موريتانيا تنغمس في معركة الاستفتاء المثير حول الدستور

سبت, 03/25/2017 - 08:14

دفع الرئيس محمد ولد عبد العزيز المشهد السياسي الموريتاني المتأزم في الأصل نحو معركة سياسية حامية الوطيس وذلك بحسب استقراءات ردود الفعل التي تواصلت أمس إزاء قراره التوجه نحو استفتاء شعبي حول الدستور، مستنداً للمادة الثامنة والثلاثين من الدستور غير المختصة في ذلك حسب رأي خصومه.

فقد بدأت أحزاب الأغلبية الحاكمة وأحزاب المعارضة المحاورة شد أحزمتها وتجييش أنصارها لخوض معركة الاستفتاء حول تعديلات الدستور التي لن تكون سهلة حسب المراقبين، لتعلقها بتعديلات رفضها مجلس الشيوخ ولأن المعارضة الموريتانية لن تبخل بجهد من أجل إفشالها. 
وأعطى الرئيس الموريتاني في مؤتمره الصحافي ليلة الخميس إشارة انطلاق الحملة حول الدستور مستنداً للمادة 38 التي تمنحه الحق في استفتاء الشعب حول القضايا ذات الأهمية الوطنية، كما أعلن عن رصد سبعة مليارات من الأوقية الموريتانية (حوالي 18 مليون أوقية)، لهذا الاستفتاء.
وتعكف القطاعات الحكومية المعنية إلى جانب اللجنة المستقلة للانتخابات على التحضير المادي والإجرائي لهذه العملية التي أصبحت الشغل الشاغل للجميع. 
وتواصل المعارضة الموريتانية اجتماعاتها للاتفاق حول موقف موحد من الاستفتاء وهي منقسمة بين تيارين أحدهما يدعو لمقاطعة الاستفتاء لعدم دستوريته والعمل على إفشاله، والثاني يدعو لإفشال الاستفتاء بالمشاركة النشطة فيه حتى تنتصر «لا» من داخل صناديق الاقتراع.
وتصدر محمد فال ولد بلال وزير الخارجية الأسبق الذي ابتعد عن المعارضة الراديكالية نحو الوسطية والمصالحة، أمس الداعين لمشاركة المعارضة في الاستفتاء.
وأكد في تدوينة نشرها أمس «أن الرّئيس أعلن عن قراره بالدّعوَة إلى الاستفتاء الشّعبي لحسم موضوع التّعديلات الدّستوريّة، ونظرًا لذلك، لمْ تعُد هناك فائدة مُحقّقة تُرجى من النّقاشات الأكاديميّة حول سلامة القرار من الناحيّة القانونيّة من عدمها؛ فلا فائدة تُرجى بعد اليوم من التغنّي بالمادّة 38 وملاءمتها للغرض المقصود، ولا في التشكي من أن تجاوز المادّة 99 وأخواتها… قانوني أم غير قانوني، صحيحٌ أم باطل، استفزازي أم عادي، الاستفتاء بات في حكم الأمْر الواقِع!، وسوف يتصدّرُ الشّأن السياسي لمدّة شهور على الأقل… شئنا أم أبيْنا، فإنّ خطاب الرّئيس البارحة أعطى الضوء الأخضر لانطلاق معركة سياسيّة بين المؤيّدين والمناوئين لتعديل الدستور».
«وكلّنا نعلمُ، يضيف ولد بلال، أنّها ستكونُ معركة ساخِنة وصَعْبة على جميع الأطراف، وتستدْعي من الجميع ضبْط النّفس والسّيطرَة على الأعصاب وعدم الانفعال والتشنُّج، ولذا، أتمنّى أنْ تتغلّب المعارضة على موقف المقاطعة والتشكّي الدٌائم والتردّد السّلبي الذي ظلّ يشلّ قُدُراتها ويُبدّد طاقاتها منذ 1991 إلى الآن، وأنْ تُشارك في الاستفتاء وتنخرط في حملة لا هوادة فيها للتصويت ب «لا» مع الالتزام بمُتطلّبات الأمن العام والسّلم الأهلي… إنْ فازتْ التّعديلات، لا قدّر الله، فموريتانيا خيرٌ وأبْقَى من عَلَم مهما بلغت محبّته فينا ورمزيّته، وإن فشلت التعديلات، فموريتانيا خيْرٌ وأبْقَى من أي رئيس مهما كانت فائدتُهُ عليْنا ومكانتُهُ».
وقال «المهم أنْ تكون موريتانيا بخير قبل وأثناء وبعد الاستفتاء!، وهنا أستحضرُ ما قالهُ الكاتب السّوداني الكبير الطيب صالح «عند الشّدائد تخْبُو الأحقاد، نحْنُ نَنْتَمي إلى وطن مهما بلغَتْ به التّعاسَة فهو موجود… فلماذا نُضيّعُه؟».
وإذا كانت هذه مواقف المعتدلين فإن المعارضة الجادة قابلت دعوة الرئيس للاستفتاء بالرفض التام، حيث أكد أعرقها وهو حزب تكتل القوى الديموقراطية بزعامة أحمد ولد داداه في بيان توصلت «القدس العربي» أمس بنسخة منه، «أن موريتانيا دخلت منذ نهاية الأسبوع الماضي، منعطفا جديدا ومرحلة حاسمة من مراحل الأزمة المتعددة الأوجه، السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الأخلاقية، خصوصاً في تعاطي السلطة مع الشأن العام، وهي الأزمة التي ما فتئ التكتل يحذر من مدى عمقها وجسامة مخاطرها لما ستفضي إليه حتماً، إن لم يتم التصدي لها عاجلاً، من تهديد للسلم الاجتماعي وتماسك مكونات الشعب وديمومة الدولة».
«وقد بادر حزبنا في أول وهلة، يضيف التكتل، إلى تثمين رفض مجلس الشيوخ تعديلات دستورية خرقاء صيغت في الخفاء، لا يُراد منها إلاّ العبث برموز الدولة والعمل على تقويض الوحدة الوطنية وإعطاء حصانة قضائية لرأس النظام لجعله في منأى عن المتابعة والمساءلة عما يرتكبه من جرائم أثناء ممارسته للسلطة».
وتابع التكتل بانه قائلاً «وبدل أن يقف وقفة تأمل ورشد وتبصّر وشجاعة حتى يستوعب الدرس الذي لقنته إيّاه المعارضة الجادة ومجلس الشيوخ والرأي العام المستنير، ويقف على مكامن فشله، كما يُنتظر من كل رئيس دولة مسؤول، فيعدِلَ عن المسار الخاطئ الذي انتهجه ويبتعد عن الحملة العشواء على أعضاء مجلس الشيوخ التي أطلقها كهنته، طلع علينا ولد عبد العزيز في خرجة من خرجاته الإعلامية المعروفة بما فيها من ارتباك وتطاول وسبّ وتنقيص، صراحة وتلميحا، للكافة: مجلس الشيوخ، الجيش، المجلس الدستوري، المعارضة، الصحافة، الشعراء، الطلاب، حملة الشهادات، الدول الصديقة والشقيقة والشركاء في التنمية… مؤكدا تماديه في غيّه، ومُعلنا دون استحياء أن قرار مجلس الشيوخ الرافض نهائيا لتلك التعديلات ليس بالنسبة له سوى مجرد رأي لـ33 شخصاً مجهولين، لا أكثر!».
«والأدهى من ذلك والأمر، يضيف البيان، إعلان رأس النظام، تجاوزاً للقواعد القانونية الأساسية ودون اكتراث بالحالة الاقتصادية والاجتماعية والأمنية الخطيرة التي أوقع فيها البلاد، عن إقدامه على ليً أعناق النصوص الدستورية الصريحة التي أسندت، حتماً وقبل كل استفتاء، الحسم في تعديل الدستور للبرلمان بغرفتيه، فوعد، متذرعا بآراء بعض بطانته ممّن وصفهم بالقانونيين، بتنظيم عاجل لما سمّاه استفتاء شعبياً وعلى الأصح مشروع تزوير واسع، كما هو دأبه، وذلك من أجل تمرير تعديلاته السيئة الصّيت».
ولا شك أن ما عقد ولد عبد العزيز عليه العزم سيعجل، يضيف التكت، إن كُتب له النجاح لا قدّر الله، من تقويض ما تبقى من أركان الدولة وسيفضي بالبلاد إلى ما لا تحمد عقباه من تلاش في السلم الأهلي وانهيار للدولة وفقدان للنزر القليل المتبقي من مصداقيتها، وهو ما سيكون له بالغ الأثر على الاستقرار في كل المنطقة نظرا لموقع بلادنا الجغرافي ولما لها من موارد».
ثم تابع الحزب بيانه مؤكداً «أنه يُحذر ولد عبد العزيز وينذره من مغبة ما يُقدم عليه من استهتار بالدستور وبقوانين البلاد، ويُجدد تشبثه بموقفه الثابت من أن الحوار الجاد، الجامع والمسؤول، الذي يستجيب لتطلعات الموريتانيين في إنشاء دولة عدل ومساواة، هو وحده السبيل للخروج من الأزمة الخانقة التي تتخبط فيها موريتانيا اليوم».
ودعا الحزب «مناضليه وأنصاره لإدراك الظرف الحرج الذي تمر به البلاد وإلى المزيد من اليقظة والتعبئة لإفشال مخططات النظام السيئة وما تحمله من كوارث»، كما دعا كل القوى الوطنية والخيرين الموريتانيين إلى وثبة شعبية لإفشال مخططات النظام والوقوف في وجه عمله على تفكيك موريتانيا، بمعوله الهدام».
واستنجد الحزب في بيانه بكافة «أصدقاء موريتانيا من أجل مساعدتها على الخروج من هذه الأزمة البالغة الخطورة على أمنها وأمن منطقتي المغرب العربي ودول غرب إفريقيا».

 

القدس العربي

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطرائف