نـصــــــر الله

اثنين, 11/06/2023 - 16:20

ياسر عبد العزيز

منذ السابع من أكتوبر الماضي ونحن نشهد معجزات ، في زمن لا يبعث فيه الأنبياء، لكن الملائكة تنزل لتؤيد بنصر الله من يشاء، لا شك أن عملية طوفان الأقصى خطط لها على المستوى العسكري والاستخباراتي بشكل سيدرس، لما احتوته من مميزات وأهمها استخدام الإمكانيات المتاحة بشرياً وتسليحياً، مع الاستفادة من العلوم الحديثة وعلى رأسها الاتصالات للرصد ومن ثم تقدير الموقف، ووضع الخطة، إدارة المعركة، إلا أن عناية الله وتأييده، فوق كل ذلك، لازمت المندفعين نحو الحرية، فجعلت الاحتلال يتأخر في الرد، ولما رد تخبط وأوقع في صفوف جنوده والمستعمرين خسائر بشرية ومادية كبيرة .. وهذا نصر الله . ولا يزال نصر الله يلازم هذه الفئة المؤمنة الصابرة المرابطة، نحسبها على ذلك، حتى بعد مرور ما يقارب الشهر، فتلك العبوة الفدائية التي تثبت من مسافة صفر على أقوى دبابة في التحصين والتأمين في العالم (ميركافا)، يظهر تجلي عناية الله مع من يثبتها، فرغم تميزها بأنها أول دبابة في العالم تحتوي على نظام متقدم من الذكاء الاصطناعي وبه مستشعرات لرصد الأجسام المعادية ، إلا أنه وبكلمات قليلة في المبنى عظيمة في المعنى (فأغشيناهم فهم لا يبصرون) ينطقها المقاوم وهو يثبتها تنفجر لتفجر فخر الصناعة "الإسرائيلية" التي تتكلف 33 مليون دولار، تتفجر بعبوة تتكلف 200 دولار، إذن إنه.. نصر الله. لعلك عزيزي القارئ كنت تنتظر من العنوان الحديث عن حسن نصر الله ، لاسيما وأن الحالة التشويقية التي سبقت كلمته على مدار خمسة أيام كتم فيها العدو أنفاسه، وتلهف الصديق نسماته بإطلالة، قال عنها إعلامه بأنها : إطلالة من إذا تكلم سكت العالم ليسمع، ومن ثم لن أخذلك عزيزي القارئ وأجعل ما تبقى من هذه السطور لخطاب حسن نصر الله .

 

لم أتوقع كما الكثير من المنتظرين والمتلهفين، بما فيهم قادة حماس وشعب غزة، الكثير من خطاب حسن نصر الله، لا لشيء إلا لأن الكل يريد لهذه الفئة أن تجد من ينصرها ممن لهم نفوذ وقوة ومنعة ويمتلكون من مقومات القوة أن يغيروا المشهد، بعد أن خذلهم الجميع من هذه الفئة، فالشعب والمقاومة في غزة لم ينتظروا السلاح والعتاد ولا الرجال، ولكن انتظروا إدخال المحروقات والأدوية والمستلزمات الطبية والطعام، وفي أدنى الحالات الدعم السياسي الحقيقي والضاغط، فإن لم تستطع فبلسانك، لذا فكان أخر أمل في حسن نصر الله، بعد أن صنع إعلامه مشهدا سينمائيا على طريقة (كابتن ماجد) في المسلسل الكارتوني الشهير، لينتهي به الأمر بعد شهر من القتل والتدمير: أذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، بعد أن بث في متابعيه الأمل على مدار شهر بوحدة الساحات . لم أتوقع من نصر الله الكثير، لأن قراءة المشهد كانت واضحة، بالنسبة لي، من خلال قراءة الموقف الإيراني للأحداث، ولعل سفريات وزير خارجيتها، عبد اللهيان، المكوكية، كانت لتوزيع الأدوار، بين الميليشيات الموالية لبلاده، من يقصف وأين يقصف، ومن يشجب ومتى يشجب، وكل حسب مكانه ومكانته، وفي النهاية يخدم الإعلام الموالي ويضخم المعادي، ويصدق العوام ويردد المذيعون كواجهات للخدعة الكبيرة، وهم لا يعلمون أنهم سيحاسبون على هذه الخدعة بالضبط كما نسجها ليضيعوا المتلهفين لنصرة المقاومة. ظهور عبد اللهيان في مشهد العسكري، بامتياز، كان رسالة تطمين للغرب وأمريكا من اللحظة الأولى، إذ أنه وفي أوقات الحروب تكون القيادة العسكرية هي واجهة الدول الفاعلة، ولنا في وزير الدفاع الأمريكي، ورحلات وزير دفاع الكيان المحتل المكوكية المثل، لذا فإن استلام عبد اللهيان الملف منذ 7 أكتوبر كان له دلالاته، ولما كان نصر الله ابن طهران البار والأكثر حظوة، والأفضل تسليحاً وتدريباً فإن دوره سيقتصر على التحليل السياسي في الخطاب المنتظر، وقد كان، لكن الرجل هدم بكلمته عدة ثوابت كانت قد استحوذت على مخيلة الجميع بما فيهم المقاومة، بأن الرجل الذي استطاع أن يأخذ قرار الحرب في 2006، في تشابه عجيب مع ما حدث في 2023، إذ كان قرار نصر الله بالحرب في 2006 مدفوعا بتحرير الأسرى اللبنانيين، بأسر عدد من جيش الاحتلال ليساوم عليهم، ولم ينسق مع أحد في حينها، ولم يقل أحد أنه اتخذ القرار منفرداً، وخرج القادة العرب ليصفوا القرار بالمغامرة غير المحسوبة، وهي فحوى كلمة نصر الله في الثالث من نوفمبر الجاري، لكن هنا لا يمكن وضع كلمات حسن نصر الله في موضع القيادة السياسية لبلد يخشى تبعات ما يقول، في ظل وقوف حاملتي الطائرات الأمريكيتين في البحر المتوسط، إذ أن قراره في 2006 لم يحسب هذه الحسابات ليحسبها الآن .

 

موقف حسن نصر الله المتسق مع الموقف الإيراني بترك الساحات، رغم طلب المقاومة في غزة بكل صراحة فتح جبهات للتخفيف عنها، وقابله نصر الله بــــ "معركة العامود" أو ضرب قواته عمودا للاحتلال في المنطقة المحتلة من مزارع شبعة وتصوير الأمر على أنه معارك تخوضها عناصره، وهو ما يكشف الدور الأخير الذي تلعبه إيران والميليشيات الموالية له بتصفية المقاومة العربية السنية، بعد أن نجحت في كل من العراق بعد الاحتلال الأمريكي، وتبعته بتدميرها في سوريا، ثم اليمن، مستغلة الثورة في البلدين، لينتهي الأمر بأهم وأقدم وأكثر هذه الفصائل تدريباً وتنظيماً.. المقاومة الفلسطينية، ومن ثم حتى المقاومة السياسية والفكرية من أجل طريق أسهل للسيطرة على المنطقة. لعل قائل يقول كيف لإيران أن تنهي المقاومة الفلسطينية وهي من تدربها وتمولها وتسلحها ؟ ولعل الرد يخلص في أن فلسطين هي قضية من أراد أن يكون له شأن في المنطقة بل وفي العالم ، فهي قضية سياسية وجيوسياسية وجيواستراتيجية مدفوعة بطابع ديني، زادت أهميتها مع صعود اليمين المسيحي الصهيوني متجسداً في رئيس أكبر دولة في العالم، جورج بوش الابن، مع ذلك فإن كل من "إسرائيل" والمسيحية الصهيونية الغربية ترى في العالم الإسلامي "السني" العدو الأكبر، والعقبة الكؤود لتحقيق النبوءات، وتستفيد إيران وتتقاطع مصالحها للوصول لحلمها الأكبر في إمبراطورية كبيرة على حساب العرب والمسلمين، في وقت يتحسس كل من على كرسي كرسيه في تلك القصعة التي تداعت عليها الأمم، ولا يدركون أنهم مأكولون لا محالة في المخيل الغربي و"الإسرائيلي" والإيراني . نصر الله آت لا محال ولكن ليس من جنوب لبنان ولا من صنعاء ولا من طريبيل، نصر الله آت من السماء بتثبيت المقاومة وتربية حاضنة شعبية أكبر من تلك التي ربوها في 360 كيلومتر مربع، فما تلك التظاهرات التي تخرج إثر كل مجزرة إلا نبوءة لما هو قادم وإرهاصات نصر عظيم في الأفق ينتظر الصابرين الصامدين، فالبدء كلمة ثم فعل ثم نتيجة، وإن كنا في مرحلة الكلمة، فإن الفعل قادم ببناء السفينة فيا بني اركب مع المقاومة ولا تكن مع المجرمين .

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطرائف