العدوان الأمريكي على سوريا.. رسائل متعددة

أحد, 04/09/2017 - 11:48
العدوان الأمريكي على سوريا

جاء العدوان الأمريكي الأخير على سوريا مباشرًا وسريعًا ليفتح احتمالات لتعقد الصراع، لكن المؤكد الآن، ورغم الرد الروسي الأوليّ بتعليق مذكرة التفاهم بشأن المجال الجوي السوري، وهي خطوة لها معناها وذات أبعاد قد تتحول للخطورة، فإن الطرف الأمريكي غير قادر على تحرك عسكري «حاسم» رغم عربدته المفهومة دومًا ويده الطويلة التي تمتد في كل مكان، وليس فقط من أمام سواحل تركيا إلى الأراضي السورية، ومن ناحية أخرى لم يصدر رد فوري من الطرفين السوري والروسي وحلفائهما على الضربة «المحدودة» بل تم تبليغ الروس قبل التنفيذ بلحظات، مع مناورة سياسية أمريكية بإعلامها رسميًّا أن «الضربة لم تستهدف القوات الروسية المجاورة للموقع»، بعدما تم من وقفة روسية صلبة في اجتماع مجلس الأمن بشراكة الصين.

بتفاصيل كتلك وفي سياق الوقائع الأخيرة بخصوص تشكيل تكتل أو حلف له صبغة عربية ودولية يتعاون أمنيًّا وعسكريًّا مع الكيان الصهيوني ضد كل الأطراف المعادية لأمريكا بالمنطقة، ومع تلك الانعطافة الأمريكية السريعة بعد أيام من تصريح البيت الأبيض بأن الأولوية ليست لرحيل الإدارة الحالية للدولة السورية، وإنما لمحاربة «داعش والنصرة» فقط، نرصد مؤشرات ومستويات من سياق الصراع في المحطة الحالية منه، ومن مسار نزول الأمريكي بنفسه إلى الأرض بعد مرحلة طويلة من استخدام الوكلاء على تنوعهم.

الكيماوي وإدارة ترامب

السرعة التي تم اتخاذ قرار الضربة بها مصدرها المباشر حادث استخدام السلاح الكيميائي في إدلب الثلاثاء الماضي، مع اتضاح لا منطقية إرجاع المسؤولية عنه إلى الدولة السورية، يبدو أن اجتماعات مكثفة عُقدت بين قطاعيّ الرئاسة والبنتاجون في أروقة الإدارة الأمريكية، ثم سرب مصدر عسكري قبل العدوان بساعات خبرًا أن ثمة اتجاهًا داخل الوزارة لتوجيه ضربة إلى سوريا وأن البنتاجون «سيعرض على البيت الأبيض خيارات عسكرية بشأن سوريا» وفق قوله، مع تصريح سابق لأحد مرافقي ترامب يقول فيه، إن الرئيس «لم يرغب في خوض النقاش حول ذلك».

مع تواترات كهذه من وزارة الحرب الأمريكية يبدو أن الأخيرة استخدمت حادث استخدام السلاح الكيميائي للتوافق مع ترامب حول أهمية عملية محدودة في سوريا، الحقيقة أنه منذ مجيء ترامب والقوة السياسية للبنتاجون داخل الإدارة الأمريكية لم تنحسر بقوة الرئيس ولم يستطع الخصم منها، ويبدو أن حادث إدلب هو ما جعل اتفاقهما على العدوان ممكنًا في لحظة ما؛ نتيجة تقدير موقف بعيد المدى قدمته الوزارة للرئيس حول تداعيات منتظرة للحادث وخطورة تمريره مرور الكرام، أو دفعه عسكريًّا بإجماع من الأركان والاستخبارات والمؤسسات الفرعية المرتبطة بفرض الأمن القومي الأمريكي وهي عديدة ونافذة.

من ناحية أخرى يتلاقى هذا مع رغبة السابقين في وضع خط أحمر لروسيا والحد من «انفتاح» ترامب معها الذي قد يبلغ حد التساهل مع إيران، وبالتالي يسبب خللًا لأمريكا، ويكون ذلك لصالح محور المقاومة وروسيا بموازين القوى في المنطقة، مع تأخر الرد الأمريكي نسبيًّا على خطوة سورية هي استخدام منظومة «إس 300» الروسية ضد الطائرات الصهيونية، وقالت روسيا عن المنظومة التي زودت الجانب السوري بها، إن أغراضها دفاعية محضة، وليس من المفترض أن تثير قلق أي طرف، من هنا فالطرف المسؤول عن حادث إدلب – إن وُجِد – قد حقق منجزًا حقيقيًّا في ترجيح القرار في واشنطن نحو التصعيد.

نقطة أخيرة هي كون الجنرالات هناك بصفة عامة يعلمون ما تجنيه إيران وحزب الله والسوريون بصفة خاصة، وبعدها الروس، من خبرات عسكرية وإدارية وقتالية مهمة وفارقة في الميدان السوري،  سيجعل جبهة معادية لهم عسكريًّا تتطور وتصبح أكثر قوة، ومن ثم يحتاج الموقف لتحرك رادع لتلك الحالة وللتقدم الذي حققه المعسكر المضاد في السنوات الماضية.

إيران وحزب الله

حتى اللحظة لم توجه الولايات المتحدة ضربة مباشرة كبيرة أو معلنة في سوريا لمستشاري أو عناصر الحرس الثوري الإيراني أو مقاتلي حزب الله اللبناني، لكن خطوتها بضرب الجيش العربي السوري من شرق البحر المتوسط تصعّد احتمالية كهذه، بصرف النظر عن حدوثها من عدمه، بشكل عام من المفهوم تمامًا أن الحرب الأمريكية إن قررت ضرب إيران فستفعل ذلك في سوريا غالبًا؛ لعدم قدرتها على تحقيق نموذج الاجتياح العراقي مرة ثانية وإلى الأبد، وفقًا لمجمل سياسات ورؤى مختلف القطاعات والقوى في الإدارة الأمريكية، وعدم ضرورته حتى الآن على الأقل.

من هنا فالعدوان الأخير رسالة تهديد لطرفيّ إيران والحزب كما هي للدولة السورية، بما تحمله من لغة عسكرية وتلويح لن ينفي كون أمريكا حتى الآن ليست حاسمة بخيار متكامل نحو المسألة السورية، ولو قامت بضربة متوسطة أي أعلى من تلك الأخيرة المحدودة، لا ينفي هذا أيضًا القوة الهائلة التي تتمتع بها، والجهوزية الضخمة لتحطيم أي مساحة مستهدفة، لكن الوضع أكثر تعقيدًا من هذا التبسيط، ولا سيما في وجود الكيان الصهيوني داخل المعادلة.

الكيان الصهيوني

بطبيعة الحال كان استهداف طائرات الكيان الصهيوني بمنظومة صاروخية روسية فائقة التطور تصعيدًا يهدد أمن هذا الكيان، وكان الأمر كافيًا لرد إما صهيوني «لم يتسن حتى الآن لأن الخطوة السورية كانت رد فعل دفاعي أصلًا» وإما أمريكي وهو ما رأيناه في العدوان الأخير، وغني عن الذكر أن هذا «الأمن» أولوية أمريكية مطلقة.

من ناحية أخرى فخطاب حزب الله مؤخرًا عن احتمال استهدافه خزانات الأمونيا في الكيان، وهو تهديد بمثابة تكليل في حد ذاته لتحول الحزب إلى قوة إقليمية، تحول كان أحد عناصره هو امتلاكه سلاح صواريخ متطور وفاعل، وقد تعززه تداعيات للصراع وصولًا إلى تحدي الولايات المتحدة عسكريًّا، بدعم إيراني سيحدث في تلك الحالة بالتأكيد، وسيكون كثيفًا وغير مشروط، من هنا كان من المنطقي التعبير عن فاعلية عسكرية أمريكية في المنطقة من نوعية التدخل السريع، المعتمد على تواجد بحري وبري وجوي أكثر من كثيف في جميع القطاعات الحيوية من جغرافيا المنطقة.

التزامن المصري

بعد ساعات من الثناء والترحيب المتبادلين بين ترامب والرئيس المصري خلال زيارة الأخير لواشنطن جاء العدوان، توقيت يوجه بطبيعته رسالة إلى مصر الرسمية بأن الصداقة والتحالف سيكونا أيضًا ضد كل من يتحدى رأس التحالف وهي أمريكا، ويحاول حسم تأييدها الخافت للدولة السورية وعدم ممانعتها لبقائها على ما هي عليه من نموذج، مع الاختلاف عنها ومعها طبعًا في مسائل كالاعتراف بالكيان الصهيوني والصداقة الحميمة معه، وكالرفض المصري المطلق حتى الآن للقبول بدور إيراني في سوريا هو في الحقيقة قائم وأوقع من المصري كثيرًا، فضلًا عن الضمان القائم للولايات المتحدة لحياد القوة العسكرية المصرية بخصوص كامل المسألة السورية باستخدام المعونة «العسكرية»، والتي لا تعدو في حقيقة الأمر كونها تشغيلة يقوم فيها البنتاجون والكونجرس بالتوسط بين المؤسسة العسكرية المصرية وشركات سلاح أمريكية عملاقة، وتحصل الأولى بمقتضاها على مشتروات معروضة تحددها الثانية سلفًا، بمبلغ تدفعه الإدارة السياسية الأمريكية وتحدده سنويًّا وفق ما تراه من التزام مصري بسياساتها.

8/4/2017

بقلم : محمود عبدالحكيم

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطرائف