شمس الحقيقة لا تُغطَّى بغربال

خميس, 12/14/2017 - 09:05
اياد العبادلة

تأسفت كثيرًا حينما وردني اتصال من أحد الأصدقاء الذي عمل مديرًا عامًا في احدى الوزارات في قطاع غزة، وطلب مني أن أتوقف عن النشر في قضية الأخوين لحام، الزميل ناصر وابن عمومته عضو المجلس التشريعي عن دائرة بيت لحم محمد اللحام، التي تم خلالها الإعتداء على رجل الكرم، المعروف عنه بالعطاء نائب رئيس بلدية بيت لحم حنا حناينا، ومحاولة النيل منه عبر ثلاث محاولات، من أبنائهما بعد أن تهامسوا مع النائب الموقر، "البلطجي" محمد اللحام، حيث حاول سرد قصة أخرى تشوبها الشكوك وتحيط بها عبارات الكذب والافتراء، ووفق ما ابلغني انها رواية أفراد عائلة اللحام ومقربين من ناصر والنائب محمد، توقفت عن الكلام لبرهة من الزمن، استمع لما يقول، وبادرته بعدة أسئلة فتلعثم وأدرك أن ما أبلغوه به لا يمت للحقيقة بصلة.

تحركت على الفور واستخدمت علاقاتي وحصلت على تلفون النائب عن بلدية بيت لحم، حنا حناينا، وهاتفته، فذكر لي القصة كما ذكرها عبر كل وسائل الإعلام، ولمست في نبرات صوته لهجة المظلوم، الذي يسعى لانتزاع حقه بكل السبل، ورد اعتبار يليق بمكانته المرموقة بين أهله وربعه، فأقسمت له أن الذي خلق الكون وخلق القوي والضعيف، قادر بأن يحيي العظام وهي رميم، وأنقذ سيدنا موسى عندما اشتد عليه كرب فرعون، وشق البحر بعصاه أمامه ليعبر بأمان هو ومن اتبع هدى الله, وأكدت له بأن من سخرَّني للدفاع عنه هو خالق الكون لا غيره، عندما كنت أتجول في الصحف والمواقع مساءً كعادتي أتتبع الأخبار، فلم أحتمل ظلمًا وقع على رجل كونه من طائفة تتسم بالأقلية في مجتمع مسلم يحترم الديانات وينفذ تعاليم رسوله الله، ولا يرضى بظلم أحد أو افتراء قوي على ضعيف.

وكتبت مقالتي التي اطربت الآذان وحُفظت في قلوب الضعفاء، وتلقيت اشارات ايجابية حتى من زملائي في شبكة معا الاخبارية التي يدير تحريرها الزميل ناصر اللحام، لأنهم يرفضون الظلم، ضد أي مواطن يرفض اسلوب "البلطجة"، ويبحث عن حقه بكل الطرق القانونية وفقًا للقانون الفلسطيني والشرائع السماوية التي كفلت الحقوق والواجبات.

ويقول الله عل وجل: «من آذى ذمّيًا فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله» "رواه الخطيب بإسناد حسن". وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم: لأهل نجران أنَّه لا يؤخذ منهم رجل بظلم آخر "رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن".

واقتبست من مقال الزميل صلاح رشيد بعضًا من شواهد التاريخ، حيث أن الخليفة أبا بكرٍ الصديق أوصى أسامة بن زيد لما وجّهه إلى الشام بالوفاء لمن يُعاهدهم، وبالرحمة في الحرب، وبالحفاظ على أموال الناس - كل الناس - وبترك الرهبان أحراراً في أديارهم وصوامعهم، وقال له: «لا تخونوا ولا تغدروا ولا تغلوا، ولا تُمثِّلوا، ولا تقتلوا طفلاً ولا شيخاً ولا امرأة، ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرةً مُثمرة، ولا تذبحوا شاةً ولا بعيراً إلا للأكل، وإذا مررتم بقومٍ فرّغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرّغوا أنفسهم له».

وكان عمر بن الخطاب رفيقاً بأهل الكتاب؛ فقد نصح القائد سعد بن أبي وقّاص عندما أرسله إلى حرب الفُرس؛ بأن يبعد معسكره عن قرى أهل الصلح والذمّة، وبألا يسمح لأحدٍ من أصحابه بدخولها إلا إذا كان على ثقة من دينه وحسن خلقه، وأوصاه بألا يأخذ من أهلها شيئاً؛ لأن لهم حرمةً وذمةً يجب على المسلمين الوفاء بها، وحذّره من أن تضطره حرب أعدائه إلى ظلم الذين صالحوه. وأوصى عمر كذلك الصحابي أبا عبيدة بن الجراح بقوله: «وامنع المسلمين من ظلمهم، والإضرار بهم، وأكل أموالهم إلا بحقها، ووفِّ لهم بشرطهم، الذي شرطت لهم في جميع ما أعطيتهم».

وفي عهد عمر - أيضاً - عاهد خالد بن الوليد أهل دمشق على الأمان على أنفسهم وأموالهم، وكنائسهم وسور مدينتهم، لهم بذلك عهد الله، وذمة رسوله (صلى الله عليه وسلم)، وذمة الخلفاء المؤمنين، ولم ينسَ عمر واجبه في رعاية أهل الكتاب، عندما أوصى خليفته - من بعده - وهو يجود بروحه؛ لأنه يعلم أنهم بعض شعبه، فهو مسؤولٌ عنهم. فقد أوصى خليفته بأن يفي بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم؛ فلا يجعل ديارهم ميداناً للحرب، وألاّ يكلّفهم فوق طاقتهم.

وبينما كان عمر يسير بالشام، لقيه قوم من نصارى أذرعات يلعبون بالسيوف والريحان أمامه، كما تعوّدوا أن يفعلوا في الاحتفال بالعظماء، فقال:» ردّوهم وامنعوهم» لأنه كان يكره الأبّهة ومظاهر الملك. فقال أبو عبيدة بن الجراح: يا أمير المؤمنين، هذه عادتهم، وإنك إن تمنعهم يروا أن في نفسك نقضاً لعهدهم. فقال عمر:» دعوهم، عمر وآل عمر في طاعة أبي عبيدة».

وحدث أن مرّ عمر، وهو في الشام بقومٍ أُقيموا في الشمس - من النصارى - فقال:» ما شأن هؤلاء؟ فقيل له: إنهم أُقيموا في الجزية، فكره ذلك، وقال:» هم، وما يعتذرون به. قالوا: إنهم يقولون لا نجد. قال: دعوهم، ولا تكلّفوهم ما لا يطيقون، ثم أمر فخلى سبيلهم».

وهنا أود أن أذكر أن مقالي الأسبق سردت فيه قصة "تيس أو عوض" متأملا أن تكون عبرة، يُقتدى بها، وتشرع الأجهزة الأمنية بسرعة تطبيق القانون وتعمل على محاسبة من أمر بمحاولة قتل النائب الموقر عن بلدية بيت لحم حنا حناينا، ومحاسبة من أمروا الصبية باقتراف جريمتهم، منعا للفلتان الأمني، وحفظًا وصونًا لكرامة من انتهكت وسلبت حقوقهم، نظرًا لضعفهم وقلة حيلتهم، ودومًا كانت الاجهزة الامنية الحصن المنيع للوطن وتبدأ بالمحاسبة من عناصرها قبل الآخرين وهو سر تواجدها في مصاف الاجهزة الامنية العالمية، فشمس الحقيقة مهما حاول الزائفون تظليلها، لا تغطى بغربال.

بقلم / اياد العبادلة

 

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطرائف