جدال الإشراف وحدود نطاقه في عمل المحاكم بين السلطة الحكومية المكلفة بالعدل والسلطة القضائية

أربعاء, 10/25/2017 - 00:44
المرصد الوطني لهيئة كتابة الضبط

إن المشروع رقم 38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي، والذي يندرج ضمن الهدف الرئيسي الرابع لورش إصلاح منظومة العدالة والمتمثل في الإرتقاء بفعالية ونجاعة الإدارة القضائية، يثير إشكالية أو جدلية الإشراف وحدود نطاقها في العمل اليومي للمحاكم، لكون هذا المشروع قد إستحدث مؤسسة الكاتب العام للمحكمة المنصوص عليها في المادة 21 من القانون المشار إليه أعلاه، والذي من المقرر أن يؤول هذا المنصب إلى أحد الأطر الإدارية من هيئة كتابة الضبط، وأن هذا المنصب بحسب منطوق المادة 21 ستكون له صلاحية التدبير الإداري والمالي والمحاسباتي والمعلوماتي للمحاكم، الأمر الذي رفضته السلطة القضائية لكونه سيفضي بحسبها إلى خلق التشويش على الإشراف الإداري والمالي للمسؤولين القضائيين على مستوى المحاكم.
                إن تحديث الإدارة القضائية وتعزيز حكامتها، يقتضي عصرنة أساليبها من خلال معالجة جوانب هيكلية وتنظيمية لمؤسسة الكاتب العام، تمكنها من تفعيل أداء مرفق القضاء لمهمته على الوجه الأكمل، لكون تحقيق النجاعة والفعالية يستلزم أن تكون الإدارة القضائية إحترافية ومؤهلة، تحترم طبيعة الهيكلة الداخلية للمحكمة والعمل اليومي لسير عملها الذي يتجادبه ما هو قضائي وما هو إداري ومالي، وأن حسن تدبيرها يقتضي إقامة علاقات للتنسيق بين الأقطاب التي تتجاذب عمل المحاكم، وأن هذه العلاقة بين الأقطاب يجب أن تنبني في إطار التوازن والتعاون والتنسيق، وأن يفهم هذا التداخل في نطاق تحديد حدود الإشراف لأنه من غير المنطقي تصور خضوع الكاتب العام للمحكمة للإشراف القضائي، لذلك فإن طرح فك الإرتباط مع السلطة القضائية يشتد على أساس أن تؤدي كل سلطة مهامها في جو من التنسيق والتوازن والتكامل، لأنه من غير المقبول أن تتدخل السلطة القضائية في شؤون من صميم أعمال وإختصاصات السلطة الحكومية المكلفة بالعدل، ونقصد هنا المهام التدبيرية والمحاسبية لعمل المحاكم، لأن وحدة البيئة والعمل والهدف يقتضي أن يتولى تنظيم الشأن القضائي القضاة في حين يتولى الإشراف الإداري والمالي والمحاسباتي والمعلومياتي الكاتب العام للمحكمة دون وصاية بإعتباره إمتداد طبيعي للسلطة الحكومية المكلفة بالعدل في المصالح اللاممركزة، الأمر الذي يعتبر خرقا للدستور، وإرتباطا بهذا الشأن نورد القرار رقم 786 للمجلس الدستوري الصادر بتاريخ 02 مارس 2010 والذي جاء فيه: "... إن القوانين التنظيمية تعد منبثقة عن الدستور ومكملة له وتغدو أحكامها بعد تصريح المجلس الدستوري بمطابقتها للدستور إمتدادا له"، لأن هذا التصور المبني على أساس فصل السلط وتوازنها وتعاونها يلزم الجميع عند تحرير و إعداد مشاريع القوانين أو القوانين التنظيمية، وأن القوانين حتى في دائرة توسعة الصلاحيات وحدود الإشراف تظل مقيدة بالنص الدستوري ولا يمكن تجاوزه، لأن إحترام مبدأ سمو الدستور  يعد بموجب فصله السادس من المبادئ الملزمة.
إن جدلية الإشراف وحدود نطاقه، تبرز بشكل جلي في اللجان المنبثقة بموجب مشروع التنظيم القضائي، ونقصد هنا مكتب المحكمة والجمعية العامة للمحكمة ولجنة الصعوبات وغيرها من اللجان التي يمكن إحداثها. وبمجرد إمعان النظر في هذه اللجان، يتبين أن مبدأ فصل السلط لا يعدو مجرد شعار ومن ورائه منصب الكاتب العام للمحكمة الذي يعتبر مجرد منصب تحفيزي لأطر هيئة كتابة الضبط فارغ من أي مهام أو إختصاصات تحمل في طياتها حمولة الإشراف أو التدبير اليومي لعمل الحاكم، لأن دور الكاتب العام للمحكمة في هذه اللجان لا يعدو مجرد مقرر، الأمر الذي سيفضي إلى تغول السلطة القضائية في إختصاصات هي من صميم أعمال السلطة الحكومية المكلفة بالعدل.
و لأن حسن تدبير الإدارة القضائية يقتضي إقامة علاقات لتنسيق العمل الإداري والقضائي، فإن ذلك لن يتأتى إلا بالإشراك الفعلي والحقيقي لجهاز هيئة كتابة الضبط، من خلال مؤسسة الكاتب العام والمسؤولين الإداريين في مكتب المحكمة وباقي اللجان، وبالتالي وجب أن لا ينحصر حضور الكاتب العام للمحكمة في اللجان بصفته مقررا أو لغاية تحرير المحضر، بل وجب أن يكون حضوره رئيسيا وجوهريا كممثل للسلطة الحكومية المكلفة بالعدل وتحت الإشراف المباشر للسيد وزير العدل تحقيقا لمبدأ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة، ولكون الكاتب العام للمحكمة وإلى جانبه المسؤولين الإداريين لهيئة كتابة الضبط المتمرسين في التسيير والتدبير الإداري والمالي والمحاسباتي من شأنه أن يضفي نتائج إيجابية لإجتماعات المكتب واللجان والمتمثل في تدليل الصعوبات اليومية لعمل المحاكم وإعداد مشاريع العمل الإداري والمالي بإستقلالية وحياد ودون إملاءات إلى جانب العمل القضائي وتنفيذهما في إحترام تام لنطاق حدود الإشراف كل في مجاله وحسب إختصاصه.
وإذ يعي المرصد الوطني لهيئة كتابة الضبط أن هذا الجدال حول المشروع بين السلطة الحكومية المكلفة بالعدل والسلطة القضائية والمتمحور حول مؤسسة الكاتب العام للمحكمة لا يمثل سوى بصيص يلوح في الأفق على إعتبار أن المطلب الأساسي والرئيسي للمرصد هو توصيف المهام والإختصاصات بهيئة كتابة الضبط بمقتضى مرسوم وذلك لمجموعة من الإعتبارات نذكر منها :
-        تفعيل آليات التنفيذ رقم 159-160-161-162-163 و180 من ميثاق إصلاح منظومة العدالة التي تروم إلى إعادة النظر في النظام القانوني المنظم لهيئة كتابة الضبط.

-        إنعدام الآليات الضامنة لتلازم ممارسة المسؤوليات وربطها بالمحاسبة لهيئة كتابة الضبط في غياب أي مرسوم ينظم تلك المهام والإختصاصات وفق برامج قابلة للتقييم والمسائلة تكريسا لقاعدة تلازم المسؤولية بالمحاسبة في إطار فصل السلط.

-        في إطار مقاربة ملائمة للإنخراط في المسار التصحيحي الذي جاء به خطاب العرش ليوم 30 يوليوز 2017 من خلال تحصين هذه المهام ببنيان قوي من القيم الأخلاقية تدعمه آليات حديثة للرقابة والتقويم وتسنده إجراءات الشفافية والتبسيط لضمان الإضطلاع بهذه المهام بالإستقامة والنزاهة والفعالية المنشودة وضمانا للشفافية والنزاهة.

-        تفعيلا للتوصية 42 من ميثاق إصلاح منظومة العدالة الصادر عن الهيئة العليا للحوار الوطني في إطار الهدف الفرعي الأول القاضي بتعزيز آليات الجزاء لضمان نزاهة وشفافية منظومة العدالة.

المرصد الوطني لهيئة كتابة الضبط

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطرائف