يومٌ بعد آخر تُطالعنا الأخبار الخارجة من أروقة الحكم السعودي بأخبارٍ أقل ما يُقال عنها أنّ حكم هذه العائلة بات قاب قوسين أو أدنى من السقوط، كما وأصبح المواطنون يتحدثون وبالعلن حول المصير المجهول الذي ينتظرهم مع الإجراءات التي يقوم بها بن سلمان، خصوصًا أنّها لا تُسمن ولا تُغني عن جوع، بل بالعكس تحوّلت تلك الإصلاحات إلى كابوس يُطارد السعوديين أين حلّوا. فولي العهد الذي استولى على منصبه وأزاح عمّه عنه بالقوّة بات اليوم على حافة الإفلاس السياسي خصوصًا بعد فشل أغلب مشاريعه التي أطلقها منذ استيلائه على ولاية العهد، وتحول عدد من الأمراء الذين كانوا يدعمونه إلى متشككين بآدائه، حتى أنّ بعضهم بات يتحدث عن حاجة العائلة المالكة إلى ولي عهدٍ جديد يستطيع انتشال حكمهم المتهاوي، ولي العهد محمد بن سلمان الذي كانت تصفه بعض الصحف الغربية بالرجل المُجدد وصاحب "الكاريزما" خصوصًا بعد أنّ أغوى العالم برؤيته لأمة حديثة متطورة من خلال الحفلات الموسيقية الحيّة وفتح دور السينما للأفلام الغربية، ناهيك عن سماح "ولي الأمر" للنساء بحضور مباريات كرة القدم ووعده بإلغاء حظر قيادة المرأة للسيارات، مع العلم أن هذه الدولة الحديثة المتطورة بإجراءاتها هذه هي الدولة الوحيدة في العالم التي ما تزال تُطبق هذه القوانين. واليوم يتوضح للعيان أن إجراءات الصبي المتهور ما هي إلّا ذرٌّ للرماد في العيون، فبصرف النظر عن قضية القيادة فإنّ المعتقلات والتي بلغ عددهنّ وعلى عكس ما أُشيع 3 نساء، ليتبيّن أن العدد الفعلي هو ثلاثة عشر سيّدة وأنّ سبب اعتقالهنّ هو الحملة التي قمنَّ بها لرفع الوصاية عن النساء الأمر الذي لم يُعجب الدولة الأمنيّة التي يتحكم بها محمد بن سلمان، فالنظام الأمني الذي يتحكم به ولي العهد خيّب آمال الكثير ممن ظنّوا أنّه سنتقل بالسعودية من دولة دينية إلى دول حديثة قادرة على فصل نفسها عن أسسها المحافظة. أكثر من ذلك؛ بات سؤال رئيسي يدور حول العالم "ما الذي يحدث في المملكة؟" فهل فقط يرغب بن سلمان في تثبيط أي احتجاجات شعبية تسعى لتغييرات اجتماعية أو سياسية إضافية فقط، أم أنّه سيعود بالمملكة إلى عهد الحكومات البوليسية في القرون الوسطى، حيث تعكس إجراءات بن سلمان (حتى لو لم يكن اسمه مرتبطاً علنياً بهم) أسلوبه الشخصي وتخوفه الكبير من أي ثورة شعبيّة قد تُطيح بحكمه وحكم أبيه، ومن جهةٍ أخرى يتخوف بن سلمان من أن أيّ إجراء يقوم به تحت عنوان "الإصلاح والتطور" أن يؤدي إلى معارضة من داخل النُخب الدينية التي تتمتع بسطوة كبيرة في البلاد. وفي السياق ذاته؛ فإنّ الإصلاحات التي يتحدث عنها بن سلمان من شأنها أن تهوي بالمواطنين إلى تحت خط الفقر؛ فخطة التحول الاقتصادي في المملكة والتي تسير بخطى بطيئة للغاية، فإنّها تتمحور حول البيع الجزئي لشركة النفط السعودية "أرامكو" والتي تُمثل رأس مال الوطن، وبعد بيعها ولو بشكلٍ مُتدرج سيجد المواطنون أنفسهم لا يملكون شيئًا في وطنهم، ناهيك عن مظاهر البذخ التي يتمتع بها بن سلمان والتي باتت تفوق بذخ والده الملك وبقيّة أبناء العائلة المالكة. والمُلاحظ أنّ بن سلمان يُحاول تقليد الديكتاتور العراقي السابق "صدام حسين" والرئيس الأمريكي السابق أيضاً "بل كلينتون"، حيث بات يُشير بعض السعوديين إلى بن سلمان على أنه صدام حسين السعودية من ناحية البطش، حيث أنّ نجم صدام لمع إبان توليه مهمة نائب الرئيس، وابن سلمان كوليٍّ للعهد، مع إدعاء كلا الإثنين أنّه يقوم بالإصلاح، وربما نستطيع رؤية مستقبل المملكة من خلال النظر إلى العراق اليوم، أما وجه الشبه الذي يجمع كلينتون بابن سلمان أن كلاهما كان يستمع إلى مداخلات الآخرين غير أنهم يضربون بها عرض الحائط، ولا يفعلون إلّا ما تُمليه عليهم أهوائهم. كلُّ ما سبق يُشير إلى أنّ مخاوف كبيرة تسكن قلب بن سلمان، الذي بات في عجلةٍ من أمره للوصول إلى الحكم، ومن جهةٍ أخرى بات يعتقد أن عجلة الإصلاح التي يدعيها بدأت تخرج عن سيطرته، خصوصًأ وأنّ هذه الإصلاحات باتت تزعج النخبة القديمة التي تحتاج الآن وكما يؤكد مراقبون إلى المهدئة، كما ويؤكد مُقربون من الديوان الملكي أنّ الملك سلمان نصح والده بضرورة الإبطاء حتى لا تخرُج تلك النخب عن سيطرته.