تقوم وزارة النقل مشكورة بتوفير خدمة القطار، وتسخيرها لزوار مرقد الإمام الحسين في كربلاء، أثناء تأديتهم مراسيم العزاء في الزيارة الأربعينية المشهورة.
قررتُ هذا العام أن أذهب إلى الزيارة عن طريق القطار، فهذا هو شأن الكاتب أن يعيش الحالة عن كثب، لكي يستطيع الكتابة عنها، ولا يعتمد فقط عن قال فلان وحكى علان؛ وصلت مع ولدَّي إلى المحطة العالمية للقطار في منطقة العلاوي، قطعتُ التذاكر، ثُمَّ توجهتُ إلى القطار ماراً بسلسلة تفتيش مرتبة وغير مزدحمة، أو مخترقة، وصلنا إلى القطارالذي كان على موعدٍ مع الإنطلاق، فوجدنا لنا مكاناً وجلسنا.
تحرك القطار وكالعادة بدأت الصلاة على محمد وآل محمد، بعدها كان الهدوء يعم المكان حتى بانت خيوط الشمس، والقطار يشق طريقه بين البيوت والمواكب الحسينية، مع ظهور الشمس ظهرت الثرثرة الفارغة بين مجموعة من كبار السن، مما أثار إنزعاج الحاضرين ولكن لم يتكلم أحد، إلتزاماً بقولهِ تعالى(الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ[البقرة:197])، لكن هؤلاء الذين يرتدون ملابس سوداء وتأطروا بإطار التقوى، لا يفقهون هذه الآية ولا يعملون بها.
يَمرُ القطار بعدة محطات يتوقف فيها حسب التوجيهات التي تأتيه، كانت محطات عادية، إلا محطة المحمودية، فقد اُجتيح القطار من قِبل أُناسٌ كثيرة يكاد يفوق عددهم عدد الراكبين، ولولا وجود أجهزة التكييف والتبريد لصارت حالات إختناق كثيرة، جائت إمرأة عجوز تبحث عن مكان مما إضطرني أن أطلب من ولدَّي الجلوس في مقعدٍ واحد، وإخلاء المقعد الآخر لها، جلست وبان عليها التعب والإرهاق، لكن ثرثرة من ذكرتهم سابقاً كانت مستمرة، فلقد عرفنا سيرة حياتهم، وهم ضباط قدامى في الجيش متقاعدون، والظاهر أن علامات الخرف بدأت عليهم، فلم تصبر العجوز حتى إنفجرت فيه قائلةً:
(هل أنتم ذاهبون في سفرة؟ أم نزهة؟ عيبٌ عليكم ما تصنعون! فالأجدر بكم أن تسبحوا الله وتقرأوا القرآن، كفاكم ثرثرةً لقد ازعجتمونا) لكن أحدهم رد عليها قائلاً(وما أجبركِ على الصعود معنا؟ إن كنت منزعجةً فإذهبي إلى مكانٍ آخر) فأجابتهُ(وهل القطار ملكاً لك ولأبيك أيها الهمجي الجاهل؟! إنهُ ملك الجميع وعليك أن تحترم حقوق الآخرين) فقال(كفاكِ محاضرة أخلاقية)!
لقد لقنت هذه العجوز هؤلاء الثرثارين درساً، لكن الدرس لا ينفع مع الجاهل، فبالرغم من أني سمعت أحدهم يقول أنهُ لواء متقاعد، والبقية يدانونهُ في الرتبة، لكني لم أرَ فيهم أية علامة من علامات التحضر والثقافة، بل دلوا على أنهم همجٌ رعاع.
مشى بنا القطار يقطع المدن والأحراش، حتى وصلنا محطتنا الأخيرة، وعندما هممنا بالنزول، لم نستطع ذلك، فقد وقف بالباب من يريد الصعود، وبعد دفعةٍ من هذا وذاك تمكنا من النزول؛ ذهبنا إلى قبلة الأحرار، فتوجهنا إلى الضريح المقدس، وبعد أداء الزيارة والصلاة، هممنا بالرجوع، لفسح المجال لغيرنا، فمازالت الجموع تتدفق نحو المرقد المقدس.
قررت العودة في القطار أيضاً، وعند وصولنا إلى المحطة كانت مزدحمةً جداً، وكان المسؤولون عن التفتيش شباب راقي ومؤمن ومؤدب، لكن المسافرين وأغلبهم شباب كانوا على عكس ذلك، وارادوا أن يثيروا ضجة ويفتعلوا شجاراً لأكثر من مرة، لكن شباب الأمن والشرطة كان تعاملهم بدرجة الإمتياز، وبعد عملية التفتيش ذهبت لأقطع تذاكر العودة؛ قطعتُ التذاكر وتوجهت نحو الدخول فوجدتُ زخماً كبيراً عند الباب، والشرطة لا تسمح بالدخول إلا للعوائل وكبار السن، ناداني أحدهم: تفضل ياحاج من معك؟ قلت: ولداي فقط؛ فقال: إدخل، فدخلت ووجدت قطارين مملوئين بالنساء والأطفال، وبما أني أكره التدافع والإزدحام جلست حتى ينصرف الناس، فيأتي قطارٌ أستطيع الصعود فيهِ، وبعد ساعتين حضر القطار الفارغ، فصعدنا بهدوء وجلسنا في مقاعدنا، ففتح الباب للشباب، وجائوا مهرولين مهلهلين، ضاحكين مبتهجين، يرتدون ملابساً عجيبةً لا تكاد تميز بينهم وبين الأنثى، بل كانت الأنثى أستر منهم في لباسها وتصرفاتها، فهم إتخذوا من الأنثى الساقطة مثالاً لشكلهم ولصوتهم!
إمتلئت كابينة القطار بهؤلاء المخنثين، ما عدا ثلاث نساء وبعض الشباب المؤدب المؤمن، وما إن سار القطار وخرج من المحطة الساعة العاشرة ليلاً، حتى بدأت وقاحتهم بالظهور فلم يرعوي وجود النساء بينهم، وعندما تحدث معهم أحد الشباب المؤمن، قال أحدهم وبنبرة غاضبة: لا شأن لك؛ ولولا وجود أولادي معي وحفاظاً على النساء في العربة لتعاركتُ معهم، من شدتِ غضبي وحنقي على تصرفاتهم الساقطة المثلية الوسخة.
بما أني لا أستطيع النوم، بقيتُ مستيقظاً، نام ولداي واجتمع الشباب المؤمن حولي يجلسون في ممر القاطرة، وقلتُ لهم: ماهذا؟ ماذا يحدث؟ قالوا: يا حاج إنك ترى عددهم، إنهم كُثر، إنهم يزعجوننا حتى في المواكب، وعند الكلام معهم يثيرون شجاراً، وهم جائوا من أجله، إن مهمتهم إفشال وتخريب الزيارة، هذا ما تلمسناه منهم أثناء خدمتنا في المواكب الحسينية.
وصل القطار محطتهُ الأخيرة، وهممنا بالنزول، فأرتدوا ما يدارون بهِ سؤاتهم، ونزلوا متفرقين يمشون مثنى وثلاث، ينظرون إلى بنظرة خوف، مبتعدين عني، فوجدتُ ضابطاً للشرطة مع جماعتهِ يمشون بين الصفوف، فقلتُ لهم: أين كنتم؟ قالوا: ماذا هناك يا حاج؟ فحكيت لهم ما رأيت، قالوا: نعلمُ ذلك ولا نستطيع فعل شئ، فسنخرجُ نحنُ الملومين! هؤلاء لا يأتون إلى الزيارة بل للقيام بأفعالهم الدنيئة القذرة.
بعد كلامي هذا، أُطالب هيئة الحشد الشعبي(بما أنها المشرف الأول على مراسيم الزيارة والحفاظ على أمنها) بعدة مطالب وإجراءات، لمحاربة مثل هذه الحالات:
عدم السماح بدخول هؤلاء المندسين المخنثين(المبتذلين في شكلهم وملابسهم) إلى كربلاء
جعل فرد أو أثنين من عناصر الحشد في كل موكب خصوصاً في الليل
جعل القطار للعوائل وكبار السن والاطفال والمعوقين فقط
وضع أحد أفراد الحشد في كل عربة من عربات القطار للحماية والتنظيم
عند وصول القطار الى المحطة يجب تنظيم النزول والصعود
منع الازدحام داخل القطار فلا يجوز أن يصعد من لا مقعد مخصص له ووفق التذاكر المقطوعة
تنظيم حركة القطار بصورة تسمح انسيابيته وعدم تأخره في الوصول
وضع كامرات مراقبة داخل عربات القطار للمراقبة والتوثيق
بقي شئ...
عام بعد عام نلاحظ حسن التنظيم وتطورهِ، لا سيما مع زيادة أعداد الزائرين، لهذا نطرح هذه المشاكل والمعالجات متمنين الأخذ بها، لنرقى بهذه الزيارة المقدسة.
.................................................................................................
حيدر حسين سويري
كاتب وأديب وإعلامي
عضو المركز العراقي لحرية الإعلام