تستمر النيابة العامة في السعودية والتي ترجع للملك سلمان بشكل مباشر، بالمطالبة بالعقوبات المروعة والصادمة، حيث طالبت في 4 سبتمبر 2018 بإعدام الشيخ سلمان العودة، وذلك في أولى جلسات محاكمته التي إفتقدت إلى الشروط اللازمة للمحاكمة العادلة، وهي أول محاكمة يُعرف إنعقادها لأحد ضحايا حملة إعتقالات سبتمبر 2017.
وقد قال الإعلام الرسمي أن النيابة العامة وجهت للشيخ العودة 37 تهمة، وطالبت بقتله تعزيرا.
ووفق نجله الدكتور عبدالله العودة، فإن التهم تضمنت: عدم دعاءه لولي الأمر بما فيه الكفاية، وصف الحكومة السعودية بالنظام الإستبدادي، إنتمائه للإتحاد العالمي للعلماء المسلمين، المساهمة في إنشاء جمعية نصرة النبي محمد (ص) في الكويت، حيازته لكتب محظورة، قيام أشخاص بمراسلته بعبارات تتضمن إتهامات للحكومة وعدم قيامه بالتبليغ عنهم.
فيما ذكر موقع موالي للحكومة أن التهم:
الإفساد في الأرض بالسعي المتكرر لزعزعة بناء الوطن وإحياء الفتنة العمياء، وتأليب المجتمع على الحكام وإثارة القلاقل، والارتباط بشخصيات وتنظيمات وعقد اللقاءات والمؤتمرات داخل وخارج المملكة؛ لتحقيق أجندة تنظيم الإخوان الإرهابي ضد الوطن وحكامه.
دعوته للتغيير في الحكومة السعودية والدعوة للخلافة في الوطن العربي، وتبنيه ذلك بإشرافه على (ملتقى النهضة)، يجمع الشباب كنواة لقلب الأنظمة العربية، وانعقاده عدة مرات في عدة دول بحضور مفكرين ومثقفين، وإلقاؤه محاضرات محرضة.
دعوته وتحريضه للزج بالمملكة في الثورات الداخلية ودعم الثورات في البلاد العربية، من خلال ترويجه لمقاطع تدعم الثورات، ونقل صورة عما تعانيه الشعوب واستثماره الوقت في التركيز على جوانب القصور في الشأن الداخلي وإظهار المظالم للسجناء وحرية الرأي.
الانضمام لتجمعات واتحادات علمية دينية مخالفة لمنهج كبار العلماء المعتبرين، وتقوم على أسس تهدف لزعزعة الأمن في البلاد والوطن العربي، ودعم الثورات والانشقاقات والصمود ضد الحكومات، والانضواء تحت قيادة أحد المصنفين على قائمة الإرهاب (يوسف القرضاوي) وتوليه منصب الأمين المساعد في الاتحاد.
تأليب الرأي العام وإثارة الفتنة وتأجيج المجتمع وذوي السجناء في قضايا أمنية، بالمطالبة بإخراج السجناء على منصات إعلامية.
لم يتم توفير الحد الأدنى من الحقوق القانونية للشيخ العودة منذ لحظة إعتقاله وحتى ماقبل بدء محاكمته. إن شروط المحاكمة العادلة لاتتوقف فقط على ما يجري في المحاكمة منذ بدء إنعقادها، بل يتوقف أيضا على توفر العديد من الحقوق القانونية منذ لحظة الإعتقال حتى بدء المحاكمة.
حيث حرم الشيخ العودة من حريته وسجن دون أي مذكرة توقيف أو محاكمة عادلة أو أدلة مباشرة وملموسة، وذلك بعد خلاف سياسي بين السعودية وقطر، قاد الحكومة السعودية لتجريم العديد من الشخصيات تحت تهم ونعوت مختلفة. كما حرم من حقه في الإطلاع على المعلومات الخاصة بوضعه القانوني، حتى موعد محاكمته الذي لم يكن يعرف عنه إلا بعد إتصاله بإسرته، اللذين عرفوا بدورهم الموعد مصادفة بعد إتصالهم بالمحكمة لتفقد سير القضية، دون أن تبادر المحكمة أو السجن بإبلاغهم قبل ذلك. كما حرم من الإستعانة بمحام أثناء جميع الإجراءات التي سبقت بدء المحاكمة ومنها بشكل أخص حضور التحقيقات بدون محامي، الأمر الذي يخلق فرصة للمحققين للإساءة أو الإكراه في سبيل تجريمه وتكوين تهم. كما حرم في أوقات متفاوتة بالإتصال بالعالم الخارجي والزيارات، بما فيه مع أسرته أو محامي. كما حرم من حقه في المثول أمام قاض على وجه السرعة بما يخالف القوانين الدولية وبعض القوانين المحلية. أيضاً لم يكن متاحاً له خلال فترة الإحتجاز الطعن في مشروعية إحتجازه، وكان إحتجازه قهرياً لايمكنه التظلم منه. كما لم تكن التهم معلومة لديه بشكل رسمي أو لدى أي طرف ينوب عنه كالأسرة أو المحامي، قبل بدء المحاكمة، إذ إنه من المفترض أن يعرفها حتى يتمكن من الطعن في مشروعية الإحتجاز وكذلك حتى يتم التأكد إن التهم لاتخضع للكيدية أو التسييس أو أن تتم صناعتها فيما بعد الإعتقال. كما تعرض العودة لأوضاع إنسانية وضغوط، حيث تأكد إفتقاده للمعاملة الكريمة في بعض المراحل، وتعرض لمحاولات الإذلال والإهمال الصحي.
أضف إلى ذلك، فإن المحكمة الجزائية المتخصصة المشكلة في عام 2008 تفتقد لإختصاص قضائي تبنى عليه مشروعيتها، أو يمكنه معه الطعن في ماتقوم به من محاكمات أو تصدره من أحكام، حيث إنشئت بداية بدعوى محاكمة الضالعين بإعمال العنف الإرهابية، ولكنها توسعت فيما بعد وصارت تحاكم السلميين وأصحاب الرأي والمدافعين عن حقوق الإنسان والمتظاهرين والأطفال. كما إن صلاحيات الملك تفقدها للإستقلالية، فهو من يعين أو يقيل في المجلس الأعلى للقضاء الذي بدوره مسؤول عن مجمل الجانب القضائي في البلاد. كما لوحظ وبشكل متكرر عدم تكافؤ الفرص بين المدعى عليه (المتهمين) وبين النائب العام، فعلى سبيل المثال في الوقت الذي حضر المدعي العام للجلسة الأولى ووجه للعودة 37 تهمة كما ذكر الإعلام الرسمي، حضر العودة ولم يكن يعرفها سلفا، في وقت كان من المفترض أن يمثل أمام القاضي وهو عارف بها ولديه جهوزية تامة في الدفاع عن نفسه وبمعية محام. كما إنه وبسبب التجييش الإعلامي الرسمي وبسبب قبضة الأجهزة التنفيذية على المعتقل، يوضع المتهم في صورة المجرم النهائي دون أن تُفترض برائته حتى تثبت الإدانة، هذا فضلا عما تمارسه الأجهزة التنفيذية وبالتحديد سجن المباحث من ضغوط وإكراه على المعتقل فيما قبل المحاكمة. أيضا حرم الشيخ العودة من حقه في محاكمة علنية مفتوحة للجمهور وللمحايدين.
جميع هذه الإنتهاكات تجعل من محاكمة العودة مفتقدة لشروط العدالة، الذي بدوره يضع الحكم الصادر لاحقا في خانة اللامشروعية.
الشيخ العودة (1956) وبوصفه تجاوز 60 عاما، يفترض أن يحظى بمعاملة خاصة تتناسب مع كبار السن، وذلك وفق قرار صدر من الأمم المتحدة في ديسمبر 2011 بهدف رفض إساءة معاملة الأجيال الأكبر سنا وتعريضهم للمعاناة، إلا أن ماتعرض له يجعل من هذه الإنتهاكات أكثر شناعة. كما إن الإنتهاكات لم تتوقف عليه وإنسحبت على أسرته.
تتبع المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، لعشرات الحالات السابقة، يجعل من طلب النيابة العامة لعقوبة الإعدام مرجحاً خطرا قد يُفضي إلى النطق بحكم الإعدام، ذلك إن الآليات الحكومية التي تحيط بقضية العودة ليست مستقلة وتتبع بشكل مباشر إلى الملك سلمان بن عبد العزيز. فجهاز رئاسة أمن الدولة الذي أعتقل العودة، أُنشيء من قبل الملك ويرجع إليه مباشرة، والقضاة يعينهم الملك، والنيابة العامة ترتبط بشكل مباشر بالملك. كل هذه الآليات تخضع للسيطرة الكاملة من الملك، وبالتالي فإن هذه المحاكمة “شكلية” ونتائجها تخضع لرغبة الحكومة.
المحكمة الجزائية المتخصصة تشتهر بإفتقارها إلى العدالة في إجراءاتها القانونية وغياب ضمانات العدالة، وتستخدم في محاكماتها قانون مكافحة الإرهاب وتمويله 2017، والذي يتم إستخدامه بشكل دائم لمقاضاة النشطاء ومعتقلي الرأي والمطالبين بالإصلاحات، وقد تعرض لإنتقادات شديدة جراء صياغته بشكل جائر لا يتسق مع معايير القانون الدولي. كما إن قضاة المحكمة الجزائية المتخصصة يتجاهلون بشكل كبير دفاع المحامين عن المعتقلين، ويصدرون أحكام الإعدام بناء على أقوال منتزعة تحت التعذيب، كما حصل للمعتقل زاهر البصري الذي قطع رأسه في إعدام جماعي شمل إلى جانبه يوسف المشيخص وأمجد المعيبد ومهدي الصائغ.
المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان ترى أن طلب إعدام الشيخ سلمان العودة، ياتي في سياق القمع والإضطهاد الواسع والمتصاعد الذي يتعرض له الشعب في السعودية –منذ تولي الملك سلمان وتوسع صلاحيات إبنه- تحت ذرائع الأمن القومي، وتجريم الرأي المستقل عن توجهات الحكومة.
إن مطلب إعدام العودة، رفع من عدد السجناء اللذين تم رصد حالاتهم والمهددين بالإعدام في مختلف درجات التقاضي، وقد أصدرت المنظمة الأوروبية السعودية تقريرا في أغسطس 2018 يحصي 51 سجينا مهددين بالإعدام، منهم 31 أحكامهم نهائية وقد يعدمون في أي لحظة بينهم 8 أطفال، ومتظاهرين، و 12 سجينا أتهموا بالتجسس لإيران، ومنذ نشر التقرير طلب المدعي بإعدام المدافعة عن حقوق الإنسان إسراء الغمغام وأربعة نشطاء آخرين، وكذلك موقوفين في سجن مباحث الدمام، والشيخ العودة، ليرتفع العدد إلى 60 سجينا مهددين بالإعدام، وترجح المنظمة أن هناك أعداداً أخرى غير معلومة، يتهددها الإعدام.
إن الأرقام المتعلقة بالإعدام في السعودية في تصاعد مستمر منذ عهد الملك سلمان، وتشير إلى إمتلاك الحكومة الحالية شهية شرسة ومفتوحة لعقوبة قطع الرؤوس، فقد شهد عام 2018 تصاعدا على أكثر من صعيد. حيث أظهرت الإعدامات المنفذة في أول شهرين من 2018 أن هناك زيادة 167% في معدل قطع الرؤوس مقارنة بالمعدل الشهري في الأربعة عشر سنة الأخيرة، كما أظهرت الستة أشهر الأولى من 2018 زيادة 27% في الإعدامات المنفذة مقارنة بالستة أشهر الأولى من 2017.
نشرت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان في يناير 2018 تحليلا لحكم الإعدام الذي نفذ بحق المتظاهر الشاب محمد الشيوخ وقد أظهر التحليل أن السعودية تقوم بعملية إجهاض خطير للعدالة.
تؤكد المنظمة أن الشيخ سلمان العودة سجين رأي، وأن التعبير عن الرأي والإختلاف مع توجهات الدولة الرسمية لايعد جريمة، كما أن المحاكمة التي يخضع لها ليست سوى “محاكمة صوريّة” تفتقر إلى الضمانات الأساسية.
إن النيابة العامة السعودية التي ترجع للملك سلمان مباشرة، تؤكد بمطالبتها بإعدام الشيخ العودة أنها تستخدم الإعدام حتى على التهم التي لاتتضمن العنف، وإن الإعدام التعزيري عقوبة تستسهلها الحكومة السعودية إلى أبعد الحدود، وعلى إستعداد لتطبيقها حتى على السلميين.