التكنولوجيا وأثرها على المجتمعات الإسلامية الجزء13

سبت, 06/25/2022 - 12:31

لكن ما يجمع بين هذه النظم عموما، حتى تلك التي باشرت بفتح نظامها السياسي تحت الضغوط الخارجية والداخلية، هو تكلس النخب الحاكمة وتخشبها ورفضها مبدأ تداول السلطة واحتكارها للمناصب آما لو كانت ملكية خاصة وانقطاعها العميق عن المجتمع وتمثل نظرة أبوية قرسطوية لعلاقتها مع الشعب.

 فالصيغ مختلفة لكن الجوهر واحد وقليلا ما يساعد وجود برلمانات منتخبة على الحد من صلاحيات الرئيس أو الملك والتعبير عن إرادة المجتمع.

 ذلك أن معظم هذه البرلمانات 16 تفتقر هي نفسها للاستقلال وإلى الصلاحية في مساءلة السلطة التنفيذية.

 ونادرا ما تمارس البرلمانات المراقبة على أعمال الحكومة وهي تكاد تتحول في الكثير من الأحيان إلى أداة إضافية من أدوات حكم الرئيس أو العاهل الفرد وخدمة مآربه وسلطته الشخصية.

 ولعل خير برهان على طبيعة الانتخابات التي تنظم في البلدان العربية هو أنها تكاد تكون معروفة سلفا، وهي تقود دائما إلى انتصار الرئيس نفسه آما تقود إلى انتصار الحزب الحاكم. وبالرغم من أن تطورا ملموسا قد حصل في الانتخابات الأخيرة في بعض البلاد العربية مثل المغرب والجزائر ومصر والكويت وجزئيا البحرين غير أن فقر الحياة السياسية وقرف الجمهور وعدم الثقة بالحكومات يقلص كثيرا من تمثيلية هذه المجالس وحيويتها أيضا وبالإضافة إلى المحاكم الاستثنائية التي لا تزال موجودة في العديد من البلاد لتعزيز الضغوط على قوى المعارضة السياسية، يعاني القضاء العادي من التدخلات القوية للسلطات التنفيذية، آما أن القيود على استقلال القضاة لا تزال كبيرة أيضا بسبب عدم الوضوح في الفصل بين السلطات.

 وغالبا ما يكون الاعتبار الأول في تعيين القضاة في مناصبهم، خاصة العليا منها، للولاء السياسي.

 ويرأس الملك أو رئيس الدولة أو وزير العدل مجلس القضاء الأعلى آما في المغرب وسورية ومصر وتونس. 

وتعتبر التدخلات في شؤون المحاكم والقضاة من قبل الأجهزة التنفيذية والأمنية أمرا شائعا جدا في العالم العربي وبقدر ما عملت هيمنة السلطة التنفيذية على إضعاف فكرة المساءلة وحررت الحكومات من أي مراقبة شعبية أو انتقاد، أنتجت السيطرة الطويلة والشاملة للنخب والأحزاب الحاكمة ذاتها نزعة قوية عند جميع أصحاب المناصب، السياسية والإدارية معا، إلى التعامل مع مناصبهم آما لو كانت شؤونا خاصة وأداة لتحقيق المصالح الشخصية.

 فتقهقر مفهوم الخدمة المدنية إن لم يزل تماما، آما ضاع مفهوم المحاسبة في الوظيفة العمومية.

 وساهم التوظيف المرتبط بالولاء السياسي أو الطائفي أو العشائري أو العائلي، في تحويل الإدارة العامة إلى وكر لشبكات المصالح الخاصة والمتضامنة.

 مما شجع على انتشار الفساد وفاقم من مخاطر احتواء الدولة، بل اختطافها من قبل مراكز الضغط وتحالف شبكات المصالح، المرتبطة هي ٢٥ نفسها بالسلطة السياسية، وعمل على إفساد الإدارة المدنية ومما يضعف من قدرة المجتمع على مساءلة الحكومات أو محاسبة المسئولين ضعف استقلال وسائل الإعلام التي لا تزال في الكثير من الدول العربية تحت السيطرة الكاملة والمباشرة للسلطة السياسية.

 فبالإضافة إلى تجبير وسائل الإعلام الوطنية، خاصة المرئية منها، لخدمة الحكم، يخضع العاملون في الصحافة الخاصة لقوانين تفرض عقوبات شديدة على الصحفيين وتتراوح بين السجن لسنوات عديدة ودفع الغرامات المالية.

 ثم إن أآثر الصحف والقنوات الخاصة التي تشكل طفرة جديدة في الحياة الإعلامية العربية تخضع، بالرغم من الحرية النسبية التي تميزها بالمقارنة مع الإعلام ا لرسمي المحتكر آليا من قبل الحكومات ولصالح الدعاية لها، لمراقبة ذاتية صارمة لأنها مملوكة من قبل شيوخ أو رجال أعمال أو   منظمات سياسية تربطهم علاقات قوية بالنخب الحاكمة ربما كان الخرق الوحيد الذي حصل كان نتيجة استغلال حركات المجتمع المدني وبعض التيارات والحركات السياسية لشبكة الانترنيت في سبيل التعبير عن آرائهم ونشر أفكارهم.

 بيد أن الحكومات لم تعدم وسائل لفرض المراقبة على المواقع التي لا تروق لها أفكارها، آما تفرض الرقابة على نشر الصحف والمطبوعات عامة، ولم تعدم كذلك وسائل مماثلة لبناء مواقع مناوئة تستخدم الشبكة نفسها للتشويش على المواقع النقدية والهجوم عليها لم تترافق العولمة في العالم العربي إذن بانتشار الحريات الفردية والجماعية، ولا بكسر شوكة النظم التسلطية، ولكنها ارتبطت بتفاقم القطيعة بين النخب الاجتماعية والشعوب، وتفجر الصراعات الداخلية والحروب الأهلية، التي نجمت عن جمود النظام السياسي وانعدام قدرته على التعبير عن تحولات القوى الاجتماعية، وافتقاره إلى المرونة اللازمة لحل التوترات السياسية والثقافية ومنع النزاعات من الانفجار.

 وبعد أن تم لها القضاء في مرحلة أولى على حركات الاحتجاج الشعبية الكبيرة التي انطلقت في بداية الثمانينات من القرن الماضي (انتفاضات الخبز وإضرابات النقابات المهنية) والانتصار في مرحلة ثانية على حركات التمرد الإسلامية التي انتشرت كالنار في الهشيم، اعتقدت النظم المطلقة المدعومة من الدول والشركات الصناعية الكبرى أنها ضمنت الاستقرار، ولم يعد هناك ما يمنعها من تخليد نفسها عبر الشعارات وتقديس الرؤساء وذريتهم معا. وهو ما دفع البعض إلى اختراع مفهوم الملكية أو الجمهورية الملكية لتقديم اسم يليق بما حصل من مصادرة علنية للدولة ومواردها ومن عليها من السكان لصالح الأسر الحاكمة وحلفائها، وتحويل البلاد العربية إلى مزارع خاصة تحكمها إرادة أسيادها ولا يعترفن فيها بحق ولا قانون كما أن حقبة العولمة وتقدمها لم يساعدا المجتمعات العربية على تجاوز النظم الوطنية الشعبوية المفتقرة للمؤسسات الفعالية نحو إقامة نظم ديمقراطية تقوم على أساس الحق والقانون، وتساهم من خلال تعميم مفهوم المواطنة وتطبيقه على الجميع، أفرادا وجماعات، في دمج الأقليات الدينية والإتنية في الحياة الوطنية وتوفير المساواة والاحترام والحماية الطبيعية لها، يعيد بناء الحياة السياسية الوطنية على أسس جديدة، ويمكن الدول الصغيرة والضعيفة من تجاوز نقائصها وعيوبها للاستمرار في البقاء وتعزيز مصدر شرعيتها التاريخية.

 لقد قادت، بالعكس، إلى تحلل الدولة الوطنية، بل الدولة نفسها كمؤسسة سياسية 17 قانونية جامعة، لصالح عودة الدول والعصبيات الطوائفية.

 وهكذا ستفقد المجتمعات أآثر فأكثر هامش مبادرتها الإستراتيجية، وتضطر إلى التخلي تدريجيا عن استقلالها الفعلي وتراهن هي أيضا، آما تراهن الأنظمة تماما في ضمان استمرارها، في تأمين حقوقها وحماية نفسها، على القوى الخارجية والتدخلات الدولية.

 ففي مواجهة الحماية الخارجية القوية التي تمتعت بها النظم الاستبدادية في المنطقة وسمحت لها بالقضاء على أي حياة سياسية سليمة، لم يبق أمام المجتمعات والقطاعات الناشطة منها، سوى التعلق بآمال الضغوط الأجنبية والاحتماء بمواثيق حقوق الإنسان الدولية وتوجيه النداءات المستمرة للحكومات والجمعيات المدنية العالمية لوقف الانتهاكات الدائمة لحقوق الأفراد والأقليات، وأحيانا المطالبة بالتدخل بشكل عملي لوضع حد للسياسات الهمجية لبعض النظم الخارجة عن أي قانون.

 وهكذا انحل عقد الوطنية تماما، وأصبح التطلع إلى الخلاص مرتبطا بالخارج، وصار الاحتلال نفسه يبدو وكأنه عملية تحرير للمجتمعات من شياطينها الديكتاتورية الداخلية. وربما قدمت تجربة العراق الحديث، والطريقة التي تم بها القضاء على نظام صدام حسين، وما رافقها من حروب داخلية وخارجية وحصارات وانتفاضات ومجازر، وما تبعها من احتلال وتسليم بما يشبه الحماية الأجنبية، المثال الحي لأزمة الأوضاع السياسية العربية الناجمة عن تحالف الاستبداد و"الاستعمار" وتفاهمهما الطويل معا ضد مصالح المجتمعات العربية وفي سبيل حرمانها من سيادتها وحقها في القرار... يتبع

 

بقلم: عمر دغوغي الإدريسي مدير مكتب صنعاء نيوز بالمملكة المغربية.                              

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطرائف