لماذا يُعتبر التغيير واللإصلاح السياسي من الأمور التي يستحيل تنفيذها في السعودية؟؟

خميس, 12/05/2019 - 13:52

في حديثه عن "حتمية التغيير والإصلاح السياسي" في المملكة قال المعارض السعودي عضو الهيئة القيادية في حركة خلاص د. حمزة الحسن في سلسلة تغريدات على حسابه بتويتر رصدها "الواقع السعودي" أنها مقولة تكرّرت لعقود طويلة من قبل باحثين سعوديين وأجانب. فالمعطيات العلمية والإحصائية التي كانت بين يديهم تشير الى تلك الحتمية، ولكنّ شيئاً جديراً منها لم يقع ولم يحدث و لن يحدث.

 

و تساءل الباحث الحسن: هل كانت تلك الدراسات مجرد تخرصات لم تبنَ على معطيات واقعية، وأن العائلة المالكة التي تمسك بزمام الأمر، كانت ولاتزال، أكثر إدراكاً لطبيعة مجتمعها الذي تحكمه، وأكثر وعياً بمفاعيل التغيير التي قد تكون استعصت على فهم الباحثين بمختلف مشاربهم وتوجهاتهم؟

الآن وقد تكررت ذات العبارة ''حتمية التغيير''.. فإن التاريخ يعيد الى الأذهان كيف أن العائلة المالكة قد نجحت حتى الآن في الخروج من كل المآزق التي مرّت بها، واستطاعت بأساليبها القمعية المختلفة.. إحباطها المرة تلو الأخرى، دون أن تحدث مضاعفات ، كان يعتقد المحللون بحتمية وقوعها.

 

و لفت الحسن الى نقطة مهمة كان قد ذكرها سابقاً و هي ان "ال سعود" لا يهمهم  الحديث عن فضائحهم بقدرالتدخل في سياساتهم موضحاً: الأمراء يشيرون أحياناً الى حقيقة لا يمكن نكرانها، وهي أن نظام حكمهم تجاوز كل المآزق السياسية الداخلية والخارجية، دون أن يقدّم تنازلاً في ثوابته، وفي مقدمتها: أن السياسة والحكم شأن خاص بالعائلة المالكة وحدها، وأن لا حقّ لأحدٍ أيّ كان خارج إطارها من تعاطيها أو إقحام نفسه في أتونها.

الأزمة الأولى بحسب د. الحسن هي غياب مؤسس الدولة الملك عبد العزيز، فقد كان متوقعاً أن تنهار مملكته، ويتشاجر أبناؤه على السلطة فتتبدّد وتنهار الدولة. جاءت وفاة الملك بعد عام من قيام الثورة المصرية، وفي ظل عداء مستحكم مع الهاشميين في العراق والأردن، الذين كانوا ينتظرون العودة الى الحجاز وحكمه.

و تابع: لم يكن الملك سعود قادراً على ملء كرسي والده، واستطاعت العائلة المالكة تجاوز خلافاتها بصعوبة، ما جعل مسألة الخلافة تمضي بيسر الى حين.. ومما ساعد في الأمر خاصة في السنوات الأولى لحكم سعود، أن القوى الإجتماعية والسياسية كانت مهيضة الجناح، ضعيفة مشتتة لم يكن بإمكانها حشد أيّ مقاومة. تصاعدت المشاكل بين جناحي سعود وأخيه فيصل، ابتداءً من عام 1956، ولم تهدأ إلاّ بالإطاحة بالملك في عام 1964. خلال هذه الفترة ظهر تهديد جدّي قادم من عبدالناصر، الذي تحالفت معه الأمراء ابتداءً في مقاومة الهاشميين الذين تبنّوا حلف بغداد.

شعر الأمراء بأن نظاماً ثورياً مصرياً لا بدّ وأن يأتي على قواعد حكمهم بالتدمير، خاصة بعد سقوط الحكم الهاشمي في العراق ١٩٥٨، وتزايد الحركات المعارضة وتصاعد تمردات الجيش الى حدّ الخروج من الثكنات مرددّين: باقي إثنين.. واحد وحسين (أي لم يبق سوى الملك سعود والملك حسين), هنا انقلبت العائلة المالكة في سياساتها ضد مصر وتبنّت مشروعاً أميركياً (الحلف الإسلامي) وحاولت اغتيال عبد الناصر (قصة عبد الحميد السراج) كما حاولت دقّ أسفين في الوحدة المصرية السورية.. وجاءت الثورة اليمنية ومن بعدها الحرب لتجعل خيار السعودية يميل الى الحرب الشاملة داخلياً وخارجيا.

 

وهنا يشير د. الحسن إلى نفطة مهمة للغاية تبين ادراك الداخل والخارج استحالة الإصلاح السياسي في المملكة حيث أن التهديدات الداخلية والخارجية في مجملها لم تكن تستهدف (إصلاحاً) تدريجيا بقدر ما كانت تميل الى إسقاط النظام السياسي السعودي نفسه- للسبب الآنف ذكره وهو ان نظام الحكم السعودي يعتبر السياسة حكراً عليه-. شيئ من هذا لم يحصل. ما حصل: تدعيم أجهزة الدولة العسكرية والأمنية، وتنشيط التحالف مع واشنطن والإندماج في استراتيجياتها (الحلف الإسلامي ومكافحة الشيوعية).

وأضاف د. الحسن: رافقت محاولات اسقاط النظام السعودي عبر انقلابات عسكرية فاشلة، وتنظيمات مسلّحة، محاولات اصلاح إداري، وليس إصلاح سياسي، ما دفع بالأمير طلال حينها الى الإنشقاق، واختيار المنفى. جاء هذا بعد الاختلاف بين الأمراء حول اقرار دستور وتأسيس مجلس تشريعي منتخب سبق أن تم اعدادهما!

 

و كشف د. الحسن أن التشدد كان يأتي من فيصل مذ كان ولياً للعهد، مدعوماً بالجناح السديري (فهد وأشقائه الستة).

بعد أن أُضعف فيصل في ١٩٥٨، عاد الى السلطة بقوة في ١٩٦٢ ليكون الملك سعود اسمياً.

بعد عامين رفض سعود ذلك، فتمت الإطاحة به في ١٩٦٤ بدعم من المفتي ابن ابراهيم وابن باز والحركان وبن فارس وبن صالح!, حينها نفي سعود الى اليونان. وتم حل الحرس الملكي الذي كان موالياً له. كانت هناك فرصة للمعارضة أن تقوم بشيء ما، ولكنها كانت ضعيفة. وكانت هناك فرصة للعائلة المالكة لتقوم بالإصلاح السياسي لكنها لم تفعل. برهنت الأحداث ان التهديدات الإقليمية لم تكن كافية لتغيير مسار آل سعود ألبتة.

 

 كما برهنت الأحداث تلك أن الولايات المتحدة بالذات كانت حامياً حقيقياً للنظام، خاصة وأن مخابراتها أفشلت أكثر من انقلاب، كما انها داعم أساس في مواجهة النظم (الثورية).

توفي سعود في ١٩٦٨ في المنفى؛ وبين ذلك التاريخ ومقتل فيصل في ١٩٧٥، كان النظام مستقراً، وكان القمع للمعارضين على أشدّه.

في عهد فيصل، تم القضاء على هامش حرية الصحافة القليل المتوفر في عهد سعود. وشهدت القوات المسلحة أخطر انقلاب (يقال انقلابان في نفس الوقت) عسكري سنة ١٩٦٩. قُتل فيصل أمام كاميرا التلفزيون السعودي على يد ابن أخيه فيصل بن مساعد. المعارضة كانت في أزمة في الخارج (بغداد ـ دمشق ـ القاهرة).

 

في الداخل لم تكن هنالك من قوى معارضة منظّمة يمكنها استثمار الوضع. فقد كان فهد وزير داخلية فيصل، أكثر دموية وشراسة في محاربة من اسموهم (شيوعيي الداخل)! معارضو الخارج أملوا بالعودة الى وطنهم، وهذا ما كان (بعفو ملكي). لقد فشلوا (كتنظيمات) في الخارج في التعاون في عمل مشترك، فتذرروا!

و تابع: بمجيء الملك خالد، كان الحاكم الفعلي هو فهد. قال فهد ان (الفيصل الراحل!) كان يزمع وضع دستور ويؤسس مجلس شورى الخ! ووعد فهد بفعل ذلك. وتكررت الوعود.. لعقود، ولم يحدث ذلك إلا في ١٩٩٣: مجرد نظام أساسي مهلهل لا يرقى ان يكون دستوراً، وأيضاً مجلس شورى كل أعضائه معيّنون حتى الآن!

الطفرة الإقتصادية منذ ١٩٧٥ بسبب ارتفاع مداخيل النفط، كانت أكثر شدّة من القمع نفسه في قتل الطموحات السياسية للجمهور. استفاق الناس على حركة جهيمان في نوفمبر ١٩٧٩، وفي نفس الفترة كانت هناك انتفاضة اخرى في المنطقة الشرقية (تظاهرات عارمة غير مسبوقة على مستوى المهلكة الى اليوم), جاءت الانتفاضتان في وقت الوفرة المالية، وفي ظل ضعف شديد او تلاشي التنظيمات الوطنية (غير الإسلامية). لكنهما لم تكونا كافيتين لتكونا رافعة سياسية على المستوى الوطني. تغلّب المال والدعم الغربي (الامريكي والفرنسي) على الإنتفاضتين. وانشغل النظام وشارك في الحرب العراقية الإيرانية.

كانت همومه خارجية حينها. لم يكن هنالك شيء مقلق إلا تداعيات الإنتفاضتين، خاصة في الشرق. في عزّ سطوته، جاءت فرصة أخرى: احتلال صدام الكويت ١٩٩٠، وتواجد ٣٠٠ الف امريكي على الأرض السعودية. كان ذلك ايذاناً بانكماش اقتصادي وفي مشروعية النظام. تحرّك الوسط: عرائض واحتجاجات، تم قمعها, ثم جاءت فرصة أخرى: (العائدون من افغانستان): تفجيرات الخبر والعليا. جاءت فرصة ثالثة: تفجيرات سبتمبر ٢٠٠١، فهزّت النظام من أعماق اعماقه. رافقها انكماش اقتصادي واضح، وارتفاع من منسوب الوعي غير مسبوق. وجاء بعدها ثورات الربيع العربي، فتم تفاديها بالقمع والجزرة (٢٠ مليار)!

 

جاءت فرصة رابعة بمجيء سلمان الى الحكم: صراع داخل العائلة المالكة واستفراد بالسلطة/ حرب على اليمن قادت الى هزيمة عسكرية وفشل/ مواجهات مع اكثر من دولة بما فيها قطر/ قضية خاشقجي/ أزمة اقتصادية بتبديل نمط الاقتصاد الريعي الى ضريبي/ تغيير قيمي (الترفيه)/ اضعاف المؤسسة الدينية.. الخ!

كل هذه التحولات مثلت ولاتزال فرصاً: ارتفع من خلالها منسوب الوعي السياسي الشعبي. في ظل ضعف مستمر للحكم السعودي بحيث لم تبق له سوى الأداة الأمنية القمعية. ليست المشكلة في وجود الفرص ودوافع التغيير فحسب. بل المشكلة في القدرة والنضج في إدارة المعركة مع هذا النظام الفاسد وأدواته.

 

و ختم د. الحسن قائلاً: ستأتي فرص أفضل، والفرص الموجودة اليوم أفضل بكثير مما كانت عليه من قبل بمراحل. النظام في حالة ضعف. الجمهور حاضر بوعيه (وإن لم يُفعّل). الوضع الاقتصادي متردي وسيبقى كذلك. انكشاف مشروعية النظام الدينية. الهزيمة في اليمن وقطر. كل الأوضاع المحلية والخارجية لا تخدم النظام.

لا يكفي أن تغدق عليك السماء مطرها، ما لم تكن لديك أرض جاهزة ومحروثة للزراعة. لننتظر ونرَ. يمكن للنظام أن ينجو ولكن ليس للأبد. سنة الله هكذا. ولاء الشعوب لا يبقى على حاله. والدول كالأجسام: تضعف وتمرض وربما تموت أحيانا.

 

وكالات

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطرائف