موريتانيا ...ميلاد الرجل والنصف

ثلاثاء, 01/21/2020 - 13:43
لبات ولد الفاظل

قليلون هم من بين الزعماء العرب في التاريخ العربي المعاصر وهم قلة أساسا من بين الحكام العرب الوطنيين الأحياء منهم والأموات، من يستمر الحديث عنهم بعد وفاتهم وتقييم سياساتهم وبرامجهم وتستمر ذاكرة الوطن في حفظ ذكراهم ،ومن هذه القلة الرئيس "المختار ولد داداه" رحمه الله الذي ترك بصماته على تاريخ هذا الوطن الحديث مويتانيا المجيدة. 

وككل العظماء والزعماء الوطنيين كان له ولهم إيجابياتهم وسلبياتهم التي لاتقاس بمعايير الحاضر فقط،  ولكن بمعايير زمانهم وظروفهم وفي هذا الإطار يقف المختار ولد داداه شامخا ليس في تاريخ الدولة الحديثة  فقط بل في حاضرها أيضا.

هذا الرجل الذي يحمل الكثير من المعاني فهو النموذج النادر في موريتانيا هو مثال للمثقف الملتزم بقضايا وطنه وهو الحقوقي الذي يحفظ حق مواطنيه وهو السياسي الذي مارس السياسة في وطنه وفي ظروف صعبة للغاية وأستطاع من خلالها ان يحافظ على ثقافته ومبادئه وقيمه وأخلاقه بالرغم من الغزو الفكري للقوة الإستعمارية القاهرة انذاك... إنه  (أب و رئيس و قائد) ،هذا (تميز صغير يصنع كل الفارق) وللأمانة كان الرئيس معاوية وطني بطبعه قومي بمشاعره تتجلى فيه روح الوطنية والقومية معا لعل هذا أيضا (تميز صغير يصنع كل الفارق).

صحيح انهم أخلصوا لفكرة وطنية وأجمعوا على أنها تؤسس الإنتماء الوطني والثقافي ،لكنهم صاغوها بأساليب مختلفة ، وصحيح انهم لم يقبلوا أي شكل من أشكال التفرقة بين مختلف شرائح المجتمع الموريتاني ،وصحيح أيضا أنهم آمنوا بالوحدة الوطنية وبضرورة تحديث المجتمع الموريتاني عبر بناء الدولة الحديثة ،رغم التفاوت في فهمهم للديمقراطية وحقوق المواطن ودور الجيش وتميزوا بإمانهم بدور الجماهير وحقوقها الإجتماعية والدور التنويري للتعليم وفهم الحاجة إلى بناء اقتصاد قوي وفعال ،كل هذا كان صحيح .                                                                              

ولكن صحيح أيضا أن من وصلوا إلى سدة الحكم بإستثناء قلة من المتماسكين أمثال (المختار ولد داداه ومعاوية) تمكنوا من تجسيد الفساد المالي والإداري  والتفرقة العرقية وتقوية القبيلة على حساب الدولة والفهم الخاطئ للديمقراطية والإنقلاب على الشرعية والمصلحة الخاصة في ظل العامة.                                                                              

وكما تعلمون بات من المسلمات أنه في ظل انعدام الديمقراطية سهل تحويل القطاع العام إلى رأس مالية دولة بيروقراطية فاشلة سرعان ما تآكلت مشاريعها وتجوفت مقدمة التبريرات للخصخصة ولتقديم عملية نهب المال كأنها عملية إصلاح شامل .                                                                                                                             وبإمكاننا تعداد الإيجابيات والسلبيات لزعماء ذلك الجيل لكننا لسنا قي صدد المقارنة او المقاربة بينهما.                   

وخلافا للفاسدين الإقطاعيين والدكتاتوريين ... كان زعمائنا وقادتنا القوميون الوطنيون أصحاب مشاريع عامة يجتهدون يصيبون ويخطئون إنه (تميز صغير) على خلاف سياسيي اليوم ،وبالنسبة إلى الناس تشكل هذه الميزة كل الفرق اللازم لتحديد المصلحة العامة انطلاقا من السياسة المتبعة التي تخدم الصالح العام                                                      

لعل هذا الفرق الصغير هو المسؤول عن الشعور بالإحترام رغم الإختلاف وعن تشكيل الأخلاق والأعراف العامة التي كانت سائدة في ثقافة المجتمع الموريتاني النبيل والحيز العام بشكل عام أقصد أن هذا الشعور بأن السياسة تمارس في خدمة مشروع عام ومن زاوية نظر الصالح العام.                                                                             

ولم يكن قادة المشاريع العامة من تلك القلة المتماسكة فاسدين كما يدعي البعض ،فربما أنتشر نوع من سوء الإدارة أو ربما كانت هنالك حالات من الفساد الفردي إبان عهد الرئيس معاوية ،لكن صناع القرار لم يتحولوا في ذلك الوقت إلى أثرياء عبر استغلال الموقع السياسي ولم يسد فيهم حكم العائلة والقبيلة.                                                       

ولاتقارن أخطاء ذلك العهد وفساده مع هذا الفساد المستشري في أيامنا هذه في المؤسسات الحيوية للدولة المتأخرة بفيئاتها السياسية والإقتصادية والإجتماعية من الإدارة إلى الوزارة وصولا إلى الحزب ،فأولئك المفسدين أصحاب المشاريع الخاصة هم الذين حولوا الحزب من موقف ونضال وعبء وبرنامج وواجب وسعي إلى السيطرة لغرض تطبيق الأفكار والبرامج إلى نفوذ ورأس مال سياسي له قمة تبادلية مثل أية سلعة ومثل أي قطاع في الخدمات لذلك يجوز استبداله بالثروة(إذن صار النفوذ هو رأس المال السياسي ،ورأس المال السياسي هو السلعة ،والسلعة هي الثروة هذا مايحدث في أيامنا هذه.                                                                                                                          

لقد سعى ذلك الجيل فعلا إلى بناء ثقافة وطنية ودولة حديثة وإلى تطوير الإقتصاد وتعميم التعليم والصحة بغض النظر أو بدون غض النظر عن أخطائهم كانت هذه نواياهم و أولوياتهم فعلا كانوا أصحاب مشاريع عامة ، اما الطبقة السياسية في أيامنا هذه فصاحبة مشاريع خاصة ، وإذا كانت هذه القيادات أصحاب مشاريع خاصة سياسية وإقتصادية مسخرة في خدمتها أدوات حزبية وأمنية وقبلية فلا بد من أن تنحل معها الأعراف والأخلاق العامة ، فليس الصالح عبارة عن مجموع المصالح الخاصة والدفاع عن المصالح الخاصة في (حرب الكل ضد الكل)لايؤسس لأخلاق عامة بل لخيارات الإستبداد والفوضى.                                                                 

لقد كان زعماء ذلك الجيل يجدون المعنى الصالح في خدمة الصالح العام نضالا في سبيل بناء الدولة الموريتانية الحديثة ويراعون ضرورة الحاجة إلى إنشاء مشاريع بناء يعلقون عليها الأمل لأبناء هذا الوطن وأحفاده تشعرهم بالكرامة وتستحق أن يضحى من أجلها لأنها ليست مشاريع خاصة لهذا الزعيم أو ذاك وأقربائه وأنسابه من السياسيين والقبليين هذا (تميز واحد يصنع كل الفارق).

لبات ولد الفاظل

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطرائف