لا «عيدية» أميركية نووية في عيد الفطر للسعودية، ولا حق للسعوديين بتخصيب اليورانيوم حتى الآن، في انتظار أن تحسم المعركة بين الكونغرس والبيت الأبيض حول هذه النقطة بالتحديد لم تتحقق التوقعات بإبرام صفقة مفاعلين نوويين أميركيين لمصلحة السعودية قبل انقضاء عيد الفطر من أصل ١٨ مفاعلاً بما تتجاوز قيمته أكثر من ١٥٠ مليار دولار، على ما تقوله معلومات «الأخبار».
كان من المفترض أن يعود وزير الطاقة ريك بيري إلى الرياض قبل منتصف الشهر الحالي لتوقيع صفقة المفاعلين، إلا أن الكونغرس لا يزال يعترض سبيلها.
النقاش وحرب الشروط التي تشارك فيها إسرائيل، والكونغرس، ووزارة الطاقة، والبيت الأبيض، والشروط المضادة، تدور حول فكّ عقدة رفض السعودية التعهد بعدم تخصيب اليورانيوم، أي إزاحة أي احتمال مهما تضاءل شأنه بدخول الرياض نادي الدول المالكة للسلاح النووي، أو العتبة النووية. وهي نقاشات ستحدد مصير هذه الصفقة غير المسبوقة. وهي غير مسبوقة مالياً لواشنطن، إذ رصدت لها الرياض عام ٢٠١١ نحو ١٠٠ مليار دولار، واستراتيجياً للطموح السعودي بانتزاع موقع القوة الإقليمية في مواجهة القوة الإيرانية بشكل خاص.
«صفقة القرن النووية» الأميركية – السعودية، والركن الاستراتيجي في خطة ولي العهد محمد بن سلمان «رؤية ٢٠٣٠»، لا تزال عالقة بين البيت الأبيض، ووزارة الطاقة، والكونغرس واللوبي الصهيوني. فالسجال لا يزال يدور داخل أروقة الإدارة الأميركية حول طريقة إبرام الصفقة التي ستجعل من السعودية دولة نووية «مدنية» ومميزاتها التجارية، ومخاطرها الأمنية، إذ دعا وزير الطاقة الإسرائيلي نفسه إلى الانضمام إلى المساجلين كواحد من أهل البيت المعنيين بالقرار النووي الأميركي. ويقول يوفال شتاينتز إن «إسرائيل تعارض بقوة أي جهد من السعودية للتخلص من القيود المفروضة عليها لتخصيب اليورانيوم أو معالجة الوقود النووي المستهلك». والأرجح أن دخول الإسرائيلي على خط النقاش العلني لمعارضة الصفقة، يعكس شعوراً متزايداً في واشنطن من أن الرئيس دونالد ترامب قد يكون وافق في سياق اندفاعه ضد إيران، على منح الرياض «الحق بالتخصيب»، وهو احتمال إن تحقق فسيحدث تغييراً كبيراً في المباني الأمنية في الشرق الأوسط.
وبديهي، كما في كل ما يتصل بالتكنولوجيا النووية المفتوحة على احتمالات التخصيب والعسكرة، أن يكون العامل الإسرائيلي وحساباته الأمنية عنصراً محدداً لمستقبل أي صفقة في الجزيرة العربية… ولاستراتيجية محمد بن سلمان التي تستعجل تعديل ميزان القوى على ضفتي الخليج، واللحاق بالنووي الإيراني أو تجاوزه، وكسب الوقت في هذا السباق.
لا تزال القيود المفروضة على برنامج إيران تتيح بعض الوقت للتقدم نحو برنامج «مدني» يستند إلى مفاعلات أميركية، وانتزاع حق تخصيب اليورانيوم الذي يعد الهدف الأساسي للصفقة، فضلاً عن تزويد السعودية ببنية من المفاعلات قادرة على تزويدها بـ١٧٠٠٠ ميغاواط بحلول عام ٢٠٣٠. ومن نافل القول أيضاً إن العامل الأمني الإسرائيلي ليس العنصر الوحيد الذي يتحكم بصفقة المفاعلات النووية السعودية، وإلا فما أتيح للأميركيين والسعوديين الوقت الكافي للنقاش في صفقة من هذا النوع، وكانت ستلقى رفضاً فورياً، بالرغم من التغييرات التي طرأت على السياسة السعودية من إسرائيل والتقارب المستمر بينهما في إطار محور أميركي ــ سعودي ــ إسرائيلي ضد إيران.
تشير معلومات «الأخبار» إلى أن «بقاء الصفقة على الطاولة في واشنطن وعدم ردها، يعود أولاً إلى الخلافات داخل الإدارة الأميركية حولها، وتعود بشكل خاص إلى وقوف ترامب خلف الفريق المؤيد لإبرامها». فالصفقة تثير معارضة إسرائيل وجزء كبير من الإدارة، لأنها لا تقتصر على بيع منشآت جاهزة التخطيط، أو نقل مفاعلات نووية كما جرى في الصفقة الكورية الجنوبية مع الإمارات. إذ إن السعوديين لا يسعون إلى الحصول على مفاعلات جاهزة للاستخدام من دون نقل التكنولوجيا، بل إلى الحصول أيضاً على حق تخصيب اليورانيوم بنسبة ٣,٥ في المئة، وهي العتبة التي تشكّل قاعدة الانطلاق لأي برنامج نووي متعدد الاستخدامات، ونقطة «التوازن» الضرورية لأي برنامج نووي سعودي مهما كانت طبيعته.
مشروع صفقة مع واشنطن بـ150 مليار دولار وإسرائيل تعارض
تقول معلومات «الأخبار» إنّ «جزءاً كبيراً من أعضاء الكونغرس جمهوريين وديمقراطيين، يعارضون تمرير الصفقة من دون توقيع سعودي مسبق على البند ١٢٣، كما تعارضه كتلة واسعة من كبار الضباط في البنتاغون من الذين يقيمون علاقات وثيقة بالجيش الإسرائيلي ويتفهمون مخاوفه النووية السعودية، سلمية كانت أو عسكرية، ولقناعتهم بأن الصفقة لا تزال تحظى بفرصة المرور دون أي تعهد سعودي، خصوصاً أن تلك المعارضة لا تزال قاصرة، رغم اتساعها، على تحدي الرئيس علناً وفرض موقفها».
إذ يتجنب المعارضون في الكونغرس طرح الصفقة على التصويت، كما جرى في جلسة عقدت في الثامن والعشرين من أيار، وهو ما كان سيؤدي إلى إجباره على استخدام حق «الفيتو» لتمرير الصفقة.
وتضيف المعلومات أن الخلافات وصلت إلى داخل اللوبي الصهيوني نفسه حول الاتجاه الذي ينبغي أن تسلكه الضغوط داخل الإدارة الأميركية إزاء الصفقة النووية السعودية. إذ إن جناحين منه يعتقدان أنه ينبغي التركيز على أولوية الخطر النووي الإيراني على إسرائيل واحتواء إيران بالتحالف مع السعودية وعدم الاعتراض على الصفقة. وهذه فلسفة موقف البيت الأبيض، فيما يقول جناح آخر إن النووي السعودي لا يقلّ خطراً عن النووي الإيراني على المدى الطويل على الأمن الإسرائيلي لغياب الضمانات الأمنية الكافية لعدم تهديده لإسرائيل، فضلاً عن أنه لا توجد ضمانات ببقاء النظام السعودي نفسه في المستقبل. وفي كل الأحوال، إن امتلاك التكنولوجيا النووية سيعطي السعودية هامشاً من الاستقلالية وحيثية إقليمية ووزناً قد تدفعها إلى اعتماد سياسة خارجية لا تتلاءم بالضرورة مع المصالح الأميركية الإسرائيلية، والتقاطع مع قوى إقليمية تتناقض مع الولايات المتحدة وإسرائيل. فالسعودية التي يقول عنها ترامب إنها ما كانت موجودة لولا الحماية الأميركية، قد تتحول بامتلاكها التكنولوجيا النووية إلى لاعب إقليمي بارز قادر على حماية نفسه وعلى عقد الصفقات والإقدام على مصالحات يمكن أن تتعارض مع ثوابت الاستراتيجية الأميركية. الأمر نفسه ينطبق على أي دولة وازنة من دول الإقليم كمصر وتركيا، وحتى الجزائر والمغرب.
يتمسك السعوديون بالولوج إلى نادي تخصيب اليورانيوم، وقد رفضوا منذ بداية المفاوضات توقيع البند المعروف بالبند ١٢٣ في الاتفاقات النووية مع الولايات المتحدة، الذي يعني التعهد بالامتناع عن تخصيب اليورانيوم، أو استخدام أيٍّ من المنشآت والتكنولوجيا الأميركية والمفاعلات التي تتضمنها الصفقة في عمليات التخصيب، فضلاً عن الامتناع عن إعادة تدوير الوقود النووي المستخدم في المفاعلات لاستخراج البلوتونيوم وبناء قنبلة الرياض النووية. ففي «النووي» أظهر السعوديون نيات جدية، ولكن بطيئة جداً بالذهاب نحو هذا الخيار الذي لم يتبلور إلا بعد سقوط نظام الشاه، وظهور الجمهورية الإسلامية في إيران. فقبل وصول محمد بن سلمان إلى ولاية العهد وتفاقم الصراع مع طهران، كانت «القنبلة النووية السعودية» تلوح في ثنايا الصفقات الصاروخية التي عقدت مع الصين منذ الثمانينيات، وفي تمويل «القنبلة الباكستانية» في الثمانينيات بأكثر من ٧ مليارات دولار، باعتبارها قنبلة إسلامية واحتياطياً علمياً يمكن السعودية أن تستعين به في وقت لاحق، وهو ما تبيّن خطأه بعد القيود التي فرضتها الولايات المتحدة التي حظرت انتشار «إسلامية» القنبلة، ووضع أبي المشروع الباكستاني عبد القدير خان قيد الإقامة الجبرية قبل أكثر من عشرة أعوام.
وضع السعوديون حصان الصواريخ أمام عربة الرؤوس النووية. ففي عام ١٩٨٠ عقدوا مع بكين صفقة لشراء صواريخ «دونغ فنغ CCS2» «رياح الشرق» التي طورتها الصين للتحليق بقنابلها النووية. وهو الطراز نفسه الذي حصل عليه الباكستانيون لقنبلتهم في مواجهة التهديد الهندي. أعادت السعودية تحديث صواريخها في التسعينيات، وتعديل أنظمة الدفاع فيها من الوقود السائل إلى الصلب، واشترت في عام ٢٠٠٧ نموذجاً معدلاً منها قادراً على حمل رؤوس نووية مسافة ٨ آلاف كلم.
احتفظ السعوديون بهامش، ولو ضئيلاً، من حرية «القرار» النووي. وإذا كانوا قد وقعوا على معاهدة حظر الأسلحة النووية عام ١٩٨٨، إلا أنهم تركوا لأنفسهم مخرجاً لتطوير أي برنامج عسكري برفض توقيع البروتوكول الخامس الإضافي الذي يتيح لمفتشي وكالة الطاقة النووية زيارات مفاجئة للمواقع النووية المفترضة. وفي إطار الحفاظ على الهامش نفسه، رفضت الرياض توقيع معاهدة حظر التجارب النووية. ولم يطرح الأميركيون حتى الآن شرط انضمام الرياض إلى أي من البروتوكول الخامس أو معاهدة حظر التجارب النووية. إلا أن المشكلة الحقيقية للسعودية كانت ولا تزال في فقر القاعدة العلمية، وانعدام وجود عدد كافٍ من علماء وكوادر لإدارة مشروع يتموضع في منطقة ملتبسة بين المدني والعسكري، وتتطلب إدارته الكثير من الخبرة العلمية، وخصوصاً في مراحله الأولى.
وفي المعلومات، أيضاً، أن السعوديين يجرون اتصالات بكوادر عربية، مغاربية وفلسطينية ومصرية وأردنية ولبنانية، للمساعدة في تكوين قاعدة سريعة، فضلاً عن القناة الباكستانية، ويتحكم بهم هاجس اللحاق بإيران.
هل ينتظر السعوديون طويلاً قبل اليأس من الكونغرس، وعقد الصفقة دون التعهد بعدم التخصيب أو استخراج البلوتونيوم من الوقود النووي في مفاعلهم المقبلة؟
الجواب في أمكنة متعددة. لدى بندر بن سلطان أولاً. المدير السابق للمخابرات ومجلس الأمن الوطني وسفيرها الأسبق في واشنطن. تقول المعلومات إن الأمير المعزول عاد ليعمل على هذا الملف بعد لقائه في آذار الماضي محمد بن سلمان الذي كلفه تفعيل شبكة علاقاته في الكونغرس والأجهزة الأميركية لعقد الصفقة حسب شروط السعودية. وهي الفرصة التي يعود من خلالها الأمير إلى أداء دور في الظل خدمةً لطموحات ابن سلمان النووية والاستراتيجية، خصوصاً أن قول وليّ العهد في آذار الماضي، خلال زيارته واشنطن، إن السعودية ستطوّر قنبلة نووية إذا ما فعلت إيران ذلك قد فاقم مخاوف المعارضين للصفقة من دون ضمانات التوقيع على البند ١٢٣.
الجواب أيضاً أن السعوديين قد لا ينتظرون إلى ما لا نهاية تغيير الأمزجة في الكونغرس. صحيح أنهم يعتبرون التخصيب بتكنولوجيا أميركية، وبمعدات أميركية، فائضاً سياسياً واستراتيجياً لتغطية مشروعهم (وهم يراهنون على ترامب وولايته الثانية للوصول إلى التخصيب)، إلا أنهم يولّون وجوههم وطموحهم نحو آسيا التي سبقهم إليها الإماراتيون في كوريا.
إذ تفيد المعلومات بأن بعثة علمية نووية سعودية تعمل فيها على تكنولوجيا كورية جنوبية منذ أشهر تمهيداً ربما لعقد الصفقة مع سيول، التي لن تشترط نظراً لحجم الصفقة واعتبارات استراتيجية أخرى، أي توقيع للبند ١٢٣.