الاســتــعــمــار الاقــتــصــادي بأســلــوب الــقــروض

سبت, 11/16/2019 - 16:51
عمر دغوغي الإدريسي

ظل حقل التاريخ الاقتصادي للمغرب المعاصر والراهن غير مفكر فيه بما يكفي من لدن المؤرخين المغاربة، في وقت جرى فيه التركيز بشكل كبير على التاريخ السياسي والعسكري، لدرجة أن تاريخ مغرب القرن العشرين جرى اختزاله إما في تاريخ الحركة الوطنية المغربية وامتداداتها أو في تاريخ الأحزاب السياسية أو المقاومة المسلحة المرتبطة بالتصدي لزحف القوات الاستعمارية الساعية لاحتلال المغرب أو في الأحداث المرتبطة بتدبير الحكم في المغرب المستقل والصراع حوله.

هكذا تناسى معظم المؤرخين المغاربة الواقع الاقتصادي للبلاد إبان الفترة الاستعمارية وبعدها، مع أن الاقتصاد تحكم بشكل كبير فيما عرفته البلاد من أحداث وتحولات. وترك تناول هذا الواقع لباحثي أجانب ولباحثين مغاربة من خارج حقل التاريخ.

 فكانت الحصيلة حرمان التاريخ الاقتصادي لمغرب القرن العشرين من المعالجة النظرية والتطبيقية الكفيلة بتسليط الضوء على أماكن العتمة من تاريخنا المعاصر والراهن، وتفسير تطور البلاد بعد توقيع معاهدة الحماية الفرنسية في 30 مارس 1912.

3فما هي أهم الإشكاليات التي تطرحها كتابة التاريخ الاقتصادي لمغرب القرن العشرين؟ وأي ملاحظات تثيرها الهسطوريوغرافيا المرتبطة به سواء خلال الحقبة الاستعمارية أو بعدها؟

 

التاريخ الاقتصادي للمغرب المعاصر والراهن نفسه أمام جملة إشكاليات مركبة ومعقدة تجعل مهمته صعبة، لاسيما وأنه يشتغل في تخصص يقع في نقطة تقاطع بين حقلين معرفيين لكل منهما مناهجه وأسئلته وضوابطه.

 وأعني بها حقل التاريخ الموسوم حينا بالرصد والسرد والحدث وأحيانا أخرى بالتركيب والمقاربة الإشكالية والبنية، وحقل الاقتصاد الذي يُعنى بالإنتاج وتوزيعه بين مقاربة الاقتصاد السياسي والمقاربة « الاقتصادية ». وسأحصر أهم هذه الإشكاليات في ثلاث هي التحقيب وتوصيف البنية الاقتصادية وكيفية التعامل مع المصادر.

تشكل سنة 1912 بالنسبة للباحث في التاريخ السياسي للمغرب المعاصر حدثا مفصليا باعتبارها تؤرخ لدخول فرنسا دولة حامية بسطت سيطرتها على المغرب، لكن بالنسبة للمهتم بالتاريخ الاقتصادي قد لا يبدو له هذا التاريخ أساسا للتحقيب؛ فمعاهدة الحماية لم تلغ المعاهدات التجارية السابقة للمغرب مع الدول الأجنبية، ذلك أن المعاهدة الشهيرة مع بريطانيا سنة 1856 والتي فتحت باب الاختراق الاقتصادي الأجنبي للمغرب على مصراعيه لم تلغ إلا بتسوية فرنسية بريطانية سنة 1937، والمعاهدة الأمريكية لسنة 1836 الضامنة لإعفاءات جبائية للأمريكيين المقيمين في المغرب، اعتبرت في نظر القنصلية الأمريكية في المغرب سارية المفعول حتى بعد سنة 1912، لذلك أثارت إشكالا قانونيا وصل إلى محكمة العدل الدولية بلاهاي. وعليه، قد يكون إجراء الترتيب سنة 1901 وما صاحبه من إفلاس مالي دفع البلاد إلى الاقتراض من الخارج، ربما أجدر من عقد الحماية في محال التحقيب.

 

 والشيء نفسه يمكن أن يقال عن قرض 1904 الذي رهن 60 % من عائدات الجمارك المغربية لأداء الدين، والذي أقر في أحد بنوده بأحقية « بنك باريس والأراضي المنخفضة » Banque de Paris et des Pays-Bas في تأسيس البنك ألمخزني. 

كما أن مؤتمر الجزيرة الخضراء سنة 1906 بما ضمنه من سياسة الباب المفتوح في المجال الاقتصادي قد يكون محطة مهمة للتحقيب، لأنه دشن لتوزيع الكعكة الاقتصادية المغربية بين الدول المتنافسة.

كما أن قرض 1910 قد يبدو أيضا محطة مفصلية، وهو الذي اعتبره « شارل أندري جوليان » بمثابة الحبل الذي خنق السلطان، وقضى على آخر مقومات السيادة المغربية خاصة وأنه رهن ما تبقى من مداخل البلاد لأداء مستحقات القرض.

فهل يمكن بعد هذا أن نتحدث عن محطة 30 مارس 1912 كحدث مفصلي في التاريخ الاقتصادي للمغرب المعاصر؟ ألم تكن هذه المحطة مجرد تتويج وإضفاء للشرعية على واقع جرى تهيئه لإنشاء مقاولة اسمها الحماية؟

وماذا عن سنة 1956؟ هل شكلت كذلك حدثا مفصليا في التحقيب؟ هل كان استقلال البلاد نهاية لمقاولة الحماية وإفلاسا لها؟ هل ألغت أول حكومة للمغرب المستقل المخطط الاقتصادي 1954-1957؟ هل مع سنة 1956 استرجعت الدولة أراضي المعمرة وشرع المستثمرون الأجانب في الانسحاب؟

يبدو أن الاختيارات الاقتصادية للمغرب المستقل عرفت استمرارية ثم ترددا بين توجهين، الأول ينادي بالحفاظ على الاستثمارات ولو بالتضحية بالتحرر الاقتصادي، والثاني رفع شعار استكمال الاستقلال بالتحرر الاقتصادي؟ و من ثم، ألا تبدو سنة 1960 أكثر أهمية بالنظر إلى جرأة المخطط الخماسي 1960-1964 حتى وإن تم إفراغه والتراجع عنه؟

التاريخ الاقتصادي لمغرب القرن العشرين جملة أسئلة مرتبطة بصيرورة بنية اقتصادية. فهل شكلت مرحلة الحماية انتقالا من نمط تقليدي في الإنتاج قد يختلف الباحثون في تسميته بين فيودا لي وأسيوي وقائدي وقبلي ومخزني ومعاشي، إلى نمط آخر من الإنتاج قد يوصف بأنه عصري؟ هل قضت التقنية والأساليب العصرية على التدبير التقليدي للاقتصاد المغربي؟ بماذا يفسر تعايش القطاعين العصري و« الأهلي » indigène كما كان يطلق عليه في فترة الحماية في الاقتصاد المغربي خلال المرحلة الاستعمارية؟ وماذا يعني استمرار القطاعين في المغرب المستقل؟ أي مقاربة يمكن اعتمادها لفهم إنتاج الثروة والتحكم فيها وتوزيعها خلال مرحلتي الاستعمار والاستقلال؟ كيف تأثرت الاختيارات الاقتصادية للمغرب خلال القرن العشرين بالمتغيرات الاقتصادية العالمية؟ كيف جعلت الأزمة الاقتصادية العالمية لسنة 1929 مثلا فرنسا تعيد النظر في سياستها الاقتصادية بالمغرب من إنتاج مرتبط بالمتر بول إلى إنتاج يراعي الواقع المحلي من جهة، وينفتح على التجارب العالمية من جهة ثانية، خاصة النموذج الأمريكي في الفلاحة؟ وقبل هذا الحدث وبعده، كيف تحول الاقتصاد المغربي إلى اقتصاد حرب خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية؟ وكيف أسهم المناخ الدولي في مرحلة ما بعد أزمة البترول سنة 1973 في دفع المغرب إلى جعل سياسة التقويم الهيكلي خيارا اقتصاديا رغم الوضع الاجتماعي المحتقن بالبلد إرضاء للمؤسسات الدولية ولتوجهات فرضت على اقتصادا شبيهة خلال مرحلة « ريغان »/« تاتشر »؟

وهكذا يطرح الباحث في التاريخ الاقتصادي أسئلة تكتسي أحيانا راهنيه حقيقية، من قبيل كيف تحول المغرب من الاكتفاء الذاتي على مستوى تغذية ساكنته إلى بلد مستورد للحبوب؟

 

يمكن للباحث في التاريخ الاقتصادي المغربي خلال فترة الحماية أن يعثر في المصادر المغربية التقليدية على معلومات متفرقة تهم موضوعه، كما هو الشأن مثلا بالنسبة لمؤلفات محمد بن الحسن الحجوي سواء في كتابه « أهم الأخبار عن حرب الثأر والاستعمار ومذكرات بما له اعتبار »، أو في تقريره التاريخي عن حالة المغرب بعد الحماية حيث توقف بالخصوص عند موضوع الاستيطان الزراعي والترتيب والصناعات المنجمية، وتضرر المغاربة من السياسة التي اتبعتها فرنسا في هذه المجالات. 

والشيء نفسه يمكن أن يقال بالنسبة لكتابات الوطنيين المغاربة الذين كتبوا عن السياسة الاقتصادية لفرنسا بالمغرب خلال فترة الحماية لكشف مخاطرها.

غير أن المصادر الرئيسية للتاريخ الاقتصادي لمغرب القرن العشرين تتكون أساسا من الدراسات والتقارير المتنوعة الراجعة إلى فترة الحماية، وهي وإن كانت غالبيتها الساحقة من تأليف أجانب أو من غير ذوي الاختصاص، أي من خارج حقل التاريخ، فإنها تحتفظ بقيمتها التوثيقية.

 

 ويمكن التمييز في هذه الدراسات بين أعمال ذات نفحة إيديولوجية استعمارية واضحة كانت ترد على الخطاب الإيديولوجي الوطني بصفته جاحدا بمنجزات الاستعمار، وبين أعمال موظفي إدارة الحماية ومستشاريها أو حتى مراقبيها وضباطها في الشؤون الأهلية أو ضباطها العسكريين في شكل دراسات وتقارير.

 وبالتالي فإنها تفرض على الباحث التعامل معها بالحذر المنهجي المطلوب.

وإلى جانب هذه الدراسات الأجنبية، نجد صنفا ثالثا من المصادر، يتكون من إنتاج باحثين مغاربة في حقل الاقتصاد أو في الجغرافيا.

 ومهمة المؤرخ في التعامل مع هذه الأعمال لا تقل صعوبة، نظرا لما سبقت الإشارة إليه من اختلاف آليات الاشتغال المتعلقة بكل حقل معرفي. فقد يستحضر المؤرخ جدولا إحصائيا أو رسما بيانيا أو خريطة توضيحية لتقريب الفهم أو الاستدلال على تطور ما لكن دون الارتهان بمقاربتي الرقم والمجال، بل لتوظيفها في إيجاد عناصر إجابة عن أسئلته أو قضاياه التاريخية وتحليلها ومعالجتها من زاوية المؤرخ المنفتح على الحقول المعرفية الأخرى دون الانصهار فيها، أي بالحفاظ على هويته كمؤرخ. فأي إنتاج يمكن رصده بالنسبة للهسطوريوغرافيا المرتبطة بالتاريخ الاقتصادي للمغرب خلال الحقبة الاستعمارية؟

ظل إنتاج المغاربة ضعيفا في مواضيع تهم التاريخ الاقتصادي للمغرب خلال فترة الحماية، لذلك سنركز على أعمال الأجانب التي أرخت لجوانب مختلفة من دينامية الحماية. 

ويمكن أن نميز ضمن هذه الكتابات بين أعمال همت الاقتصاد المغربي في شموليته، كما هو الشأن مثلا مع « روني هوفر » في كتابه الصادر سنة 1932 عن الاقتصاد المغربي، وبين أعمال أخرى اشتغلت على قطاعات معينة في الاقتصاد، كما هو الحال مثلا في كتاب الضابط « غرو » عن « الإنتاج ألفلاحي في المغرب » الصادر سنة 1912 ، أو في عمل « بونديس » المعنون بـ« التعمير في المغرب » الصادر سنة 1932 ، أو في عملي « شابير » عن النظام المائي في المغرب الصادر سنة 1946 ، وعمل « جان دريش » عن « الفلاحة في إفريقيا الشمالية » الصادر سنة 1956 . أو في المجال الجبائي مع أعمال كل من « رولان لوبيل » « الضريبة الفلاحية في المغرب: الترتيب »، و« الجباية المغربية » لـ« كاتنوز »، و« تطور الجباية المغربية منذ قيام الحماية » لـ« جاك جواني ».

 

وسأكتفي بعرض نموذجين معبرين من هذه الأعمال، الأول من العينة الخاصة بدراسة الاقتصاد المغربي في شموليته، والثاني من صنف الدراسات التي ركزت على قطاع معين من قطاعات الاقتصاد المغربي خلال فترة الحماية.

بالنسبة للصنف الأول، نتناول كتاب الاقتصاد المغربي الصادر سنة 1932 الذي كان مؤلفه يشغل منصب مدير المراكز القانونية بمعهد الدراسات العليا المغربية. يقع هذا العمل في 340 صفحة مع خريطتين توضيحيتين للاقتصاد المغربي في آخر صفحتين من الكتاب.

حاول « روني هوفر » أن يكون عمله شاملا، ملما بمختلف الجوانب والقضايا المتعلقة بواقع القطاعات الاقتصادية بالمغرب إلى حدود بداية الثلاثينات من القرن العشرين. لذلك لم يكن من باب الصدفة أن يستعرض المعطى الديمغرافي أولا، بمعالجة ترمي إلى تشريح الواقع السوسيو اقتصادي للساكنة التي اهتم بدراسة اقتصادها، سواء تعلق الأمر بالسكان المحليين أو المهاجرين الأوربيين.

 

 وبما أن اقتصاد مغرب ما قبل الاستعمار ظل اقتصادا تقليديا معاشيا مفتقرا للتجهيزات لم يتطلع إلى تحقيق التراكم، كان طبيعيا أن تعمل الدولة الحامية على تجهيز البلاد بالبنية التحتية الضرورية لاستغلال خيرات البلاد من موانئ وطرق وسكك حديدية وتشييد للمدن. 

وقد عالج الكاتب هذا الجانب كمحطة أساسية في عمله قبل استعراض واقع مختلف القطاعات الاقتصادية، وتحديدا موضوع الاستيطان الزراعي وتعقيدات البنية العقارية ومشكلة الزراعة الأحادية في المغرب (الحبوب)، ومحدودية الإنتاج الزراعي، ثم القطاع الصناعي بنوعيه العصري والتقليدي، وكذا الثروات المنجمية للبلاد ومشروع تزويدها بالكهرباء. 

كما عكف الباحث على معالجة موضوع القطاع التجاري المغربي ومتغيراته خلال هذه الفترة من عمر الحماية بشقيه الداخلي والخارجي، وكذا القطاع المالي بالمغرب من ميزانية وقروض وضرائب وغيرها من مدا خيل الدولة وعائداتها.

ولما كان هم فرنسا أن يكون اقتصادها بمستعمراتها في شمال إفريقيا تكامليا لا تنافسيا، وأن تتم الاستفادة في اختياراتها الاقتصادية بالمغرب من أخطائها السابقة بكل من تونس والجزائر، اختار « روني هوفر » أن يختم كتابه بوضع الاقتصاد المغربي ضمن السياسة الفرنسية لشمال إفريقيا بين التكامل والمنافسة.

وعلى الرغم من أن عمل « روني هوفر » عن الاقتصاد المغربي ليس عملا أكاديميا، إذ جاء في شكل كتاب بدون إحالات ولا لائحة بيبليوغرافية، غير أن قيمته تبقى مهمة بالنظر إلى أنه من تأليف أحد المطلعين على خبايا سياسة الحماية الفرنسية بالمغرب، والملمين بمعطياتها. لذلك كان عارفا بموضوعه، متأكدا من مادته التي وظفها في تأليف كتابه.

الكتاب الثاني للدكتور « جاك جواني » عن تطور النظام الضريبي المغربي منذ تأسيس الحماية، وهو عمل ضخم يضم 765 صفحة جاء في ثلاثة مجلدات احتوت على أربعة كتب متضمنة لثمانية أبواب و24 فصلا و66 مبحثا.

تطرق « جاك جواني » في الكتاب الأول لنظام الضرائب المباشرة بالمغرب من خلال بابين، عالج في الأول منهما الوعاء الضريبي ومقياس الضرائب المباشرة قبل سنة 1939، وتناول في الباب الثاني موضوع الوعاء الضريبي الجديد ومعدلات الضرائب المباشرة الجديدة.

وتعرض في الكتاب الثاني لنظام الضرائب غير المباشرة بالمغرب من سنة 1912 إلى سنة 1953، مفصلا القول في الموضوع عبر بابين خصص الأول للضرائب على تداول الثروات والثاني لواجبات التسجيل والتنبر والضريبة على المواد الاستهلاكية.

وجاء الكتاب الثالث مهتما بموضوع تطبيق الضريبة بالمغرب مقسما إياه إلى بابين، تحدث أولهما عن الشرعية الضريبية والإطار الضريبي، وثانيهما عن ممارسة السلطة الضريبية، ثم انتقل « جاك جواني » في الكتاب الرابع للحديث عن مصير الضريبة وتطورها في المغرب الحديث، معالجا هذا الموضوع عبر بابين، تعرض أولهما للعدالة والإنتاجية في النظام الضريبي المغربي، وتساءل في الباب الثاني من هذا الكتاب هل النظام الضريبي المغربي موجه أم ليبرالي؟ متوقفا في معرض إجابته عن هذا السؤال عند تطور النظام السياسي المغربي وتداعياته على المجال الضريبي خاصة مع تأسيس مجلس حكومي مؤلف من مغاربة وفرنسيين للنظر في القضايا الضريبية.

على الرغم من أن « جاك جواني » اتكأ على فهم وتأويل « ميشو بيلير » Michaux-Bellaire، أحد رواد السوسيولوجي الكولونيالية، في التأصيل لضريبة الترتيب، فإن عمله حول تطور النظام الضريبي المغربي خلال فترة الحماية يبقى مرجعا أساسيا ومهما لفهم تعقيدات هذا النظام، خاصة وأنه أثار قضايا ذات أبعاد سياسية واجتماعية وحتى دبلوماسية مرتبطة بموضوع النظام الجبائي المغربي المعاصر، لذلك يعد هذا العمل مرجعا أساسيا لكل من رام دراسة الثابت والمتغير في منظومة التشريع الجبائي المغربي زمن الانتقال من المرجعية الشرعية إلى المرجعية الوضعية.

غالبا ما يرتبط التاريخ الاقتصادي بالاجتماعي، والقيام بفهرسة ما لمواضيع البحث التي أنجزت حول تاريخ المغرب المعاصر قد يعكس إنتاجا غزيرا للأطروحات التي اختارت الاشتغال على مواضيع ذات طابع سوسيو اقتصادي، لكن هذه الصورة تبدو خادعة وغير معبرة عن مكانة التاريخ الاقتصادي الحقيقية ضمن هذه الأبحاث، ذلك أن هذا الارتباط غالبا ما يعني مرورا عابرا على المعطيات الاقتصادية لفائدة الإسهاب في تحليل أثرها وتداعياتها على المجتمع. لذلك، ربما يكون من الأفيد إنجاز أعمال تهتم بالتاريخ الاقتصادي تعنى بعملية تشريح للواقع الاقتصادي، وتقدم المعطيات التي تتيح فهما أعمق لمن أراد استثمارها لتحليل تطور البلاد على مختلف الأصعدة. ولعل الأمر يبقى، في تقديرنا، ورشا للانجاز، يتطلب في مرحلة أولى إعداد بنك للمعلومات عبر عملية جمع للمادة وحصرها، ثم في مرحلة ثانية الاشتغال على هذه المادة تصنيفا ودراسة وتحليلا، للانتقال إلى مرحلة الخلاصات الكبرى بتأطير نظري عميق يرقى بها إلى مستوى التنظير بمقاربات مختلفة ومتكاملة معتمدة على الحصيلة الرصينة. وفي غياب هياكل البحث المتخصصة في الموضوع داخل الجامعة المغربية، وانعدام أي حوار مثمر ومنتج للمؤرخين المغاربة مع باحثين في حقول معرفية مختلفة خاصة الاقتصاد والسوسيولوجيا، تبقى مادة هذا الموضوع مشتتة بين أعمال متفرقة تحتاج إلى التجميع والتكثيف والدراسة، كما أن المجال ما يزال خصبا وبكرا لإنجاز أعمال جامعية في الموضوع سواء بالنسبة لفترة الحماية أو الاستقلال.

بقلم: عمر دغوغي الإدريسي مدير مكتب صنعاء نيوز بالمملكة المغربية

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطرائف