها مدرسة الليبرالية الجديدة على العالم،  وتدفع  دول التخوم التابعة والضعيفة التطور، العبء الأكبر من تداعيات العولمة وأزماتها، الموضوعية والمفتعلة.

قالت كريستينا جورجيفا رئيسة صندوق النقد الدولي، قبل أيام، إن" أكثر من 90 دولة طلبت مساعدات مالية طارئة من صندوق النقد الدولي مع دخول العالم أزمة اقتصادية غير مسبوقة" .

وأضافت  أنه "لم يحدث في تاريخ صندوق النقد الدولي أن رأينا اقتصاد العالم يصاب بمثل هذه الحالة من الشلل".

وأكدت "نحن الآن في حالة ركود. إنه طريق أسوأ من الأزمة المالية العالمية". 
والاستخلاص الذي تجد البشرية نفسها أمامه اليوم، في هذا التحدي ، هو ذات التحديات  المشابهة، التي واجهتها بالأمس.

 

 وهو أن الإخفاق في مواجهة هذه الجائحات، كان ولازال تعبيرا عن خلل سياسات. سياسات الرعاية الصحية والاجتماعية، والسياسات الاقتصادية، وسياسات العدالة الاجتماعية.

فالأمراض والأوبئة، الجوع والفقر، الأمية والتخلف، تفتك بملايين البشر سنويا. وضحاياها وضحايا الحروب والقمع والنهب والاستعباد، المكشوف والمستتر، هي جائحات أخرى، لازالت تهدد إنسانية حياتنا، رغم أنها طرحت نفسها على جدول عمل الإنسانية، منذ زمن طويل.

 
إن ضحايا هذه الجائحات، ليس اقل من ضحايا كورونا.

 

 وهي لازالت تشكل تهديدا جديا أخلاقيا واقتصاديا لحياتنا المعاصرة. وكان يمكن للنجاح المبكر، في هذه الملفات ، وتعزيز الاستثمار في البحث العلمي والدواء والعلاج، وفي نظام رعاية صحية واجتماعية أفضل أن يكون عاملا مخففا، لحجم التهديد الذي مثلته كورونا ، وعلى الأقل في سرعة الكشف عنه.

 
ولكنها كانت ولازالت ، أولويات سياسات دول وطبقات وفئات، تضع المكاسب او الخسائر الاقتصادية، أولوية تتقدم على قيمة الحياة الإنسانية عموما وقيمة حياة الفرد. 
ومع ذلك فان أسئلة كبرى، تتعلق بنمط العولمة و الحياة، والعلاقات الدولية ، وأهمية الإنفاق الاجتماعي والصحي الذي تقدمه الدولة ، ووظائف ودور الدولة  ومدى تدخلها، وتقليص الإنفاق العسكري، وسياسات خلق الصراعات والحروب، أعادت الكورونا اليوم طرحها على جدول عمل الإنسانية.

بل وضعت فكر وثقافة الليبرالية الجديدة ، وإنسانيتها، وأخلاقية نظامها الاقتصادي، على المحك. 

فهل ستؤدي تطورات كوفيد 19، إلى غلق كل  فرص العودة إلى نمط حياتنا، وقواعد النظام الدولي الذي يحكمها؟ وتتمكن  لوحدها من انجاز ما عجز عن تحقيقه الإنسان عبر نضاله  الاجتماعي. 

وهل سيعيدنا  العلم، حينما يتحقق انتصاره على الوباء ، إلى ذات المربع أم انه سيفتح أمام الإنسانية حتما  أفق طريق جديد. 

هذه الأسئلة وغيرها ستجيب عنها التطورات القادمة. 

يبلغ عدد الفيروسات على كوكب الأرض، أضعاف تعداد البشر، بينما يبلغ عدد مضادات الفيروسات الفعالة، حوالي 90 مضادًا فيروسيًا.

يمكن القول بأن مسيرة حياة الإنسان، تتلخص في حربه ضد الجراثيم، من بكتيريا، إلى فيروسات، وحتى الطفيليات والديدان.

وتعد الأمراض الفيروسية واحدة من أكثر أسباب الوفيات في العالم. 

فعدوى الجزء السفلي من الجهاز التنفسي أودت بحياة 3.2 مليون شخص عالميًّا في عام 2015، وأودى فيروس نقص المناعة المكتسبة (AIDS) في العام ذاته بحياة 1.1 مليون شخص، ويسجل «الالتهاب الكبدي الوبائي ج»، أو ما يعرف بفيروس سي، أكثر من 185 مليون إصابة عالمية، أي أكثر من 3% من سكان العالم، أما فيروس كورونا المستجد؛ فسجَّل حتى وقت كتابة هذا التقرير، أكثر من مليون وربع إصابة.

وبسبب الأمراض المُعدية (الإسهال والملاريا والحصبة وأمراض الجهاز التنفسي الحادة) يموت (11) مليون طفل دون سن الخامسة كل عام في البلدان النامية.
تختلف التواريخ الواردة عن سنة اكتشاف أول الفيروسات في العالم، لكن الأكيد أن أول فيروس مكتشف كان يحمل اسم «فيروس تبرقش التبغ» الذي يصيب النباتات. فالفيروس لا يصيب البشر فقط؛ لكنه يصيب البكتيريا، ويصيب الحيوانات أيضًا. والفيروس هو أصغر كائن حي يمكن أن يصيبك، وهو لا يقدر على التكاثر إلا داخل عائل وسيط، والذي يمكن أن يكون أي كائن حي. لا يمتلك الفيروس خلايا، لذلك هناك جدل في عدِّه كائنًا حيًّا. ويحتوي الفيروس على مادة وراثية في صورة «DNA» أو «RNA»، ويحتوي عادةً على غلاف من البروتين، كي يحمي المادة الوراثية. بمجرد دخول الفيروس للخلية المستهدفة؛ يحقن مادته الوراثية داخل الخلايا بعدة طرق، ويحولها لمصنع إنتاج فيروسات جديدة، بدلًا من إنجاز مهامها كخلايا طبيعية.

يقدر حجم سوق الأمصال واللقاحات ب 35 مليار دولار أميركي، هذا يمثل نسبة 2 إلى 3 في المائة من إجمالي سوق الدواء العالمي البالغ قيمته 1.2 تريليون دولار".

 

ورغم أن تصنيع اللقاحات قد يكون استثمارا غير جذاب للكثير من الشركات، لكنه يمثل استفادة كبرى للاقتصاد على المدى الطويل.

وعلى سبيل المثال، فإن كل دولاراً أنفق على التطعيم ضد مرض شلل الأطفال والحصبة، ساهم في توفير نحو 20 دولارا من التكاليف والأعباء الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة، وقد يصل التوفير من حملة مكافحة شلل الأطفال إلى 50 مليار دولار عالميا في الفترة من 1988 حتى 2035.

كريستينا رئيسة صندوق النقد الدولي، تقدم دليلا آخر لحقيقة آثار العولمة في بلدان التخوم، حينما تخبرنا إلى أن" الدول الصاعدة اقتصاديا والنامية هي الأشد تضررا من تداعيات أزمة كورونا، حيث خرج منها نحو 90 مليار دولار خلال الفترة الأخيرة. وتشير إلى أن صندوق النقد سيستخدم مخصصات الطوارئ البالغة قيمتها تريليون دولار لمساعدة الاقتصاد الأشد معاناة بما في ذلك الدول الإفريقية، التي ستواجه الاختيار بين إطعام شعوبها أو مكافحة الفيروس.

بسبب الجوع وحده يموت (9) ملايين من البشر كل عام، من بينهم (6) ملايين طفل في دون سن الخامسة. وبسبب الأمراض المُعدية (الإسهال والملاريا والحصبة وأمراض الجهاز التنفسي الحادة) يموت (11) مليون طفل دون سن الخامسة كل عام في البلدان النامية.

وفي الدول العشر الأكثر تضرّراً من الحروب بسبب الجوع أو قلّة النظافة أو الافتقار إلى الرعاية الصحيّة أو الحرمان من المعونة (العراق وأفغانستان وجنوب السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى والكونغو الديمقراطية وسوريا واليمن ومالي ونيجيريا والصومال)، مات ما لا يقلّ عن (870) ألف رضيع وطفل بين عامي (2013 – 2017).

بقلم: عمر دغوغي الإدريسي مدير مكتب صنعاء نيوز بالمملكة المغربية

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطرائف