المأزق السعودي..لماذا لا يستطيع بن سلمان إنهاء حرب اليمن؟

اثنين, 11/20/2017 - 17:36
المأزق السعودي

يبدو أن المملكة العربية السعودية قد بلعت أكثر مما يمكنها مضغه في اليمن. في 26 مارس/آذار 2015، أطلقت العملية «عاصفة الحزم» وهي مبادرة واسعة تهدف ظاهريا إلى إعادة حكومة الرئيس اليمني «عبد ربه منصور هادي»، الذي كان الحوثيون قد أجبروه على الخروج من العاصمة صنعاء. وبعد مرور أكثر من عامين ونصف العام، لا تبدو المملكة العربية السعودية أقرب إلى هدفها، وهي متورطة في حرب لا يمكنها الفوز بها.
كيف ارتكبت السعودية مثل هذا الخطأ الاستراتيجي؟ قبل الدخول في الصراع، كان قادة المملكة يدركون جيدا الصعاب الشديدة التي تعترض نجاح العملية، وهي التضاريس التي لا يمكن مواجهتها والمكائد القبلية المستعصية. يميل السعوديون إلى المراوغة في شرحهم لما دفعهم للتدخل في البلد الذي مزقته الحرب في المقام الأول. ولكن نظرة على تاريخ المملكة وأيديولوجية تأسيسها تقدم نظرة ثاقبة على معضلة الرياض في اليمن.
إرث من الغزو
تاريخ السعودية حافل بسفك الدماء. وقد انتهج التحالف الذي أنشأه «محمد بن عبد الوهاب» في منتصف القرن الثامن عشر مع مؤسس الدولة السعودية الأولى «محمد بن سعود» سياسة تحقيق الأهداف بالقوة بدلا من الدبلوماسية. وبحلول نهاية القرن السابع عشر، كان أتباع «ابن عبد الوهاب» يضعون هذه السياسة موضع التنفيذ. وقد غزوا الكويت في عام 1793 و حاصروا رأس الخيمة (التي أصبحت الآن جزءا من الإمارات العربية المتحدة) في عام 1799، ودخلوا البحرين في عام 1801، وهاجموا كربلاء في العراق في 1802، وسيطروا على البصرة وجدة في العام التالي. وفي عام 1818، دمر الجيش المصري الدولة السعودية، لكن البلاد برزت في نسختها الحديثة في مطلع القرن العشرين. ومثل أسلافها (بما في ذلك الدولة السعودية الثانية، التي استمرت من عام 1824 إلى عام 1891)، كانت المملكة الجديدة ميالة للحرب.
أجهز السعوديون على مملكة الحجاز الهاشمية في العشرينات من خلال سلسلة من المذابح البشعة، وفي العقد التالي قاموا بنقل حروبهم إلى اليمن. خلال حرب 1934، استولت السعودية على عسير وجيزان ونجران من جارتها الجنوبية الغربية، مما أدى إلى توتر دائم بين البلدين. وورد أن «عبد العزيز بن سعود»، مؤسس الدولة السعودية الحديثة، أخبر أبناءه قبل وفاته بعد ما يقرب من 20 عاما أنه من أجل الحفاظ على قوة بلادهم، يجب أن يبقي اليمن ضعيفا.
جذور الصراع
عندما قامت مجموعة من الثوار بالإطاحة بالعاهل اليمني عام 1962 اندلعت حرب أهلية بين الملكيين اليمنيين والدعاة للنظام الجمهوري للحكم. وكان القادة السعوديون قلقين من أن تنتقل الاضطرابات إلى أراضيهم، لذا فإنهم دعموا الملكيين في النزاع الذي دام ثمان سنوات. وبعد أن توصل الجانبان إلى حل وسط لإنهاء الحرب، أتاحت المشاركة العسكرية للرياض في اليمن تدخلات مقلقة حيث عملت المملكة العربية السعودية على شراء النفوذ مع القبائل المختلفة في البلاد، وفي التسعينات، ألقت بثقلها خلف حزب الإصلاح، وهو حزب إسلامي له علاقات مع جماعة الإخوان المسلمين، لمواجهة حزب المؤتمر الشعبي بقيادة «علي عبد الله صالح».

وفي نفس الوقت تقريبا، ظهرت حركة الحوثيين بين السكان الشيعة الزيدية في اليمن، مبشرة بالسلام والتسامح والانفتاح الثقافي. وقد تطورت الحركة إلى حركة ثورية في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، على الرغم من ادعاءاتها السلمية. وفي نوفمبر / تشرين الثاني 2009، استولى الحوثيون على قسم جبلي من مقاطعة جيزان في المملكة العربية السعودية، بالقرب من الحدود. كان التوغل مدفوعا بالانتقام من السعودية التي سمحت لوحدات الجيش اليمني بتنفيذ هجمات ضد الحوثيين من الأراضي السعودية، الأمر الذي رأوه بمثابة انتهاك للشروط الضمنية للهدنة التي قطعتها المملكة مع اليمن بعد حرب عام 1934. ورغم أن النزاع لم يستمر لفترة طويلة، فإن السعوديين كانوا يشعرون بالتأكيد بأن حربا كاملة كانت حتمية.
وفرت ثورة اليمن عام 2011 الأساس للصراع المقبل. أنعشت الانتفاضة التي أطاحت بـ«علي صالح» من السلطة آمال اليمنيين في نظام سياسي حديث ومستقل لبلادهم. لكن خطة الانتقال لم تلب هذه الطموحات بأي شكل، حيث واجه الرئيس الجديد، «هادي»، تحديات عديدة لحكمه، وسرعان ما انحدر اليمن إلى حالة من الفوضى. وبعد سنوات قليلة، وتحديدا في سبتمبر/أيلول 2014، سيطر الحوثيون على صنعاء، وفي شباط / فبراير 2015، كشف الحوثيون النقاب عن إعلان دستوري لتحويل النظام السياسي في البلاد.
بالنسبة للحكومة السعودية التي ترى أن استمرارية النظام الملكي هو مفتاح أمن المملكة، فقد كانت ثورة الحوثيين قريبة جدا من ديارهم. كانت الرياض قلقة من أن استيلاء الحوثيين في صنعاء سيحفز السكان الشيعة السعوديين على التمرد. وبالإضافة إلى ذلك، فإن علاقات الحوثيين الطويلة الأمد مع إيران زادت من مخاوف المملكة من تأثير طهران المتزايد في المنطقة. بدأت السعودية وشركاؤها في التحالف، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت والبحرين ومصر والسودان والمغرب والأردن وباكستان، عملياتهم ضد الحوثيين في الشهر التالي. ومع تمكن القوة الجوية من تحقيق انتصارات مذهلة في حرب الأيام الستة لعام 1967 وفي عاصفة الصحراء في عام 1991، فإن السعوديين اعتقدوا أن حملة جوية ستعمل بنجاح في اليمن أيضا.
تحالف المصالح المتباينة
غير أنه بالمقارنة مع السعودية، زعيم التحالف، كان أعضاءه الآخرون أقل عرضة للخطر في اليمن. في الواقع، كان معظم شركاء المملكة العربية السعودية مترددين في الانضمام إلى العملية، وقد حدت دول البحرين والكويت والأردن والمغرب من مشاركتهم في الحرب ضد الحوثيين، بينما رفضت مصر وباكستان إرسال قوات برية الى المعركة في حين ربط السودان إرسال آلاف الجنود إلى اليمن بتدخل الرياض بالنيابة عنه، وإقناع واشنطن بتعليق العقوبات المفروضة على البلاد. وكانت السعودية والامارات العربية المتحدة الدولتين الوحيدتين اللتين استثمرتا في الحرب.
وحتى السعودية والإمارات كانت لهما أسبابها المختلفة للدخول إلى الصراع. وكانت أهداف المملكة العربية السعودية هي سحق الحوثيين وقطع علاقاتهم مع إيران وتأمين الحدود السعودية اليمنية في جيزان ونجران. ومن ناحية أخرى، فإن الإمارات العربية المتحدة كانت تضع أولويات أخرى في الاعتبار. لم تكن أبوظبي مهتمة مثل السعودية بإبعاد الحوثيين عن العاصمة اليمنية، بل إنها كانت تخشى من أن يؤدي ذلك إلى إعطاء الإصلاح – فرع جماعة الإخوان الذي يعتبرونه تهديدا لاستقرارهم - مكانا في المستقبل السياسي لليمن. بعد تقديم محاولة روتينية لتدريب القوات اليمنية على هجوم لاستعادة صنعاء، حولت القوات الإماراتية انتباهها بدلا من ذلك إلى جنوب اليمن. وهناك عملت الإمارات على تأمين السيطرة على الساحل العربي ومضيق باب المندب الاستراتيجي، وهو قناة حاسمة للتجارة الدولية. كما حرصت دولة الإمارات العربية المتحدة على منع ميناء عدن اليمني من التنافس مع ميناء جبل علي بالقرب من دبي.
حرب لا يمكن الفوز فيها
وبسبب تباين مصالحها في اليمن، فإن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لديهما مستويات مختلفة من الالتزام بالنزاع أيضا. أعلن ولي عهد أبوظبي على تويتر في يونيو/حزيران 2016 أن بلاده ستنهي مشاركتها العسكرية في اليمن، على الرغم من أنها ستواصل مراقبة الترتيبات السياسية وتمكين اليمنيين في المناطق المحرر. وفي الوقت نفسه، واصلت القوات السعودية هجومها سعيا وراء أهداف تبدو أكثر بعدا.
يعرف وزير الدفاع السعودي «محمد بن سلمان» أن بلاده ربما لن تهزم الحوثيين في اليمن. حاول الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح استئصال الحركة في ست حروب سابقة وفشل في ذلك. وعلى الرغم من التصريحات المؤكدة على العكس من ذلك، يريد «بن سلمان» إنهاء وجوده في اليمن. وعلى الرغم من ((إصلاحاته ))الاقتصادية والاجتماعية، لم يستطع ولي العهد التغلب على إرث الدم والحديد الذي بنيت عليه بلاده.

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطرائف