موريتانيا...فقه الفساد

أحد, 01/12/2020 - 20:34
لبات ولد الفاظل

 لقد أصبح الحديث عن الفساد واقعا يوميا في أوساط المجتمع الموريتاني ويدل هذا الواقع علي الاعتراف بتفشي هذه الظاهرة بشكل  أعم،حيث يحتل أشكال متعددة ومختلفة يصعب حصرها في نقاط معينة ولكننا إذا اعتبرنا الفساد أسلوبا للإستغلال السياسي والإجتماعي والإقتصادي المصاحب بإستغلال"القوة الرسمية"داخل الوحدات والهياكل الإدارية العامة والخاصة ، فإننا نستخلص أنه عبارة عن بناء قائم علي علاقات استغلالية يستغل فيها من يملك القوة والنفوذ من "لا يملكون القوة أو السلطة"خاصة في جوانبها السياسية والإقتصادية  ومن هذا المبدأ نجد في هذه الحالة تشكل أنماطا متعددة من الفساد. 

 ولعل من أهم تلك الأنماط استغلال الوظيفة العامة من قبل من يديرونها وهم فعلا أصحاب مراكزسياسية أوإجتماعية حيث تأتي الفرصة لتحقيق مكاسب مادية أو معنوية ذات طابع خاص،وتقوم هذه الممارسات على إنتهاك المعايير القانونية والخروج علي المصلحة العامة لتحقيق مكاسب خاصة تصب في إعتبارات الثروة والجاه ممهدة بذلك بما يسمي بالفساد الهيكلي،الذي هو من أخطر أنواع الفساد وهو ما نريد التركيزعليه في هذا المقال .

ولذلك يمكن تصنيف الفساد الهيكلي الذي تعاني منه الدولة الموريتانية علي أنه مجموعة من الإختلالات الهيكلية في النظام الإجتماعي والسياسي والإقتصادي ومن هذا المعيار فإن إكتشاف أسباب هذا النوع من الفساد وتشخيصه يحتاج للبحث داخل بناء الأنظمة في مجملها بعيدا عن المظاهر السطحية،أي أن هذا الفساد الذي تعاني منه الدولة الموريتانية الفاشلة شكلا ومضمونا،هو منظومة متكاملة مرتبطة بالبناء السياسي والإجتماعي والإقتصادي للدولة. 

من هنا تنشأ علاقة قوية بين الفساد الهيكلي والفساد السلوكي،فوجود الأول هو الذي ينتج الثاني .

في سياق هذا النوع من الفساد يدخل الفساد السياسي ، الذي يتمثل في المخالفات والإنحرافات عن قواعد السلوك التي تنظم العمل السياسي المؤسسي في الدولة الموريتانية،نظرا لتجسيد مفاهيم غيرمدنية رجعية "كالقبلية والجهوية والمحسوبية"التي تحول دون قيام دولة حديثة تعتمد على سلطة قانونية فعالة،بحيث تضمن العدل والمساواة الحقوقية للجميع .

ويرجع هذا الفساد إلى ''نمط الحكم الفاسد'' الذي لا يخضع لشرعية تمثيلية للشعب الموريتاني،بإعتبارأنه لايمثل رأي الأغلبية ولا يعكس تفضيلاتها العامة وبالتالي فهو نوع من الحكم الذي لايخضع لسلطة القانون ولايمتلك مؤسسات فاعلة للمحاسبة والمساواة أمام القانون،بل يجسد عناصرالحكم الفاسد التي تتمثل في"غياب الديمقراطية" وضعف أو إنعدام المشاركة في إتخاذ القرار،وسيطرة الدولة علي الإقتصاد وفساد الحكام  وتفشي المحسوبية والمحاباة.

ومن هذا المبدأ تتولد أنواع الفساد الأخرى كالفساد المالي والإداري الناتج عن مخالفة القواعد المالية والأحكام والقواعد التي تنظم سير العمل الإداري ومخالفة الإجراءات الناتجة عن ضعف الأجهزة الرقابية والمحاسبية،مخلفة بذلك أشكالا مختلفة ومتنوعة من "الرشاوى،الإختلاسات،التهرب الضريبي،والخروج عن المواصفات والمقاييس" .

ويمكن تقسيم هذا "الفساد"الذي تعاني منه الدولة الموريتانية إلى ثلاث مستويات رئيسة :

أولا الفساد المنتظم ويقصد به وجود شبكات منظمة مرتبطة ببعضها البعض تدير الفساد بشكل خفي ومحكم ،أما المستوى الآخرفهو"الفساد الكبير"وهوفساد المستويات العليا في الدولة من كبار الموظفين والمسؤولين لتحقيق مصالح مادية وإجتماعية كبرى وهذا الفساد من النوع الخطير،عالي التكلفة ومن الصعب معالجته حتى بالطرق القانونية التقليدية ولايقل الفساد الصغيرأهمية عن سابقيه،حيث يلعب فساد الفئات الوظيفية الدنيا دورا جوهريا في الإختلاسات للمال العام وتتم ممارسته بشكل منفرد وهو غالبا ما يتناسب بشكل طردي مع أنواع الفساد المنظم والكبير. 

وفي سياق هذه الأبجديات فإن هذا هو واقع موريتانيا المعاش نكتبه بواقعية من أجل تغيير الواقع. 

لبات ولد الفاظل

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطرائف