الخطابات الدينية في دائرة الاعتدال

أربعاء, 05/08/2019 - 11:36

(إعداد:سامي البهادلي)تعتبر الخطابات المعتدلة والوسطية هي السلوك والمنهج القويم الذي استخُدم في القرآن الكريم ، والذي يحث المسلمين وغيرهم من بني البشرإلى العيش الكريم والتعامل الأخلاقي والتربوي والإنساني فيما بينهم لكي تعم الحياة بحالة إنسانية يتحقق فيها رضا الخالق –جلت قدرته- ونستعرض من تلك الآيات المباركة منها قال سبحانه وتعالى: (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) (البقرة: 143)·
وقال سبحانه وتعالى: (رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) (البقرة: 682)·
وقال العلي القدير: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ) (القصص: 77)·
وهي دلالة واضحة لكي تعي البشرية مدى السلوك المعتدل الذي يجب أن يتبناه الإنسان كفرد يعيش في المجتمع له حقوق وعليه واجبات يجب إداؤها بشكل صحيح ومعتدل ، كذلك يجب أن تحفظ وتصان فيها كرامة الانسان المسلم أو غير المسلم وقد كفل الإسلام ذلك من خلال العديد من النصوص الشرعية ونذكر على سبيل المثال لا الحصر ما ورد في رسالة الحقوق للإمام السجاد –عليه السلام- وهي جزء من التوعية الفكرية الوسطية الاخلاقية التربوية التي يستخدمها أهل البيت-عليهم السلام- في خطاباتهم وتوجيهاتهم التي تعتبر الطريق المُعبد لمن يريد السير بذلك الطريق، حيث يحصل على السعادة الأبدية إذا ما التزم وطبق تلك المواعظ والحكم المعرفية الحقيقية التي منبعها أهل الحق ودعاته الصادقين لكونهم قادة المجتمع والعالم بما كفلت لهم شريعة الرسول الأعظم محمد-صل الله عليه وآله- وتوصياته وإشاراته لهم بأنهم الخلف والسلف الصالح لأعظم رسالة تربوية وانسانية تحملها نبينا الاقدس –عليه وعلى اله أفضل الصلاة والتسليم- ومن هنا لا بُد للإشارة الى بعض او جزء يسير من تلك المواعظ والحكم التي سجلها لنا التاريخ بحروف من ذهب ونأخذ على سبيل المثال ما ورد بخصوص رسالة الحقوق للإمام السجاد علي بن الحسين –عليه السلام- قال –عليه افضل الصلاة والسلام- فيما يخص
أولًا: حق النفس (وأما حق نفسك عليك فأن تستوفيها في طاعة الله، فتؤدي إلى لسانك حقه، وإلى سمعك حقه، وإلى بصرك حقه، وإلى يدك حقها، وإلى رجلك حقها، وإلى بطنك حقه) ومن هنا تبين ويتبين
إن النفس البشرية من أكرم الكائنات والمخلوقات عند الخالق، وكان من نتيجة هذا التفضيل أن ألقيت على عاتق الإنسان مسؤولية حمل الأمانة الإلهية، في الوقت الذي خلقت كل الأشياء لأجله وسخرت لخدمته، فكان حق النفس على الإنسان أن يستخدمها في مرضاة الخالق -جلَّ وعلا-.
إنَّ حق النفس في الإسلام يتضمن مجموعة من الحقوق على الإنسان الواعي تأديتها كما يجب، وأن يضع كلًا منها في موضعه، ويتطلب هذا من الإنسان أن ينكب أولاً على معرفة النفس، والبحث عن حقيقتها، لأنَّ هذه المعرفة تقود إلى معرفة الخالق المبدع على حد قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب –عليه السلام- (من عرف نفسه فقد عرف ربه) (1)، وقال (لافونتين) في هذا الصدد: (إنَّ أول أمر يجب على الإنسان أن يتعلمه هو معرفته نفسه). وقد صنع سقراط حسنًا إذ بنى فلسفته على الحكمة الذهبية القائلة: (اعرف نفسك) (2)معتبرًا إياها وحيًا سماويًا
*ثانيًا :حق التعلم :
وهذا السبيل الحق كثيرًا ما أكد عليه القرآن العظيم والروايات الإسلامية، فقد قال تبارك وتعالى: (وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا) (3)، وقال -جلت قدرته-: وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا
(4)،
وقال الرسول المصطفى –صلى الله عليه واله-: (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة) (الكافي/ج1 ص3 ح1)
إنَّ حرية التعليم وبخاصة في منهج الإعلان العالمي لحقوق الإنسان – تشتمل على أمرين(5): 
1- حرية إعطاء أو تلقين العلم: ويقصد بها في معناها الواسع حرية الفرد في تلقين الآخرين العلم، عن طريق إذاعة ما يعتقده هو صحيحًا سواء أكان بالكتابة أم القول، و يقصد بها في المعنى المحدود نقل المعرفة للناشئة، والإعداد لجيل جديد، وهو المعنى المقصود غالبًا من حرية التعليم، بحيث تشمل حرية الإنسان في نشر أفكاره ومعتقداته، وفتح مؤسسات تدار لهذا الغرض.
2- حرية التعليم أي تلقي العلم على يد الغير: ويقصد بها حرية الفرد في أن يتلقى التعليم، وفي اختيار نوعية التعليم الذي يتلقاه، واختيار المعلم الذي يقوم به، وأن يتمتع بفرص متساوية مع غيره من أفراد المجتمع في تلقي العلم إلى أقصى حدوده، ويقصد بها أيضاً أن يكون الفرد حرًا في أن لا يتلقى العلم. هذا فيما يخص الحقوق وهي كثيرة ومختلفة وكذلك حرية الفكر والمعتقد الذي يبناه الانسان ويراه مناسبًا له ولسلوكه ،
وقد ادت الاختلافات والتناحرات الفكرية والعقدية الى مقتل ملايين البشر أكثر ما دمرته الكوارث الطبيعية لأنها لم تنشأ من منهج وسلوك معتدل ووسطي!! وأغلب تلك الخلافات هي خلافات سلطوية ليس للدين صلة بها، بل يجدها أو يتبانها أصحاب السلطة لكي يتم الاختلاف وتتقاتل الشعوب بينها وتكون الارض والساحة االإسلامية والعربية أرضية خصبة لتجار الحروب الذين بدورهم يغذون أصحاب الفكر المنحرف بكل ما يساعدهم لكي تعم الفوضى وتنتشر وتتوسع دائرة الصراع وينتشر الخراب والدمار والطائفية بكل مسمياتها ، وبذلك يسهل على من يسوق سلاحه ومعداته العسكرية بأن يجد السوق التي تستورد تلك الأسلحة وكما يحصل في الدول الإسلامية والعربية التي سيطر على بعض مدنها فكر ومنهج التكفير والذي منبعه وأصله ابن تيمية ومن سار على نهجه، ومن المؤكد أنَّ الخطابات الدينية المعتدلة قد جسدها الأنبياء والأوصياء بأفضل تجسيد واقعي عملي وخير دليل ما ذكره أمير المؤمنين علي –عليه السلام- (الناس صنفان إمّا أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق)(6) وعلى هذا السلوك والمنهج الرائع كان للأستاذ المحقق الصرخي الحسني كلام جميل يدل على مدى وسطية واعتدال هذه الشخصية التي عُرفت بمنهجها المعتدل وسلوكها الانساني في التعامل مع الأحداث والأزمات التي مرت على الشعب العراقي و شعوب المنطقة نقتبس منه هذا المقتبس(7) (لا تبنى الأمم بقوة السيف، والبطش، والقمع، والإرهاب، والرشا والإعلام الزائف والمكر والخداع بل بالفكر والمجادلة بالحسنى وبالإنسانية والرحمة والأخلاق مؤكدًا على ضرورة أنْ لا يكون للاختلاف في العقيدة والفكر انعكاسات سلبية على السلوك والموقف، حيث يقول الاعتقاد في القلب بينه وبين الله، نحن نرفض انعكاسات ما يعتقد به الإنسان على الخارج، تكفير الآخر بالرأي، سواء أكان على أساس الدين أو القومية أو العرق أو المذهب أو أي عنوان من العناوين، هذا الشيء مرفوض وهو أن ينعكس إلى الخارج كسلوك عملي إجرامي تكفيري، والمفروض أن نرفضه سواء كان على أنفسنا أو على الآخرين)، وبهذا الامر لا بد من تقيم واقعي ومعرفي ناشئ عن وسطية لدراسة كل النصوص الدينية وخصوصًا التي تتعرض لرموز الإسلام والمسلمين وعلى المختصين بهذا المجال وضع تلك النصوص ضمن دائرة (محاكمة النص) كما طبقتها بعض الدول العربية، لأنها لا يمكن أن تبقى
فوضوية الخطاب الديني بهذه الشاكلة التحريضية القاتلة المدمرة التي لم يجنِ منها أهل الاسلام إلّاالدمار والخراب والقتل والتشريد والتطريد.
المصادر
………………….
1- القبانجي، حسن السيد علي/ شرح رسالة الحقوق، ج1 دار التفسير – قم، ط3/1416هـ.ق ص72.
2- المصدر السابق/ كتاب الوجود، ص72.
3- سورة الزمر: الآية 9.
4- سورة البقرة: الآية 269
5- د. زين بدر فراج/ بحث حرية التعليم، ج3، مجموعة حقوق الإنسان، دار العلم للملايين ص396.
6- نهج البلاغة
7- **لقاء المرجع الصرخي ** مع رابطة ولاية الزهراء في بغداد  

 

منطقة المرفقات

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطرائف