يحكي لنا التاريخ عن مدينة إسطورية تدعى " أتلانتس "، يحكمها الملك الأغريقي " نبتون " وزوجته "كليتو"، الذي أنجب منها عشرة أبناء متقاربين في السن، ومن يحمل إسم أتلانتس من هؤلاء الأبناء العشرة، يصبح ملك الجزيرة الموجودة في المنتصف، بينما الأخوة التسعة؛ يكونون حكاما على الجزر التسعة الأخرى، التي تحيط بالجزيرة على شكل دائرة.
كان ملوك أتلانتس وشعبها من سلالة واحدة، يعيشون في مملكة غنية ورائعة، لكن دوام الحال من المحال، فالسعادة والرخاء بدأت تتحول الى بؤس وشقاء، بسبب حدوث وقائع فساد ضخمة عانى منها الناس، بعد نهاية العصر الذهبي للمدينة، وبسبب كثرة الفساد الذي ولد التناحر والصراع بين أبناء المملكة، فقد هجم الأثينيون عليها وأصبحت تحت حكمهم في نهاية المطاف.
يبدو إن عقوبة هذه المدينة، لم تتوقف عند هذا الحد فحسب، فقد قررت آلهة مدينة أتلانتس معاقبتهم على ما إرتكبوه من مفاسد، فأوقعت فيهم الكارثة ! وأغرقت المدينة في المحيط، جاعلة إياه أثرا بعد عين، بل لم يبق لها أثر حتى، جزاء لهم على أفعالهم.
البصرة ليست مدينة عادية، فحجم الثروات النفطية التي تمتكلها هو الأكبر في العراق، بل ربما في المنطقة الإقليمية كلها، فيها الموانئ البحرية التي تمثل خط تجارة طريق الحرير في الماضي وربما في المستقبل، رغم إن أهم موانئها لم ينجز الى الآن، بسبب إرادات داخلية ودولية، تحادد دولا مهمة في المنطقة هما الكويت وإيران، وتمثل معبرا تجاريا مهما مع هذه الدول، إضافة الى إمتلاك البصرة الثروات الغازية، وتنوعها السكاني المشابه لتنوع المجتمع العراقي.
تناوب الأخوة على حكم البصرة، بدءا من حزب الفضيلة ثم حزب الدعوة تبعهم المجلس الأعلى، ومن ثم تيار الحكمة الذي رشح محافظا قال عنه إنه مستقل، ما لبث إن تحول الى إئتلاف النصر الذي رشح معه في الانتخابات البرلمانية، حاصلا على مقعد نيابي، لكنه رغم خروج المظاهرات المطالبة بالخدمات، وعلى إثرها إحرق منزله، ما زال مصرا على التمسك بمنصبه، متجاهلا حجم المشاكل الكبيرة التي تضرب بالبصرة، والتي وقف عاجزا أمامها، متخذا موقف المتفرج.
كان المتوقع للبصرة أن تكون مدينة الرخاء والجمال، وأن تضاهي في عمرانها وتطورها أرقى المدن في المنطقة، لكن أيام الوفرة المالية مرت على هذه المدينة ولم تر منها شيئا، فحين كان محافظها من كتلة الحكومة المركزية، توفرت لها أموال كثيرة لم تستفد منها، وأغلب المشاريع التي تم إنشائها لم تلبي طموح المواطن، أو إنها إندثرت بسبب الفساد المالي والإداري، وحين أتى محافظ من كتلة تختلف عطلت أهم المشاريع، وهو مشروع البتردولار ومشروع البصرة عاصمة العراق الإقتصادية.
أغلب البصريين أضاع البوصلة، وعصفت به رياح الخلافات السياسية، أو تم تجنيده من قبل الأحزاب الحاكمة، وصاروا نارا للصراع بينها تشعلهم متى ما أرادت، فصارت البصرة ملعبا للقتال وساحة للحرب، وممرا للأجندات الخارجية التي تريد الفوضى، الجميع يريد كسر الجميع، بعيدا عن مصلحة البصرة وأهلها، ودون التفكير في عواقب ما سيحدث إذا إستمر الصراع على حاله.
لا بد لأهل البصرة من إيجاد حلول لما تعانيه المحافظة، والتفاعل مع المبادرات الوطنية الهادفة الى حل مشاكل البصرة، بعيدا عن التخندقات السياسية، وصفقات الغرف المظلمة، والأجندات الخارجية، والمشاركة في تعديل المسار وتصحيح أوضاع البصرة، قبل أن تصبح مثل أتلانتس وتغرق في مياه الخليج.
ثامر الحجامي