مضى أكثر من عام على منح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان السلطة المطلقة من قبل والده الملك سلمان، ومنذ ذلك الحين والأمير الشاب يظهر نفسه على أنه الآمر الناهي في السعودية من خلال إصداره حزمة من القرارات الجريئة على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية، الداخلية منها والخارجية، وانطلق ولي العهد مندفعاً لوضع السعودية على طريق الانفتاح وسعى إعلامياً إلى تغيير صورة بلاده، وأطلق حملات لمكافحة الفساد وخططاً اقتصادية “رؤية 2030” واعتقل من لم يتجرأ أحد على اعتقالهم، والنتيجة ماذا؟!.
لم يتمكن ابن سلمان من خلال كل ما ذكر أعلاه أن يخطو خطوة واحدة نحو الأمام، وبعد أن حاسب الجميع لا نستغرب أن يبدأ العدّ التنازلي لمحاسبته، خاصةً وأن الفشل الذي حظيت به مشاريعه لا مجال لذكره، وبناءً على هذا بدأ الأب الملك بإنقاذ ولده عبر سحب بعض الملفات منه بعد أن أحرجه في قضايا حساسة تتعلق باستراتيجيات السعودية السياسية والعسكرية والاقتصادية، واضطر الملك سلمان لمخالفة ابنه فيما يخص رؤيته حول القضية الفلسطينية بعد الغضب الشعبي حول موقف السعودية من “صفقة القرن” وانتشار تسريبات عن إجراء تسهيلات لتمرير هذه الصفقة.
ومن بين الملفات التي كان يعمل عليها ولي العهد محمد بن سلمان ويسعى لتطويرها “القدرات العسكرية للمملكة” وهذا أمر جيد فمن حيث المبدأ لم يستطع أحد قبله من الملوك والأمراء المضي فيه قدماً، وجميع أجيال الملوك والأمراء الذين توالوا على الحكم كانوا يستوردون الأسلحة من أوروبا وأمريكا ولم يفكروا في بناء مؤسسات عسكرية غايتها تطوير الصناعات العسكرية في السعودية مثلما هو الحال بالنسبة لدول الجوار.
بالفعل بدأ ابن سلمان مشروعه قبل عام من الآن عبر إنشائه هيئة عامة للصناعات العسكرية السعودية، التي كان يهدف من خلالها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان نقل السعودية من مستورد للصناعات العسكرية إلى منتج لها، ولكن كما هو الحال بالنسبة لمشاريع ولي العهد لم تجد خطته طريقها للنجاح وتم صرف مبالغ هائلة من خزينة الدولة دون جدوى، فقبل أسبوع من الآن تحدث موقع الاستخبارات الفرنسي “إنتلجنس أونلاين” عن الفشل الذي لحق بهذه المؤسسة خلال عامها الأول، متوقعاً مواجهتها لأوقات عصيبة في المستقبل، كما رأى أنها أبعد ما تكون عن تحقيق أهداف خطة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان المسماة “رؤية 2030”.
و كانت الغاية من الهيئة العامة للصناعات العسكرية تتمحور حول تعزيز القدرات العسكرية للسعودية عبر وضع استراتيجيات وأنظمة ذات صلة بقطاع الصناعات العسكرية، وإدارة عمليات المشتريات العسكرية من الأسلحة والذخيرة والمعدات والتجهيزات وغيرها للجهات الأمنية والعسكرية السعودية، ومراقبة كيفية المنتجات والخدمات لضمان مطابقتها للمواصفات المطلوبة، وإدارة جميع عمليات البحث والتطوير في قطاع الصناعات العسكرية والصناعات المكملة لها، بما في ذلك تخصيص ميزانيات البحث والتطوير ونقل التقنية وإدارة مشاريع البحث والتطوير، وذلك بالاستفادة من المراكز البحثية والجامعات، وإنشاء مراكز بحثية حسب الحاجة، وغيرها من المهام الفضفاضة التي لم ترتقِ بالصناعات السعودية وفقاً للرؤى التي كان يحلم بها ولي العهد وذلك لمجموعة من الأسباب نلخصها بالتالي:
أولاً: العقبة الأولى والأهم أمام هذه المشاريع تتمحور حول توافر أصحاب الخبرات الذين سيكونون العماد الأساسي في عملية توطين الصناعات العسكرية، ولسوء حظ ابن سلمان هذه الخبرات الوطنية غير متوافرة، وبالتالي لن يكون بمقدور السعودية التخلي عن الغرب في استيراد الأسلحة، وما يؤكد ذلك أنها لم تسعَ نحو تأهيل جيل جديد من شباب السعودية للخوض في غمار هذه التجربة عبر أساتذة غربيين، وعوضاً عن ذلك، قامت هذه الهيئة العامة للصناعات العسكرية بشراء شركة التصنيع العسكري في جنوب إفريقيا “دينيل” عن طريق صندوق الاستثمار السعودي.
ثانياً: الفساد المستشري في المؤسسة العسكرية لا يمكن ضبطه لانتشاره في شريان هذه المؤسسة، والتقارير القادمة من اليمن توضح الوضع المزري الذي تعاني منه السعودية في عمق مؤسستها العسكرية، ظهر ذلك في النتائج الكارثية التي وصل إليها الفساد في محافظة مأرب اليمنية، وذلك عقب الكشف عن 120 ألف جندي وهمي مسجل وجودهم في المدينة ليس لهم وجود في الحقيقة، ولم تكشف اللجنة السعودية عن ملفات عدد من المحافظات الأخرى، وهذا الأمر يعني أن هناك قيادات عسكرية فاسدة تقوم بعمليات جمع الأموال عبر هذه الأسماء الوهمية.
وخلال العام الماضي كشف مسؤول سعودي على اطلاع بما يخص حملة “مكافحة الفساد” في السعودية، عن إلقاء القبض على 14 ضابطاً متقاعداً عملوا في وزارة الدفاع، وضابطين من الحرس الوطني، للاشتباه بتورطهم بقضايا فساد بعقود مالية.
الأخطر من هذا أن الألماني مارتن شوير، المدير التنفيذي للهيئة السعودية، معروف بفساده الإداري كما أشارت التقارير الاستخباراتية عن خوضه حرباً سرية مع مجموعة شركات أمريكية تتزعمها “لوكهيد مارتن”.
ثالثاً: الشركات الغربية لا تمنح السعودية خبرتها العسكرية والتقنية ولن تنقل لها خبراتها على طبق من ذهب، لأسباب عديدة، أهمها أن هذه الشركات تبيع منتجاتها للدول الخليجية بأرقام خيالية، حتى أنها لا تبيعها أحدث أسلحتها، وصفقات شراء طائرات اليوروفايتر تايفون من بريطانيا خير دليل على ذلك، فبعد بيعها للسعودية كشفت بريطانيا عن مقاتلة جديدة تابعة للقوات الجوية الملكية، واسمها “تيمبست” والتي ستحلّ محل طائرة اليوروفايتر تايفون، بحسب موقع “ذا غارديان”.