هل ينجح خالد بن سلمان بإرضاخ الحرس الوطني؟؟

ثلاثاء, 02/26/2019 - 13:20

لفتت الانتباه إزاحة الأمير خالد بن سلمان من منصبه الدبلوماسي كسفير للرياض في واشنطن، وتعيينه نائباً لوزير الدفاع أخيه ولي العهد محمد بن سلمان، في الوقت الذي يقود الأخير خطةً لإعادة تنظيم الجيش وإحداث تغييرات في المؤسسة العسكرية السعودية، بشكلٍ أضعف من المؤسسة من جهة، واستهدف "الحرس الوطني من أبناء القبائل" من جهة أخرى، وهدَّد بحدوث انقلاب ضد ابن سلمان.

لذا فإن وجود الأمير كنائبٍ للدفاع- وهو الذي كان طياراً سابقاً في سلاح الجو السعودي- يُعتبر مهماً لولي العهد ولأبيه الملك سلمان، خاصةً مع استمرار خسائر الحرب في اليمن المادية والبشرية، وبطء برنامج الإصلاحات العسكرية بطئاً شديداً، كما يرى "بيكا فاسر" من مؤسسة "راند كوروبوريشن" في تصريحات لوكالة فرانس برس.

وقد واجه الأمير محمد بن سلمان، يقول فاسر، صعوبات في تفويض السلطات في هذا الملف (العسكري) ما أدى إلى عرقلة بعض الجهود، خاصة جهود الإصلاح العسكري، وقد يكون تعيين الأمير خالد محاولةً لتنشيط هذه المبادرات، حسب قوله.

ولكن، لماذا خالد بن سلمان؟ وما الذي يمكن أن يضيفه؟ خاصةً أنه أكد في أول تعليق له على تعيينه أمس بقوله إنه سيكون "سيفاً لوزير الدفاع في وجه كل معتدي على وطننا الغالي"، وأعرب عن أمله في "تحقيق رؤية القيادة لخدمة رجال عرفتهم مخلصين لدينهم ووطنهم"، معبّراً عن سروره بعودته "لميدان العز والشرف"، حد تعبيره.

أسباب تعيينه

توضح وكالة الأنباء السعودية "واس"، أن الأمير خالد بن سلمان تخرَّج من كلية فيصل الجوية بالرياض، ثم انضم إلى القوات الجوية الملكية السعودية، وتلقَّى تدريبه الأولي في قاعدة راندولف الجوية في سان أنطونيو تكساس، وتلقى التدريب المتقدم في قاعدة كولومبوس الجوية في ميسيسيبي، كما درس الحروب الإلكترونية المتقدمة في فرنسا.

وعمل خالد مستشاراً في مكتب وزير الدفاع، ثم مستشاراً في سفارة المملكة في واشنطن، قبل تعيينه سفيراً للمملكة في أمريكا في 21 يوليو/ تموز 2017، وخلال فترة عمله كمستشار في مكتب وزير الدفاع تم تكليفه من قبل ولي العهد بملفات ومسؤوليات عدة، وفقا لوكالة واس.

كما أنه كان "ملاصقاً لسمو ولي العهد منذ فترة طويلة، واستطاع خلال هذه الفترة أن يستوعب رؤية سمو ولي العهد لتطوير وزارة الدفاع لتكون في مصاف الدول المتقدمة عسكرياً.. عمل سمو الأمير خالد بن سلمان طياراً لطائرة من طراز F-15، وضابط استخباراتٍ تكتيكي في القوات الجوية الملكية السعودية"، تقول الوكالة.

وتضيف أن خالد "قام بالعديد من المهام القتالية الجوية، إبان عمله كطيار في القوات الجوية الملكية السعودية، كجزء من حملة التحالف الدولي ضد داعش في سوريا وكجزء من عمليتي عاصفة الحزم وإعادة الأمل في اليمن".

وجاء سرد الوكالة في تقريرها لمميزات خالد "العسكرية" تأكيداً لما أوردته وكالة فرانس برس حول أن تعيين خالد هو محاولة لتنشيط جهود الإصلاحات العسكرية.

كما يتضح من تقرير الوكالة أن تعيينه جاء من منطلق حاجة ولي العهد لذراع أيمن في وزارة الدفاع، لإكمال مشروع ابن سلمان العسكري الذي يدخل ضمنه مخطَّط تقليص نفوذ "الحرس الوطني" المكوَّن من أبناء القبائل وتهميشهم، وضمِّ الحرس الوطني إلى وزارة الدفاع وفقاً لتقارير نشرت ذلك عام 2017، وهو ما يذيب جهاز الحرس الوطني المستقل ويجعله ضمن أجهزة ومؤسسات أخرى وينهي الخوف لدى ابن سلمان من إمكانية حدوث أي انقلاب ضده من قِبل الحرس الوطني.

قبل الحرس الوطني: بداية الخوف من الانقلاب

شدد محمد بن سلمان قبضته على الأجهزة الأمنية في السعودية من منطلق دوره كوزير للدفاع، قبل أن يتولَّى منصب ولي العهد، وقد عملت هذه المؤسسات إلى حد كبير كإقطاعيات منفصلة يرأسها أفراد الأسرة الحاكمة، إضافةً إلى الحفاظ على حصصهم الفردية في النظام، وهم الذين سمح لهم النظام بالحصول على ثروات كبيرة من عقود البناء والتوريد، وفق تقرير لموقع ميدل إيست آي البريطاني نُشر في أكتوبر/ تشرين الأول 2018.

وفي منتصف عام 2017، جرى الانقلاب والإطاحة بمحمد بن نايف من منصب ولي العهد، وتلقَّى اتهامات بالتخلص من الحرس القديم لابن نايف، وتم دمج كل وكالات عمليات مكافحة الإرهاب والاستخبارات المحلية تحت هيئة جديدة وحيدة أُطلق عليها اسم "رئاسة أمن الدولة"، والتي أصبحت تقدم التقارير أولاً بأول إلى محمد بن سلمان، ولي العهد الجديد.

والتغيير المفاجئ والجذري في الأجهزة الأمنية كان دليلاً على وجود معارضة لتولي ابن سلمان المنصب، واعتُبر تعيينُ الفريق أول عبدالعزيز الهويريني رئيساً لجهاز رئاسة أمن الدولة، على أنه محاولة لبناء مزيدٍ من الدعم لصالح ابن سلمان. وبحسب موقع أويل برايس البريطاني، فقد كان هدف تعيين الهويريني أيضاً تهدئة مخاوف الغرب من أن تغيّر المملكة موقفها في الحرب ضد الإرهاب.

في ذلك الوقت "فاز ابن سلمان في صراعه مع ابن عمه محمد بن نايف" حد تعبير الصحفي القتيل جمال خاشقجي في إحدى مقالاته لدى موقع ميدل إيست آي. واستطاع ابن سلمان إزاحة جميع منافسيه الرئيسيين من الساحة التي خلت له، لكن المخاوف سيطرت عليه من أي محاولات انقلاب ضده خاصةً مع وجود أعداء له في صفوف الأسرة الحاكمة ومن هيئة البيعة أيضاً.

وقام ابن سلمان باعتقال عشرات الأمراء ورجال الأعمال والمسؤولين البارزين في فندق "ريتز كارلتون"، خلال حملة زُعم أنها تطهيرية للفساد، خلال نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، وقالت الغارديان البريطانية إن ابن سلمان يبدو "على عجلة من أمره بتلك الإجراءات التاريخية في فترةٍ تشهد عدم استقرار خطيراً في الشرق الأوسط، استعداداً منه لاتخاذ أي خطوة ضد كل الشخصيات من أجل تنفيذ صلاحياته وتوطيد سلطته".

وفي تلك الأثناء حاوره الكاتب الأمريكي توماس فريدمان لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، وبرَّر ابن سلمان خلال الحوار أنه "على عجلة من أمره" لأنه يخشى أن يموت قبل أن يحقق أهدافه ورغبته في الحكم.

استهداف الحرس الوطني والصراع مع أبناء القبائل

يحتاج ابن سلمان لاستكمال مشروعه العسكري دون وجود عراقيل تحول دون ذلك، وأهمها الحرس الوطني (أحد أهم القوات العسكرية السعودية والتابع لوزارة الحرس الوطني إحدى الوزارات السيادية بالمملكة)، ففتح ابن سلمان جبهة ضد الحرس الوطني الذي أقال رئيسَه الأمير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز واعتقله ضمن الأمراء المعتقلين، وعيَّن مكانه الشمَّري خالد بن عبدالعزيز بن محمد بن عياف المقرن.

وكان ابن سلمان قد فتح تلك الجبهة لإدراكه بوجود معارضة لتولّيه منصب ولي العهد، داخل الحرس القديم لقوات الأمن وداخل الحرس الوطني، نظراً لأن "الحرس الوطني يُشكّل تهديداً حقيقياً على محمد بن سلمان إذا استغلته المعارضة، خاصةً في ظل إخلاص الحرس الشديد لحاشية الملك السابق عبدالله"، حسب أويل برايس، إذ بقي الحرس الوطني ساحةَ نفوذ خاصة بالملك عبدالله لنحو 50 عاماً.

ورغم انتشار قوات الحرس الوطني في الحد الجنوبي وتساقطهم في المعارك، أنكر ابن سلمان جميل أبناء القبائل هؤلاء الذين يشكّلون الحرس الوطني، فأراد انتزاع امتيازات القبائل التي حصلوا عليها بحكم أن جهاز الحرس الوطني بقي لسنوات طويلة مستقلاً عن أجهزة الجيش السعودية.

وفي تقرير نُشر في أكتوبر/ تشرين الأول 2018، ذكرت صحيفة "إنتجلنس أونلاين" المهتمة بشؤون الاستخبارات، أن هذا الصراع الذي يدور بين ابن سلمان وبين مسؤولي الحرس الوطني دفع الملك سلمان للتدخل بنفسه، وقالت الصحيفة إن ابن سلمان جرَّ القبائل في الخط السياسي الخاص به، واعتقل عدداً من شيوخ القبائل مثل الأمراء والمسؤولين ورجال الأعمال الذين اعتُقلوا في فندق ريتز كارلتون، وذلك سبَّب غضباً كبيراً ارتقى إلى مقاومة غير مسبوقة في السعودية.

ورغم تضحيات الحرس الوطني من أبناء القبائل في معارك الحدود، شنَّ ابن سلمان حملةً ضد الحرس الوطني والقبائل لكبح تمردهم، وقاد الحملة رئيس جهاز أمن الدولة الهويريني، وفي حين دار الصراع بين ابن سلمان وبين القبائل (قبائل المطير وعتيبة وعنزة وبني عوف والبوعينين والغامد وبني غزان وبني هلال) اضطر الملك للتدخل شخصياً وفقاً للصحيفة، لأن التوازن بين القبائل المختلفة هو أحد ركائز بقاء حكم الأسرة الحاكمة.

وإمعاناً في الصراع مع الحرس الوطني وتخوُّفاً من أي خطوة من قِبلهم ضده، قام ابن سلمان ومن فوقه الملك سلمان، بتعيين وزيرٍ شاب للحرس الوطني وصفته التقارير بـ"عديم الخبرة" هو الأمير عبدالله بن بندر بن عبدالعزيز، ضمن حزمة أوامر ملكية صدرت في 27 ديسمبر/ كانون الأول 2018، أُعيد بموجبها تشكيل مجلس الوزراء.

وأصدر معهد بروكينغز الأمريكي للأبحاث، تقريراً نهاية عام 2018، قال فيه إن تعيين الشاب عبدالله بن بندر يؤكد أن الحكومة السعودية تميل إلى تعيين من تثق بهم وتضمن ولاءهم وليس ذوي الخبرة، ووصف المعهد الوزير الجديد بأنه "نسخة طبق الأصل من ابن سلمان"، وقال إن التغييرات المتتالية خلال عام في مؤسسة الحرس الوطني دليل على عدم الاستقرار وتثير تساؤلات بشأن قدرة هذه المؤسسة على حماية الدولة من خصوم الداخل وأعداء الخارج.

ولا تزال الأسئلة مطروحة بشأن تعيين خالد بن سلمان نائباً للدفاع، وأهداف ابن سلمان من هذا التعيين الذي قد يكون أبرزها تصعيد استهداف الحرس الوطني ومحاولة إرضاخ أبناء القبائل وتمرير هذا المخطط تحت مسمى "المشروع الإصلاحي العسكري".

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطرائف