هيمنت قضية طائرة “درون الترفيهية” وتخيميها فوق القصور الملكية في حي الخزامي في الرياض على المشهد الأمني والسياسي، تحول الحي إلى ما يشبه ساحة حرب وُثّقت بعض تفاصيلها بمشاهد حية من قبل رواد مواقع التواصل الإجتماعي.
ولأن الغموض لفّ حقيقة الأمر، فإنَّ أصوات الرصاص وإطلاق النار بشكلٍ كثيف، بثّ معه التوتر والخوف وعدم الإستقرار الأمني، الذي ما لبث أن تحول إلى تحليلات وسيناريوهات تحكي فصول مختلفة عما قد حدث وقد يحدث، خاصة مع تضارب الأنباء بين عملية اغتيالية تستهدف سلمان بن عبدالعزيز ونجله. وعلى الرغم من عظيم الترجيحات، خرجت وزارة الداخلية لتخفف من وطأة المشهد، وتربط الحادثة التي استنزفت الكثير من النيران بطائرة “ترفيهية”.
سيناريوهات متعددة طرحت حول ما جرى ليلة الأحد. سلمان وابنه محمد تواجدا داخل القصر، الذي حلّقت فوقه طائرات درون، واشتعلت شرارة التوتر وفتيل عدم الاستقرار على مدى ساعات، انقطعت خلالها الأنباء عن المُستهدَفين والمُستهدِفين، فيما بدأت الأخبار بالحديث بتحليلات عن تعرّض ابن سلمان لمحاولة اغتيال، أو محاولات انقلاب دبّرها ضباط يتبعون لمحمد بن نايف، فيما رجحت تحليلات أن المشهد يشي بانفلات أمني بدأت بذوره تنبت في الرياض.
على الرغم من المشهدية الأمنية التي حدثت، تداعت الرواية الرسمية للسلطة إلى إنكار الحدث بحجمه الضخم من الاهتزاز الأمني، وألقت وزارة الداخلية بجمل متراصة لم تكن مقنعة بقدر وحجم الحدث، حيث أشارت إلى رصد قوات الشرطة، أو نقاط الأمن طائرة ترفيهيّة للهواة من نوع “درون”، والتي يتم التحكُّم بها عن بُعد، مما اضطرها إلى التعامل معها، وإسقاطها، ليستتبع أحد المسؤولين قوله، إن “سلمان بن عبد العزيز لم يكن موجودًا في القصر”، على الرغم من الحديث عن أنه تم إخراجه على وجه السرعة والانتقال به نحو قصره في “الدرعية”، فيما رجّح آخرون أنه نُقِل إلى قاعدة عسكرية.
الادعاءات الرسمية لم تكن مقنعة بطبيعة الحال، فإذا كانت “طائرة ترفيهيّة”، لا تحتاج إلى الكم الذي أطلق من النيران والذي سمعت أصواته بالمقاطع المتداولة على مواقع التواصل الإجتماعي، ما يجعل رواية الـ”درون” في موضع الشك، ويطرح علامات استفهام حول الحقيقة، التي تؤكد بحسب مراقبين أنه لا يمكن أن يمر الأمر مرور الكرام، لأنه عبارة عن اختراق أمني.
رصاص كثيف يستهدف طائرة ورقية! وفي حين يعتبر مراقبون أن استخدام القوات السعودية لأسلحة خفيفة ومتوسطة لإسقاط طائرة لم تكن عسكرية، ما يؤشر إلى فقدان القوات الأمنية بداية للخبرات التقنية بكيفية التعامل مع عملية إنزال طائرة، في الحد الأدنى لم تعد المعلومات غائبة عن كيفية التعامل معها، يرى آخرون، أن الرواية المشكك بها، لايمكنها أن تحجب حقيقة أن الطائرة “الترفيهية” تلك كانت بمثابة رسالة أمنية وسياسية إلى ابن سلمان ووالده، اللذين كثر أعداؤهما في الداخل والخارج، بسبب سياسة الترهيب والاعتقال والإقصاء المتبعة للاستيلاء على السلطة، غير أن الحدث بحد نفسه، ووصول الطائرة إلى القصور المحصنة، يعني أن السيطرة الأمنية فقدت من يد ابن سلمان، وهذا مؤشر على أن التحصينات المتخذة لن تقف سداً منيعًا لحماية الملك ونجله، وأصبحت كلُّ الأهداف متاحة أمام من يريد الانتقام أو استهداف محمد بن سلمان ووالده.
بالمقابل، تحدث مصدر خاص لـ”مرآة الجزيرة”، عن عدة احتماليات لما حدث، تروي الأولى أن يكون ما حدث عبارة عن فبركة سلطوية تمنح ابن سلمان تبريرًا لبدء جولة جديدة من الاعتقالات والتصفيات ضد خصومه، معتبرًا أن هذا الأمر يرجّح أن يكون عملا استخباراتيًا، يمكن أن تتضح نتائجه خلال الأيام القليلة المقبلة.
أما الرواية الثانية، يعتبر المصدر أنه في حال اتضح على أنها محاولة انقلاب من الأمراء ردًا على الإقصاء المتبع من ابن سلمان لهم، فالأمر يشي بأن طريقًا طويلا من الغموض يفتح الباب على مصراعيه أمام المناكفات والتناحر الملكي الذي يرجح أن يفتح معركة بين عائلة آل سعود غير المستقرة، وطرح المصدر تساؤلاً حول الشجاعة التي يمتلكها بعض الأمراء للعمل على إحداث انقلاب. رجح المصدر احتمالية ثالثة برأيه هي الأقرب والأوضح، تقول، إن العملية نفذتها جماعة من الوهابيين التي ترتبط بمحمد بن نايف، انتقامًا لما تعرض له على يد ابن سلمان، معتبرًا أن “هذه الجماعة عادة ما يتم استخدامها وتوجيهها وفق ما تقتضيه الحاجة، حيث تمتلك هذه الجماعة جرأة وحماسة إضافة إلى قناعات ودوافع ترجح قيامهم بهكذا توتر أمني”، بحسب المصدر.
السيناريو الذي اتخذ أبعادًا سياسية وعسكرية وروايات متنوعة، يؤكّد مما لا شك فيه أن الحدث له انعكاساته وأبعاده على المستويات كافة، عسكريًا وسياسيًا وشعبيًا واقتصاديًا أيضًا، إذ كشف الحدث عن صورة قاتمة من التخبّط والفشل اللذين تعيشهما السلطات، بسبب إخفاقاتها الأمنية، وبرزت بمواقف النشطاء التي حوتها صفحات مواقع التواصل الإجتماعي. وبكثير من الاستخفاف بالرواية السلطوية، غرّد الكتب والباحث السياسي الدكتور فؤاد إبراهيم، بالقول “الملك سلمان يشيد بجهود وزارة الداخلية باسقاط الطائرة الترفيهية، وسوف تقام حفلات على امتداد الوطن بهذه المناسبة، والداخلية تستكمل إجراءات منع الطائرات الورقية والترفيهية بما يحول دون وصولها الى القصور الملكية، وهدر المال العام عبر استخدام الرصاص بكثافة”.