الدولة العثمانية ودورها في التسرب اليهودي إلى فلسطين

أحد, 03/06/2016 - 09:16

لكل شيء جذور ولكل حدث لابد من مسببات والحديث عن ضياع فلسطين قد كثر الهرج والمرج فيه و معظم الذين كتبوا فيه يحملون أيدلوجيات معينة ولهم توجه فكري معين مما أدى إلى خلط أوراق كثيرة في القضية .

علي هنا أحاول أن أضع يدي على بدايات تسرب اليهود إلى فلسطين ، لو نظرنا إلى التاريخ بعمق وتمحيص نجد انه لم يكن هناك كيان عربي أو فلسطيني مستقل في التاريخ الحديث ومرجع ذلك إلى وجود سيطرة عثمانية على جميع البلاد العربية ككل وفلسطين كجزء لا يتجزأ منها.

وكان هناك أيضاً طمس أو تغيب للهوية العربية لحساب الهوية العثمانية واعرف أن الكثير سيعترض علي قائلا أن اللغة المستخدمة هي العربية والدين الإسلامي الخ من هذا القول، ولكن المتعمق بأحداث الدولة العثمانية في الوطن العربي وكيف أنها جردت الأمة من مفكريها وصناعها وكيف تم اقتيادهم إلى عاصمة دولتهم إبان سيطرتهم على المنطقة العربية لبنائها يفهم جيدا ما اعني.

وكما أسلفناأن فلسطين جزء من الأمة وإن أردنا أن نضع يدنا علي بدايات الضياع فسنجده بدء من يوم توقيع السلطان العثماني سليمان القانوني معاهدة الامتيازات الأجنبية مع ملك فرنسا فرنسوا الأول حيث بدء تسلل اليهود إلى فلسطين تحت الراية الفرنسية كرعايا لها وقد كانت الامتيازات التي أعطيت للقناصل آنذاك جعلتهم يقيموا دولة داخل الدولة وبدت مطامع الاستعمار تتكشف مستغلة الامتياز في فترة ضعف الدولة العثمانية . أما المرحلة الثانية فكانت عندما تم إصدار قانون الطابو لعام 1858 و قانون تملك الأجانب عام 1869.

ومن الأمثلة على تساهل العثمانيين في الاستيطان الصهيوني في فلسطين الحي اليهودي في القدس والذي ظهر بعد أن زار الثري البريطاني اليهودي السير موشيه مونتفيوري فلسطين 1827و لم يجد بين منطقة تل القاضي شمال فلسطين وبئر السبع في الجنوب أكثر من 500 يهودي وجميعهم كانوا في حال مريعة من الفقر والانحطاط فتقدم إلى الباب العالي وطلب منه إذنا بتشييد عدد من الملاجئ لإيواء اليهود وقد حصل عليه عام 1838غير أن البناء لم يبدأ قبل 1856 فأقيم 27 كوخا على قطعة ارض تقع خارج سور البلدة القديمة للقدس .

ومع صدور قانون استملاك الأجانب عام 1869 اعترفت السلطات العثمانية في هذا الحي الذي بات نواة الحي اليهودي في القدس وإقامة مستعمرة بتاح تكفا التي أقيمت علي أراضي قرية ملبس(فتحة الأمل) عام 1878 و كل هذا على مرئي السلطات العثمانية.

أضف إلى ذلك إقامة أول مدرسة زراعية يهودية في فلسطين وهي مدرسة نيتر التي أنشئت عام 1870 عند مدخل مدينة يافا وكان الهدف من ذلك كله اقصد المدارس الزراعية والمستعمرات التي تقوم علي العمل التعاوني الزراعي هو ربط المهاجر الصهيوني بالأرض وخلق اليهودي الفلاح لان الزراعة والعمل بالأرض تجعل هناك رابط قوي بين الإنسانوالأرض علما أن المهاجرين لم يكونوا مزارعين بل كانوا تجارا ومرابين فكان فكر أباء الاستيطان الصهيوني بربطهم بالوطن الوليد لهم عن طريق العمل بالزراعة. ولكن عندما زار روتشيلد فلسطين في أواخر القرن ال19 خرج لاستقباله المستعمرون بالفراك الأسود( القبعة الصوفية ) وجراب اليدين الأبيض وعلى رؤؤسهم القلنسوات الباريسية بينما كان روتشيلد ينتظر أن يري في مستعمراته فلاحين خشنت أيديهم من حراثةالأرض وتمزقت أذيالهم من قلع شوكها لذلك غضب غضبا شديدا وعمد بإدارة المستعمرات إلى جمعية الايكا (البيكا) التي تأسست عام 1891م على أنها جمعية خيرية يهودية, هدفها "مساعدة وتطوير عملية تهجير اليهود الفقراء والمحتاجين من أي مكان في أوروبا وآسيا, حيث يعانون القهر والحرمان من الحقوق السياسية (حسب رأي الجمعية في ذلك الوقت)، إلى أي مكان آخر في العالم يمكن سكانه التمتع بحقوق الإنسان. وقد تأسست بمبادرة من البارون موريس دو هرش، وهو مصرفي ورجل أعمال يهودي من أصل ألماني، كان يعيش في فرنسا مختلطاً بالأوساط الاحتكارية والاستعمارية التي كانت تقف وراء المشروع الصهيوني، وكان واجهة يهودية لها. سجلت الجمعية عام 1893م في لندن كشركة مساهمة رأسمالها الأولى مليون جنيه إسترليني، رفع فيما بعد إلى ثمانية ملايين جنيه إسترليني ، وتشكل مجلس إدارتها من الشخصيات اليهودية المرتبطة بالاحتكارات الرأسمالية في بريطانيا وبلجيكا وفرنسا وألمانيا برئاسة البارون دو هرش. ما أدرجته من معلومات سابقة ليس جديداً في هذا السياق على المختصين وقرأ التاريخ والمثقفين والسياسيين لكن مقصدي من إعادة صياغة هذه المعلومات بهذه الطريقة المكثفة والمختصرة هو التذكير لمن نسي أو يتناسى من جهة وإثراء المعرفة لمن يعنى بمعرفة الجذور الحقيقية للوجود اليهودي في فلسطين من جهة اخرى وسيتبع هذه المعلومات سلسلة تاريخية عن خفايا الدور العثماني وغيرها من الدول وتأثيرهم على فلسطين.

(بقلم الباحث والمؤرخ الفلسطيني محمد طلال أبو سيف )

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطرائف