عبير الذكريات النبوية

اثنين, 10/18/2021 - 21:25

نظرت الى التقويم واذا به يوم الاحد 2021 . 10 . 18 وانا على موعد مع الطبيب لإجراء الفحوصات في عيادته الخاصة في اربيل . التفت الى الشباك وشاهدت الحديقة الجميلة التي تزينها الورود النضرة الزاهية وخلف السياج الاطفال الذين كانوا يعودون من المدارس الى بيوتهم حاملين الشموع والهدايا وهنا عدت بذكرياتي الى بعقوبة . مدينتي الجميلة عندما كنت طفلة صغيرة في المرحلة الابتدائية وتذكرت حياتي التي قضيت منها مرحلة طويلة وانا لم افارقها الا هذه الايام الصعبة لأكون تحت متابعة الاطباء . 

تذكرت عندما عدت من مدرستي وقت الظهيرة وكان يتوجب علي العودة اليها ثانية ولكني شاهدت الحركة في البيت فعلمت ان هناك استعدادا للاحتفال بالمولد النبوي الشريف وهنا تذكرت فستاني الجديد الذي لم تنتهي من اعداده الخياطة فانتفضت وقلت لن اذهب الى الدوام الثاني ورميت الحقيبة وبقيت ارتدي صدريتي ودون غداء . اسرعت مهرولة الى الخياطة التي كانت تسكن في الدربونة المجاورة لدارنا . 

طرقت الباب ودخلت الى حيث ماكنة الخياطة فسالتها عن فستاني الجديد وقلت لها بلهجة المتوسلة . 

هل اكملت فستاني ؟

كان شذري اللون تزينه ورود بيضاء لا ازال اذكره حتى هذه اللحظة فتبسمت في وجهي والحنان يملأ وجهها لأنها كانت تعتز بي وقالت : نعم وقدمته لي وكدت اطير فرحا وانا ذاهبة لبيتي . دخلت دارنا واذا بي اجد نفسي في عالم اخر . كل يقوم بمهمته فوالدتي تدق الرز  العنبر في الجاون وتطحن الهيل وخالتي تمسك بالهاون واولاد خالي يقومون بعمل الزينة (الشراشيب) من ورق الابرو وكذلك اوراق الجرائد وعلى المائدة كانت هناك ظروف رسائل بريدية وضع فيها  )كفشة العروس واصابع العروس) ومسقول ابيض باللوز وحلقوم صغير قمنا بشرائه من السيد (داوود الدهري ) ووضع على الطاولة اناء من الالمنيوم كان فيه الحناء وبجانبه شموع الكافور واغصان الياس وعلى الطاولة ايضا صبغ اللوزينه لعمل الزردة والحليب ولوز موضوع في ماء حار لإزالة القشور ونقود من العملة الصغيرة التي كان الوالد يوزعها امام الجامع (خرده) يضعها في جيب الدشداشة لتوزيعها على الفقراء الجالسين والواقفين على جانبي باب المسجد  . 

بعد الغداء حتى وقت القيلولة كان الوالد يغفوا في هذه الفترة ويعم السكون في البيت ولكن تأتي بعض النسوة من الجيران مرتديات العباءة ويتسللن بحذر حتى لا يزعجوه . يقمن بالتحضيرات وبعد الانتهاء يخرجن وهن فرحات بما انجزن كثواب للمناسبة . 

وقبل الغروب بقليل يكون كل شيء جاهز للاحتفال في اليوم الثاني وهنا توعز والدتي الى الصغار بالنوم مبكرا ويستجيبوا بصعوبة ويصعدوا الى سطح البيت . اما بالنسبة لي فتضع الحناء على شعري وفي يدي وقدمي وتربطهما بقطع من القماش وتأخذني الى السطح لأنام لكني لا افعل ذلك الا بشق الانفس .

وانا انظر الى السماء واتابع النجوم فهذه تسمى مجموعة (بنات نعش ) وهن سبعة ونجمة ام ذويل واقوم بملاحقة البقية اللامعة وأعدها ولكني كنت اخاف من اصابتي بالفالول كما يحذرنا اهلنا ويبلغ الخوف اشّده عندما تسقط نجمة وهي تطارد الشياطين فتقوم بحرقها كما اخبرونا فأغمض عيني واضع يدي فوق رأسي منتظرة صعود الاهل ومعهم (الرگي والتنگه  ) 

توضع على الجدار الفاصل بين الجيران وننام ونحن ننتظر بلهفة صباح اليوم التالي وهو يوم المولد وما أروعه من يوم عندما نجتمع لتناول الفطور ونرى البيت نظيفا جدا وتقدم اطيب المأكولات ونتبادلها مع الجيران في المحلّة ويتولى امر توصيلها الاطفال الصغار .

 كانت تتهيأ البيوتات والعوائل بالذهاب الى حيث تقام المناقب النبوية وتجري تحضيرات لوازمها من دفوف صغيرة وكبيرة يسخنونها على نار هادئة مرتدين اجمل الملابس وهم يقدمون المأكولات اللذيذة مثل الدولمة وانواع الكبة والخبز عروگ وخبز بالسمسم والزردة والحليب والمحلبي وحلاوة التمن ام اللوز وفي عصر ذلك اليوم تقام المناقب النبوية للرجال في (جامع السوق ( والزينة تنتشر في كل مكان من المقاهي والبيوتات وعند العصر يتأهب الرجال للذهاب الى الجامع حيث يتوجه اليه اعيان المدينة لكن للأسف الشديد تمت ازالته عندما كنا صغارا وكنا نتمتع بمشاهدة منارته الوحيدة في بعقوبة آنذاك وقضينا اجمل ايام العمر عندما نشاهد منارته وبابه الفخمة كانت احلى ايام العمر عندما كنا نذهب الى السيد قاسم منارة والسيد مهدي عنافصة (  للتسوق وشراء مغريات الاطفال من العاب وحلويات والاحذية من السيد ابو حيدر ( عباس القندرچي  ) والسيد جبوري جيرانه . 

عصر ذلك اليوم ذهبت مع والدتي الى المنقبة النبوية في بيت ام السيد نوري عبد الحسين ( ابو صباح ) مع جيران المحلّة وبعد ان بدأت التفت يمينا ويسارا فرأيت انسجام الجميع وهم يستمعون الى الذكر النبوي ومع نقر الدفوف يقرئون الاذكار النبوية ومن ضمنهم والدتي . نظرت يمينا ويسارا فلم اجد من يراقبني وبغفلة من والدتي خرجت متسلّلة وذهبت الى جامع السوق وعند باب الجامع نظروا الي وعرفوا اني ابنة الحاج محمد علي وكنت لا ازال صغيرة فسمحوا لي بالدخول . تلفتت يمينا ويسارا حتى وجدت والدي وجلست بجانبه دون ان ينتبه وعند انتهاء المنقبة النبوية التفت الي وهو في ذهول وتعجب كيف اجلس الى جانبه . نظر الي مستغربا ومتوعدا وهنا بدأ توزيع الحلويات واخذت منها نصيبي وخرجت فرحة وانا ممسكة بيده بينما والدتي المسكينة كانت تبحث عني ولم ادعها تتمتع بتلك الليلة الكريمة . 

ليلة المولد النبوي الشريف اعاده الله علينا وعليكم بالخير والبركة .

فائزة محمد علي فدعم

 

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطرائف