بشكل مفاجئ تدخلت المملكة السعودية وعقدت قمة رباعية في مكة المكرمة لدعم الأردن للخروج من أزمته الاقتصادية التي دفعت بالناس إلى تنظيم التظاهرات المنددة على خلفية أقرار قانون يرفع ضريبة الدخل، فاجتمع قادة أربع دول هم: الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، أمير الكويت صباح الأحمد الصباح وحضر الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نيابية عن رئيس دولة الإمارات خليفة بن زايد، بالإضافة إلى حضور الملك الأردني عبد الله بن الحسين.
وتقرر في القمة دعم الاقتصاد الأردني للقدرة على الصمود أمام تحديات الشارع واعتراضاته والتظاهرات الغاضبة على خلفية معيشية وحياتية للمواطنين هناك، خاصة مع وقوع الأردن في مشاكل اقتصادية صعبة ستجعله في ورطة كبيرة إذا لم يتم تداركها ولو بحلول مؤقتة تمهيدا للبحث عن حلول جذرية تنقذ الاقتصاد الوطني من الانهيار، فقد تعهدت المملكة السعودية والإمارات والكويت في “قمة مكة” بتقديم حزمة من المساعدات الاقتصادية للأردن تصل إجماليا إلى مبلغ مليارين و500 مليون دولار تتمثل في: وديعة في البنك المركزي الأردني، ضمانات للبنك الدولي لمصلحة الأردن، دعما سنويا لميزانية الحكومة الأردنية لمدة خمس سنوات وتمويلا من صناديق التنمية لمشاريع إنمائية.
تدخل سعودي إماراتي.. وتساؤل عن الخلفيات
وهذا التدخل الخليجي السريع المفاجئ للبحث بما يحصل في الأردن وتقرير المساعدات لعمان، يعتبر بالنسبة للبعض من المسائل الطبيعية والبديهية لما يربط هذه الدول من روابط أخوة وصداقة ومصالح متبادلة وأخطار مشتركة وغيرها من الأمور التي تتضمنها عادة البيانات المشتركة والمؤتمرات العربية، إلا أن البعض طرح العديد من التساؤلات وعلامات الاستفهام حول ما جرى ويجري على أرض الواقع، خاصة أن بعض الدول الخليجية والتي حضرت الاجتماع في مكة هي من المتهمة في تحريك الشارع الأردني لافتعال التظاهرات على خلفيات مختلفة مستفيدة من خطوة إقرار قانون ضريبة الدخل، أي أن هذا السبب كان مجرد حجة للتحرك وبالتالي يمكن إيجاد أي سبب أو خلقه لتنفيذ التحركات لإيصال رسائل سياسية واضحة للنظام الأردني وبالتحديد للملك عبد الله.
وعبر التحليل المنطقي للأحداث وتطوراتها، يمكن الإضاءة على بعض النقاط التي أوصلت إلى مد يد العون الخليجية إلى الأردن، منها:
-أن بعض الأطراف التي تواجدت في قمة مكة ساهمت بشكل أو بآخر بتحريك الشارع الأردني للقول نحن باستطاعتنا التلاعب والمساس بأمن الأردن وتطيير النظام الحاكم هناك، ومن ثم نفس هذه الأطراف دعت إلى القمة ودعمت الأردن للتأكيد على قدرتهم بسحب فتيل التفجير وإنهاء الأزمة التي استجدت سريعا، وكل ذلك بهدف تدفيع الأردن فاتورة عدم انصياعه طوعا معهم في مشاريعهم المختلفة وبالتحديد في مسألة “صفقة القرن” والقضية الفلسطينية والوصاية على المقدسات في مدينة القدس المحتلة.
أهداف عديدة من اجتماع مكة..
-بعض الدول (وبالتحديد المملكة السعودية والإمارات) تدخلوا في هذا التوقيت بالذات لتحقيق عدة أهداف في خطوة واحدة، على رأسها منع النظام في الأردن من الانهيار بما يسهل عليهم لاحقا فرض الشروط والمطالب السياسية وغير السياسية على هذا النظام، باعتبار أنهم وقفوا إلى جانبه وعليه في لحظة ما “رد الجميل” ودفع الأثمان التي ستطلب منه على غير صعيد مجزية أو ضريبة للحماية كما يفرضها عليهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
-كل ذلك تم شكل سريع(التظاهرات ومن ثم الدعم عبر قمة مكة) بهدف منع الأردن من التفكير بأي خطوة محتملة للتقرب من بعض الجهات والدول في المنطقة كتركيا وإيران أو غيرهما، وإنما البقاء في الحضن الخليجي ومن خلفه الحضن الإسرائيلي، وهذا الأمر يؤشر على أمور غير حسنة باعتبار أنه يؤكد المزيد من التقارب الإسرائيلي السعودي الإماراتي في التدخل لمصالح مشتركة في شؤون دول المنطقة.
-المملكة السعودية والإمارات ساهما بتحريك الشارع الأردني ومن ثم سيعملان على ضبطه وابتزاز الأردن، وكل هذا الحراك سيكون بغية إشغال الناس وخاصة الشعب الأردني عن قضية فلسطين والقدس وما يجري في الأراضي المحتلة من ممارسات ومحاولة تمرير “صفقة القرن”، ومن المعروف أن للشعب الأردني الكثير من الروابط والصلات التاريخية والعائلية والدينية مع شعب فلسطين ومدينة القدس والمقدسات فيها(خاصة أن في الأردن مواطنين من أصول فلسطينية ولاجئين فلسطينيين)، وكل ذلك عملا بخطة عامة وضعت سلفا تقضي بضرورة إشغال الأمة بمشاريع ونزاعات وأمور جانبية وثانوية تضيع البوصلة وتلهي شعوب المنطقة عن القضية الأساس والأخطر في الأراضي المحتلة وذلك خدمة لـ”إسرائيل”.
تسليم أردني بالواقع..
ورغم كل ذلك، عبّر الملك الأردني بعد قمة مكة عن شكره وتقديره للمجتمعين على دعمهم ووقفوهم إلى جانب بلاده التي ستسهم في تجاوز الأردن لهذه الأزمة، فالرجل لا خيارات كثيرة أمامه ومضطر للتسليم والسير بما تريده الأطراف الداعمة لا سيما المملكة السعودية والإمارات، خاصة أن الأردن يعاني من ضائقة اقتصادية تمثلت في انخفاض النمو الاقتصادي إلى أقل من 2 بالمئة، وارتفاع مستويات البطالة، ناهيك عما يعانيه بسبب تدفق اللاجئين إليه من العراق وسوريا وضعفه موارده المختلفة وإغلاق حدوده مع سوريا وانقطاع إمدادات الغاز المصري.
وكان الملك الأردني قد قال سابقا إن “بلاده تقف على مفترق طرق”، لكن يبقى السؤال هل هذه المقررات التي اتخذت في قمة مكة ستحمي الأردن فعلا أمام الصعوبات التي يعاني منها أم أنها مجرد تأجيل للأزمة وستساهم بزيادة ارتهانه للخارج وتربطه أكثر فأكثر بالدعم والمساعدات التي يحصل عليها من بعض الدول التي تريد تحقيق أجندات معينة في كل دول لمنطقة بما فيها الأردن؟