على خلفية التصريحات الاخيرة المثيرة للجدل للأمين العام لحزب الاستقلال حميد شباط حول موريتانيا و انتمائها التاريخي للمغرب ,تذكرت تلك النقاشات الطويلة التي كانت تجمعني بالطلبة الموريتانيين سواء بالمدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية بأكاديرأو خلال اقامتي بالمعهد الوطني للإحصاء و الاقتصاد التطبيقي بالرباط ,وارتأيت مشاركة الحقائق التي توصلنا اليها حول تاريخ و هوية هذا البلد الجار بعيدا عن المزايدات السياسية التي طبعت البيانات والبيانات المضادة بين وزارة الشؤون الخارجية و التعاون و بعض الاحزاب المغربية و الاعلام الموريتاني من جهة و بين الصف المساند لشباط داخل حزب الاستقلال من جهة أخرى.
بدأ اهتمامي بتاريخ و هوية هذا البلد الافريقي عندما تجادلت مع احد الطلبة الموريتانيين بالمدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية بأكادير حول الأصل العرقي للمرابطين ,وبعد مراجعتنا للمصادر التاريخية و للمواقع المتخصصة انتهينا الى الأصل الحقيقي للمرابطين وهو قبائل لمثونة احدى فروع قبائل صنهاجة الامازيغية وان مهد انطلاقها -الرباط الأول- هو قرية أكلو نواحي تزنيت ,الشيء الذي أثار استغراب الطالب عمر الذي كان يعتقد أن الأصل عربي بناءا على معلومات المناهج الدراسية هناك.
امتدت الجدالات و التحديات المتبادلة لتشمل أصل كلمة "موريتانيا" وهو لقب أطلقه الفينيقيين على القبائل البدوية الأمازيغية التي تقطن في الصحراء وهو تحريف للكلمة الامازيغية "أمور اعتان" التي تعني الأرض الشاسعة ,حقيقة لم يقتنع بها محاوري الموريتانيين الا بعد قيامهم ببحث طويل على طريقتهم الخاصة ووفق مصادرهم. نفس الشيء بالنسبة لمعاني أسماء المدن الموريتانية (كالعاصمة نواكشوط التي تعني بالأمازيغية بئر الخشب و اكجوجت و تكجكة و تاكيلالت و بوتلميت و تيشيت .. ). الامر نفسه بالنسبة لأسماء الولايات (كولاية تكانت التي تعني الغابة وولاية أدرار و اينشيري و تيرس زمور..) و أسماء القبائل ( تندغة - تجكانت - ادوعلي - ايديبوسات - ايديشي..).
الحقيقة التاريخية التي أدهشتني و أدهشت زملائي الطلبة المهندسين الموريتانيين بعد اكتشافها في المراجع التاريخية هي أن المناطق التي تسمى بالمغرب وموريتانيا حاليا كانت موحدة عبر التاريخ و أنها كانت دائما تابعة بشكل مباشر أو غير مباشر للسلطان بمراكش أو فاس ,ولم يسبق أن نشأت دولة قوية جنوبا باستثناء بعض الامارات المحلية . كما أن الشيخ ماء العينين قاد قبائل موريتانيا كما قاد ابنه احمد الهيبة قبائل سوس و الصحراء على حد سواء لمقاومة المستعمر الفرنسي بمساندة من السلطان العلوي بفاس ,الذي كان يعتبر المغرب الأقصى كله نفوذا له ,وهذا هو سبب الاعتراف المتأخر باستقلال موريتانيا من طرف المغرب.
الحقائق التي قرأناها دفعتنا الى لعن التعريب و الاستعمار الفرنسي الذين أدوا الى التفريق بين شعبين لهما نفس التاريخ و ينتظرهما نفس المصير بحدود وهمية لم تكن موجودة يوما ما.
السؤال الذي يطرح نفسه هو هل التصريحات الصادرة عن شباط تستحق أن تجعل منه شخصا منبوذا في بلده و في حزبه أم هي مزايدات سياسية و ضربات تحت الحزام لنيل بعض المناصب الوزارية في الحكومة و بعض المكاسب الاقتصادية الزائلة و لو كان ذلك على حساب الحقائق التاريخية الخالدة التي نطق بها شباط ليعبرعن وطنية, المخزن وحده هو الذي يحدد حدودها حسب الظروف و المصالح.
محمد أبطان - مهندس دولة
