موسم الكيطنة.. كل يغني على ليلاه

أربعاء, 08/16/2023 - 16:41

بفارغ الصبر ولهفة اللقيا، يعيش رواد موسم الكيطنه على أعصابهم، شوقا لمعانقة ملكة جمال الشجر وقاهرة الزحف والتصحر، الضاربة بجذورها في الأرض والمعانقة بسعفها لعنان السماء، ملهمة الشعراء وملجئ المجاهدين الأوفياء، رمز الشموخ والإباء، عنوان الجود والعطاء، إنها النخلة في أبهى حللها وأجمل مواسم عرسها.

بانقضاء السنة الدراسية وبداية العطلة الصيفية تشرئب أعناق محبي الكيطنه وتشرد أذهانهم صوب الحدائق الغناء والبساتين الخضراء، واضعين نصب أعينهم باسقات النخيل، معلنين بذلك بلوغ الحنين منتهاه، واضعين حدا لهجر بلغ أقصى  مستواه  وصبر أشرف على بلوغ مداه، ضاربين الصفح عن ما عداه.

وبعد حط الرحال بجوار المبتغى والمطلوب وأخذ نفس عميق يتسلل من خلاله شذى نفحات النخيل، يبدأ الرواد ممارسة الطقوس الاعتيادية الخاصة بالزمان والمكان.
لا يقتصر النشاط في تلك الفترة على الاستمتاع بجني ثمار النخيل والتفنن في اقتناء واختيار الأجود من الرطب فقط، وإنما يعيش أهل الكيطنه أجواء فرح ومرح وتسلية، حيث تتزاور الأسر في جو من الحميمية والتكافل الاجتماعي قل نظيره، إذ تقوم الأسر ميسورة الحال بمنح الأسر المتعففة والضيوف ثمار بعض نخيلها عن طيب خاطر كعادة اجتماعية توارثوها أبا عن جد. 
كما يحيي "أهل الكيطنه" أماسي وسهرات فنية ينعشها فنانون ومداحون محليون تمثل تراثا عتيقا تلتقي خلاله كل فئة عمرية على حدة وتتسامر وتتدارس التحديات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية الآنية، وتنظم بعض الجمعيات الثقافية مسابقات تدعمها أحيانا شخصيات وازنة وتمول بعضها أحايين أخرى سبيلا لخلق مناخ ثقافي متزن، يساهم في الاستفادة وعدم هدر الوقت في اللهو واللعب على حساب التعلم والتعليم فيكتسي الموسم حلة ثقافية ترفيهية متعددة الأهداف والمقاصد.
كما تنظم مسابقات شعرية بالفصحى والعامية يتبارى فيها الأقران والفتيان فيصولون ويجولون ويجودون بأروع ما منحتهم مخيلاتهم متخذين من اللغة مطية للتواصل بينهم مع الجمهور، تماما كما يفعلوا مع المسابقات الرياضية التقليدية المنشطة للذهن والصحية للجسم كسباق الإبل والجري ولعب ظامت في تناسق وانسجام تام بين الإنسان والطبيعة.
وعلى صعيد آخر يساهم ملاك النخيل في إنعاش الاقتصاد الوطني من خلال تزويد الأسواق المركزية بمنتوج محلي خالص يحتاجه كل بيت على عموم التراب الوطني، و يوفر على الدولة العملة الصعبة التي تستخدمها في استجلاب البضائع والمنتوجات الأجنبية، وينشط الدورة الاقتصادية للبلد، ويساهم في امتصاص البطالة، إذ لا يقتصر نفعه على المنتجين المباشرين فقط وإنما تتعدى الاستفادة منه إلى أصحاب شاحنات النقل الذين يحملونه إلى باقي ربوع الوطن والعمال اليدويون الذين يمتهنون اقتلاع الثمار من على رأس النخلة والباعة الذين يتولون مهمة العرض والترويج والبيع المباشر، زد على ذلك استفادة بائعي المعدات التي يخزن ويعلب فيها التمر كالأكياس مثلا.

تضفي النشاطات آنفة الذكر التي تقوم بها “الكيطانه” على الموسم طابعا خاصا، يميزه عن غيره من المواسم المتنوعة التي حبا الله تعالى بها بلادنا وأنعم بها على مواطنينا وهي من عوامل الجذب التي تمتلك الكيطه ناصيتها، ولا أدل على ذلك من تجلي التكافل الاجتماعي وحضور الجانب الترفيهي التثقيفي وتوفر الجانب الاقتصادي الإنتاجي، وتغري الآخرين من غير الكيطانه بورود حوض الكيطنه، وهو ما دفع بالكيطانه لرفع أصوات حناجرهم بالغناء على ليلاهم، وحق لهم ذلك.   
وماذاك إنكارا منا لفضل غيرنا… ولكن للكل حدود وللكل مرابع 

سيدي امحمد باب

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطرائف