أحــزان الــفــقــراء مــســروقــة

أربعاء, 10/16/2019 - 14:57
عمر دغوغي الإدريسي

فجأة وبدون أي مقدمات يستيقظ المرء ليضبط ذاته وهي غارقة في ظلمات متلاطمة بعضها فوق بعض من البؤس و لإسعاده، أجدني محاصر وكأنني جزيرة محاطة بالحزن من جهاتها الأربع، بؤس ممتد على مد البصر، نفق طويل ضيق الجدران، مظلم وبلا أي نور في نهايته، وبلا أي أمل في الخلاص منه! ليست المشكلة في الحزن أو البؤس من حيث كونهما مشاعر مجردة تلفح المرء ومن ثم تغادره وتترك فيه بعض الندوب هنا وهناك، إنما المشكلة هي في شعوري الدائم بالذنب كلما اختبرت هكذا مشاعر سلبية، فأحزاننا وبؤسنا في الغالب ليست مبررة، هذه المشاعر نمط حياتنا الحالي والكم الهائل الذي بحوزتنا من نعم لا يؤهلنا لاستحقاقها في الأساس.

 

فقط تذكر معي  عزيزي القارئ أننا أتينا إلى هذا العالم مكتملي الأطراف، بالرغم من أننا لم نحمل صكاً يضمن لنا ذلك، وجدنا أنفسنا في كنف أسرة تحبنا ونحبها ووالدان يتكفلان بأمرنا ويقلقان لأجل همومنا الصغيرة، بينما الآلاف ولدوا هكذا في الشوارع الخلفية للمدن والأزقة الضيقة بلا سند أو معين، ونحن  على عكسهم لعبنا، تعلمنا، وكبرنا، أخطأتنا الأمراض والعلل وامتدت أعمارنا إلى هذه اللحظة بينما الكثير غيرنا تخطفهم الأمراض وسحبت من تحتهم بساط الحياة!

 

إذا كنا نحن الذين نعيش حياة جيدة نسبياً نتباكى بهذه الطريقة ونمارس الحزن بهذا الإسراف، ماذا تركنا لهم إذن، أولئك المساكين الجوع واليتامى والمشردين، وكل الذين لم تنصفهم الحياة...! اطمئنوا فليست في نيتي إعطاء خطبة عصماء عن ضرورة التعاطف معهم، وبالتأكيد لستُ هنا لأوزع قصاصات تنمية بشرية لتحثكم على الاستيقاظ المبكر، وليست في نيتي كذلك أن أقول لكم أنكم بطريقة ما تعيشون حياة جيدة ولا تستحق الحزن، فالواضح أن المآسي والأحزان تظل موجودة ومتمسكة بك بغض النظر عن طبيعة الحياة التي تعيشها أنت، مترفة كانت أم بائسة، فأسباب السعادة أو على الأقل جزء لا بأس به منها يأتي من الداخل، كلنا نعرف ذلك ولا داعي للخوض فيه أكثر من ذلك إذ ليست هذه هي القضية في الأساس، وإنما جئت لأسأل عما إذا كنتم تعيشون حياة جيدة، بمعنى أنكم تملكون ما يقيكم من الجوع والبرد ومن نظرات الشفقة، إذا كنتم كذلك، ألا تشعرون بالخجل عندما يتطفل الحزن إلى حياتكم هذه، ألا تشعرون حينها بأنكم تسرقون من أحزان الفقراء وتسخرون من معاناتهم؟

 

هذا الشعور بالذنب يلاحقني منذ فترة ليست بالقصيرة، يظهر في وجهي كلما اعتراني حزن عابر، لذا اكتم الحزن وأحاصره في داخلي قدر المستطاع، إذ لا داعي لابتذال أحزان المساكين الحقيقية باستخدامنا المفرط لمشاعرنا المترفة وغير المستحقة! مواقع التواصل الاجتماعي هي مسرح كبير للابتذال، فمنذ أن صار بالإمكان تقمص الشعور بضغطة زر ضاعت مدلولاته وقيمته الإنسانية الصادقة، هناك الحال أبعد بكثير مما قد يمكن أحكيه هنا، في تلك المواقع يمارس الناس الابتذال ببراعة ويقايضوا مشاعرهم المفبركة بحفنات من الإعجاب، بينما الفقراء والمساكين والمطحونون الجديرون بالشعور والتعاطف يناظرون من بعيد من خلف الشاشات الباردة، يئنون في صمت ويدارون أحزانهم الحقيقية عن هذا الزيف والابتذال!   

 

هذه الحياة قاسية يا جماعة، وفي أحيان كثيرة لا يمكننا أن نقدم أي شيء حقيقي للمساعدة    في جعلها أفضل وفي رفع المعاناة عن كاهل المطحونين فيها، لكن على الأقل فلنتوقف عن صب الملح في جروحهم المفتوحة،فلنتوقف عن سرقة أحزانهم لا لشيء سوى لنزيّن بها ديكورنا الشخصي المترف! هل هذا كثير لنطلبه.

 

بقلم: عمر دغوغي الإدريسي مدير مكتب صنعاء نيوز بالمملكة المغربية.

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطرائف