هكذا استنزف ابن سلمان اقتصاد السعودية خلال عامين؟؟

أحد, 10/20/2019 - 13:50

مع تولي الأمير محمد بن سلمان ولاية عهد العرش السعودي في يوليو/تموز 2017، انفتحت شهية المملكة على المزيد من التسلح العسكري بشكل مبالغ فيه، ووجه المملكة نحو مشاريع ذات أهداف متسارعة، غير مدرك لتأثيرها على الوضع الاقتصادي الداخلي.

حرب في اليمن، وتوتر مع إيران وفي الخليج، وحصار للجارة القطرية، ملخص سنوات ساخنة ساقت الأمير حديث الخبرة إلى البحث عن حليف يؤمن ظهره، فجلس في حضن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي استغل الموقف بدعوى "الحماية".

مليارات الدولارات خرجت من خزينة السعودية قبيل أشهر من تولي ابن سلمان منصب ولي العهد، وتحديدا عندما زار ترامب الرياض في مايو/آيار 2017، وذلك لقاء صفقات سلاح ومعدات عسكرية هي الأضخم في تاريخ المملكة.

كانت هذه الصفقات ثمن الموافقة الأمريكية على صعود ابن سلمان لولاية العهد ضمن وعود مستقبلية باإنفتاح اكثر على سوق السلاح الأمريكي.

الزيارة التي وترت المنطقة وأحدثت شرخا فيه، كانت بمثابة الباب الذي فتحته السعودية على نفسها من أجل الذهاب نحو مزيد من الإنفاق على الأسلحة في غمرة الأحداث الساخنة التي تهدد جنوبها من حوثيي اليمن، وشرقها من إيران.

في أحدث بيانات نشرها معهد "ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام"، يوم  11 أكتوبر/تشرين الأول 2019، تصدرت السعودية قائمة دول العالم من حيث نسبة الإنفاق العسكري مقارنة بإجمالي الناتج المحلي خلال 2018.

البيانات كشفت عن أن الرياض أنفقت 8.8% من إجمالي الناتج المحلي في هذا القطاع، بواقع 67.6 مليار دولار أمريكي، متجاوزة بذلك دولا كبرى كالولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا.

في العام الذي زار فيه ترامب السعودية، أبرمت الرياض مع واشنطن اتفاقيات تجاوزت قيمتها 420 مليار دولار، وهو ما أطلق عليه "الصفقة الأضخم" في تاريخ المملكة.

المبلغ المذكور انقسم بين 110 مليارات دولار قيمة صفقات عسكرية سابقة، وتم بموجبها تسليم واشنطن أسلحة للسعودية بشكل فوري، إضافة إلى صفقات تعاون دفاعي بقيمة 350 مليار دولار على مدى 10 سنوات.

وبعد أشهر أعقبت الصفقة الضخمة، بدأ ترامب يعزف على وتر "الدفع مقابل الحماية"، مكررا الأمر في أكثر من 5 مناسبات عبر طلب صريح بمزيد من الأموال.

في يوليو/تموز الماضي، وبالذهاب نحو بريطانيا، كشف الكاتب في صحيفة "آي"، "كاهال ميلمو"، عن مصادقة بريطانيا على صفقة أسلحة للسعودية بقيمة 835.565 مليون دولار، موضحا: أن ذلك يمثل زيادة بمقدار 10 أضعاف عن 2018.

"ميلمو" أشار إلى أن مجمل صفقات بيع بريطانا السلاح إلى السعودية، منذ انطلاق عمليات التحالف الذي تقوده الرياض في اليمن، بلغت 6.8 مليار دولار.

وخلال الزيارة التي أجراها ابن سلمان إلى بريطانيا في مارس/آذار 2018، وقع مذكرة تفاهم لشراء 48 مقاتلة بريطانية من طراز "تايفون" بقيمة نحو 14 مليار دولار.

جملة الأرقام هذه تضاف إلى صفقات أبرمتها الرياض مع دول أوروبية أخرى، في مقدمتها ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، لكن الأرقام غير واضحة بخصوص حجم تلك الاتفاقيات التي وُقعت خلال الفترة التي أعقبت عام 2017.

هدر وفساد

 الاقتصاد السعودي يعاني الكثير من الأزمات، لأسباب تتعلق بالزيادة السكانية، والنموذج الاقتصادي المتّبع والمعتمد بنسبة تزيد عن 80% على العائدات النفطية.

وهناك المزيد من الأسباب المؤثرة سلبا على اقتصاد السعودية الذي يسمح بالكثير من الهدر والفساد والتلاعب في المنظومة الاقتصادية بشكل عام نظراً لقدرة رأس النظم السعودي على التحكم بالمال العام.

إضافة إلى أن العلاقات الاقتصادية السعودية مع الخارج مبنية على أساس الاستيراد حيث يرجح النفط أحيانا ميزانها التجاري ويقلل من عجزه، غير أن الإيرادات النفطية تعاني في حالات كثيرة من التذبذب.

أما عن التزامات السعودية على الميستوى الداخلي فما نسبته بين 40% و45% من الموازنة العامة السنوية تذهب كرواتب وأجور للعاملين في القطاع العام، فضلا عن الإنفاق العسكري وهو ما يشكل أيضا عبئا إضافيا على اقتصاد المملكة.

كما أن الطريقة التي تدار بها الصناعة النفطية هي أيضا واحدة من الإشكالات الرئيسية في الاقتصاد السعودي، إذ أن ذلك يقلل من الشفافية المتعلقة بإدارة هذا الملف والسرية التامة في ملفات أرامكو خير مثال.

تضخم وبطالة

بالإضافة إلى مشكلة الإنفاق العسكري، فإن الحكومة السعودية تعيش أزمات أخرى تتمثل في كيفية التعامل مع معدلات تضخم مرتفعة بعد تسجيلها انكماشا خلال الأعوام الماضية.

الرقم القياسي لأسعار المستهلكين "التضخم" لعام 2018، ارتفع بنسبة 2.3% على أساس سنوي، مدفوعا بزيادة أسعار الأغذية والمشروبات بنسبة 6.7%، والتي تمثل 18.87% من الوزن النسبي للمؤشر، حسب بيانات الهيئة العامة للإحصاء.

وبدأت السعودية في يوليو/ تموز 2017، فرض ضريبة انتقائية على التبغ والمشروبات الغازية ومشروبات الطاقة بنسب بين 50% و100%، فيما طبقت مطلع العام الماضي ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5% على أغلب السلع والخدمات.

مشكلة أخرى تتمثل في البطالة وهي مشكلة قديمة متجددة إذ أن معدلاتها مرتفعة بين السعوديين، وتمثل أحد التحديات المستمرة أمام الحكومة السعودية، على الرغم من رفع وتيرة توطين العديد من القطاعات الاقتصادية، بهدف خفض نسبها.

الهيئة الحكومية أشارت إلى حدوث تراجع في معدل البطالة خلال الربع الثالث من 2018، والبالغ 12.9%، لكن ذلك لم يتجاوز 0.1% على الرغم من حدوث عدة تطورات في سوق العمل السعودي.

وتسعى الحكومة السعودية عبر آلية "التحول الوطني" إلى توفير 450 ألف وظيفة للسعوديين، وتوفير 1.2 مليون وظيفة للمواطنين بحلول 2020، في ظل كل الأزمات التي تعيشها اقتصاديا.

الأولوية للسلاح

لم يكن مواطنو أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم، يلقون بالا لمسألة دفع الضرائب والرسوم، لكن الحال تغير بشكل واضح مع قدوم ابن سلمان منتصف 2017، والقرارات التي بدأ تطبيقها مطلع عام 2018.

وخلال النصف الأول من العام الجاري، قفزت الضرائب على السلع والخدمات بنسبة 48% لتسجل 77.6 مليار ريال (20.6 مليار دولار) مقابل 52.4 مليار ريال (14 مليار دولار) لنفس الفترة من العام الماضي بارتفاع 25.2 مليار ريال (6.7 مليار دولار).

فضلا عن ذلك، فإن اقتصاد السعودية يعيش مجموعة أزمات، بينها عجز الموازنة البالغ أكثر من 52 مليار دولار خلال 2018، والنمو الاقتصادي الضعيف، والتضخم المرتفع، والبطالة المتزايدة، وضخامة الإنفاق العسكري في الموازنة.

ورغم كل الأرقام والمؤشرات السلبية، فإن الرياض ماضية في سباق التسلح غير المسبوق، وهو الأمر الذي زاد الشكوك في إمكانية تنفيذ مشاريع خطط التنمية الطموحة مثل "رؤية 2030".

في آخر موازنة سنوية للعام الجاري، خصصت السعودية 52 مليار دولار لأغراض التسليح والإنفاق العسكري، في حين وضعت مبلغ 59 مليار دولار للهدف ذاته من ميزانية عام 2018، فضلا عن عشرات المليارات من الدولارات صرفت على الموازنات السابقة.

وفي هذا الإطار فإن نسبة كبيرة من النفقات تذهب لهذا لقطاع، وهو ما يؤثر على القطاعات الأخرى، ويؤدي إلى تفضيل الإنفاق العسكري على قطاعات التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية، التي تعاني من مشكلات حقيقية.

الإنفاق على السلاح إذا زاد عن نسبة بين 2 و4% من الناتج الإجمالي المحلي، فإنه سيؤثر في قدرة الدولة على تمويل نفقات أخرى، ربما تفوق في نتائجها الإيجابية فيما بعد الإنفاق على السلاح.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه دائماً يطل برأسه من جديد: "ما فائدة الإنفاق العسكري الذي يستنزف جزءا كبيرا من الموازنة على حساب القطاعات الأخرى، إذا كانت السعودية ستذهب مرة أخرى للولايات المتحدة من أجل الدفاع عنها؟"، في إشارة إلى منهج "الدفع مقابل الحماية".

مفترق طرق

الاقتصاد السعودي  مفتوح على كل الاحتمالات، وفي هذه المرحلة تحديدا فإنه يمر بمفترق طرق تحكمه الحرب على اليمن، والتوتر مع إيران في الخليج، فإذا ما استقرت الأوضاع في هذين الملفين، فإن اقتصاد المملكة يمكنه أن ينطلق بقوة, فما كان يمكن أن يُصرف على إدارة هذه المشكلات (على صعيد اليمن وإيران)، سيتم إنفاقه لتطوير الداخل السعودي، وعندها ستكون النتائج في مصلحة اقتصادها, لكن إذا سارت الأمور بالعكس، فذلك يعني أن الاقتصاد السعودي مرشح للاستنزاف والتراجع والانهيار، مصحوبا في العجز عن توظيف الإيرادات النفطية بالشكل المطلوب, وحتى يعود للتعافي مرة أخرى، فإن ذلك يحتاج إلى سنوات يمكن أن تفقد السعودية خلالها الزخم الذي كان يفترض أن توفره رؤية 2030، الأمر الذي قد يوقع الرياض في إشكالية تنعكس مباشرة على معدلات النمو, كما أن التاثير قد يدفعها أكثر نحو الاستدانة من الخارج، وهذا ربما يؤدي أيضا إلى تراجع الاقتصاد السعودي، وبالتالي تخفيض تصنيفها الائتماني، مما يرفع من كلفة الفوائد والقروض.

الجدير بالذكر أن حجم الاقتراض السعودي خلال 2019 وصل إلى ما يزيد عن 181 مليار دولار، وهو يشكّل حوالي 23% من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك يشكل حجما هائلا لم يسبق له مثيل، بل إنه مرشح للتصاعد.

رؤية 2030

انطلاقا من ربط الإنفاق العسكري وتأثيراته على القطاعات الأخرى، فإن رؤية 2030 هي الأخرى ستتأثر باستمرار صرف الأموال على الأسلحة، فخطة ابن سلمان مستندة إلى بيع حوالي 2% من أسهم شركة "أرامكو"، وفق تقديرات سعودية رسمية.

هذه النسبة تشكل 2 تريليون دولار، غير أن خبراء اقتصاد يرون أن هذا الرقم مبالغ فيه كثيرا، فالإيرادات من بيع أسهم أرامكو ربما تنخفض بين 50 و75 مليار دولار، وبالتالي فإن ذلك سيؤثر مباشرة على تمويل مشروع نيوم مثلا.

و"نيوم" الذي أعلن عنه ولي العهد السعودي يساهم في إنجاز رؤية المملكة 2030، وهو مشروع يشتمل على أراض داخل الحدود المصرية والأردنية، في منطقة ممتدة بين 3 دول بتكلفة تتجاوز 500 مليار دولار, كما أن الاستمرار في حالة التوتر، والاستنزاف الكبير من قبل واشنطن للدول الخليجية، وعلى رأسها السعودية وتدفيعها باستمرار (..) ربما يقلل من إمكانيات الإنفاق على مشاريع الرؤية, هذا الأمر سيقلل أيضا من النتائج التي كان يتم الترويج لها بناء على تحقيق هذه الرؤية نظراً لتراجع الاحتياط العام السيادي المالي بما يزيد عن الثلث، أي من 737 مليار دولار إلى أقل من 500 مليار منذ 2014, وفي حال بقيت الأزمات مستمرة (..) فإن ذلك يعني مزيدا من الاستنزاف لهذا الاحتياطي الذي كان يمكن اللجوء إليه للإنفاق على الرؤية، وبالنتيجة فإن ذلك كله سيؤثر على قدرة تحقيقها.

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطرائف