عند تأسيس رابطة قضاة المغرب وطيلة فترات اشتغالها في الميدان من أجل تحقيق أهدافها المعلنة بنظامها الأساسي واجتهادها بنفس موصول من أجل تجسيد ما ذكر وإعطائه بعدا ملموسا على أرض الواقع المعاش، كان البعض بحسن نية كما بغيرها = وإن كنا ننزه القضاة عن إساءة الظن ببعضهم = يرى في تلك التحركات مجرد تسخينات انتخابية غايتها الأساسية والبارزة هي حشد الدعم الإنتخابي لبعض من السادة القضاة المؤسسين لهذا الإطار الجمعوي المهني القضائي الحديث الوجود بالساحة الوطنية، والذي ربما كان من مساوئ صدفه أن تزامنت مرحلة تأسيسه مع بدإ العد العكسي لإنطلاق الزمن الإنتخابي داخل المجتمع القضائي المغربي.
بل إن حتى العديد من الإنضمامات الأخيرة التي عرفها هذا الإطار والتي تبقى على جانب كبير من الأهميتين العددية كما النوعية البارزتين، ذهب البعض المذكور أعلاه في معرض تفسيره الخاص به لها = والذي لا يلزمه على كل حال إلا هو شخصيا = إلى القول بأنها لا تخرج عن نطاق حشد الكثلة الناخبة وإستقطاب الشخوص المأمول تفوقها في النزال الإنتخابي المرتقب.
واستمر هذا التوجس دائما لدى نفس البعض السالف الذكر من تواجد الرابطة كما من تحركاتها متواصلا، بل وازداد قوة مع صدور القرار الأخير للمجلس الأعلى للقضاء الذي حدد الجدولة الزمنية لإجراء العملية الإنتخابية القضائية، حتى راهن ذلك البعض على هاته المحطة كي تكون الفيصل الكاشف بل والمؤكد لسابق ظنه وتهيؤه.
وهنا بالذات، وفي هاته اللحظة الفارقة = لحظة إيداع الترشيحات =، أدعوا ذلك البعض ومن معه لتأمل جملة من مواقف وقرارات رابطة قضاة المغرب المتعلقة بكيفية تدبير المرحلة أولا، ثم استخلاص الخلاصات الموضوعية من خلالها ثانيا، = مع مطالبتي المسبقة له باستبعاد كل المؤثرات الشخصية والظرفية من مخيلته حتى يكون تقديره وحكمه مقاربا للصواب =.
تلكم المواقف التي أسرد منها ما استحضرته في وقتنا الراهن وفق النقط التالية:
1- استنكاف حرم السيد رئيس رابطة قضاة المغرب عن التقدم بترشيحها لخوض انتخابات المجلس الأعلى للسلطة القضائية في المرحلة الراهنة، وذلك على الرغم من كون دعوات ورغبات القضاة المعبر عنها دعما لهذا الترشيح تبقى بالغة الإعتبار وكاشفة عن قوة الشخصية القضائية للمعنية بالأمر.
2- إعلان عديد من السادة القضاة الذين كان احتمال ترشحهم باديا على الساحة وكانت أسماؤهم متداولة في الميدان منذ مدة ليست بالهينة، عن انضمامهم لرابطة قضاة المغرب كجمعية قضائية مهنية وذلك بالتوازي مع إعلانهم عن تراجعهم القطعي عن فكرة الترشيح والدخول لمعترك التنافس الإنتخابي.
3- إعلان السيد رئيس رابطة قضاة المغرب في مجموعة من المناسبات الرسمية السانحة عن اعتقاده الصميم بأن الإنتماء لجمعية مهنية قوية يبقى رهانا مقدما على مطلب التوفر على عضو = نتقاسم معه نفس الإطار الجمعوي = داخل تركيبة المجلس الأعلى للسلطة القضائية المرتقب تشكله، وذلك ما دام أن المبتغى الأول يظل أرحب نطاقا وأوفر وسيلة من الناحية الواقعية للإشتغال والترافع بشأن مجموعة من المطالب والأهداف المتصلة بالشأن القضائي المغربي.
4- اشتغال رابطة قضاة المغرب على تأطير أعضائها على اختلاف مراتبهم الجمعوية ودفعهم في اتجاه جعل محطة الإنتخابات محطة تسمو عندها الأفكار والمبادئ الجامعة والموحدة للجسم القضائي كما تضمحل على أعتابها كل مسببات الفرقة والتنافر بين أعضاء الجسد الواحد بغض النظر عن انتماءاتهم الجمعوية المهنية المختلفة.
5- مبادرة رابطة قضاة المغرب إلى المطالبة بكيفية رسمية وعلنية بضرورة توفير ضمانات نزاهة وشفافية هاته المحطة الإنتخابية، وذلك ليس من منطلق إساءة الظن بشخوص المتبارين كما الناخبين، وإنما بمقصد استكمال البناء القانوني المؤطر لهاته المحطة وإغنائه من الناحية النظرية = ولو حتى بما يكفي وجوده عن استعماله =، هذا فضلا عن الرغبة الجامحة التي تتقاسمها رابطة قضاة المغرب مع كل الغيورين على سمعة وصورة القضاء المغربي، والمتجهة صوب السمو بهاته التجربة الإنتخابية المهنية إلى أعلى مراتب النزاهة والإنضباط وذلك حتى تكون صورة لامعة تقدمها نخبة نخب المجتمع كنموذج لما ينبغي أن تكون عليه وتحذو حذوه باقي الهيئات المهنية الأخرى عند بلوغها لكل محطة استحقاقية داخلية خاصة بها.
أيها السادة الأفاضل، هاته هي رابطتنا التي لم تكن كما لا ولن تكون في يوم من الأيام دكانا انتخابيا ولا مطية لتحقيق شئ آخر غير المصلحة العامة والمشتركة بين القضاة أولا، ووسيلة للمساهمة بفاعلية كبرى في تحقيق هدف بناء وطن قوي تحت القيادة الرشيدة لملكنا الهمام دام عزه ونصره ثانيا.
عبد الرزاق علمي إدريسي ( عضو رابطة قضاة المغرب )