تدهور نظام الصحة وعدم تنفيذ مخطط ربط المسؤولية بالمحاسبة

سبت, 12/29/2018 - 09:43

يشكل قطاع الصحة إحدى الإشكاليات الكبرى التي تؤرق بال الدول و الحكومات، حتى أنها أضحت المدخل الأساس الضامن لنهضتها و تقدمها و المحرك الرئيسي لباقي السياسات العمومية ما يرتبها ضمن الأولويات الصعبة المعقدة نظرا لارتباطها الوثيق بالحاجيات المجتمعية اليومية الغير قابلة للتأجيل أو التقشف و التساهل في تدبير خدمة أساسية تعد حقا من الحقوق الأساسية التي يضمنها الدستور و تنص عليه المواثيق الدولية و الإنسانية. 

بدون شك يطرح موضوع الصحة بالمغرب العديد من الأسئلة المحورية و الرهانات المعقدة في ظل تشعب و تناسل مشاكل عديدة و اختلالات تحولت في كثير من الأحيان إلى قاعدة و ليس استثناء، فالحديث عن إمكانية تحسين جودة العرض الصحي طموح بعيد المنال في ظل غياب إطار قانوني ينظم المهنة و يربط المسؤولية بالمحاسبة التي لا يمكن لها أن تنمو و تتحقق بدون إرادة سياسية يفترض أن تتفاعل مع المؤشرات الهزيلة للخريطة الصحية و ضعف بنياتها مواردها البشرية و تدني خدماتها و تباينها بين القطاع العمومي و الخاص بشكل يحد من الفوارق و يضمن التكامل و الفعالية كما يمكن المواطن في القرى و الحواضر من حق الولوج إلى المرفق الصحي دون عقبات مسطرية و مالية غالبا ما تضطره إلى تأجيل طلبه في العلاج و التعايش مع العلل و الأمراض تحت تأثير الفقر و ممارسات غير شفافة تكرس الإحساس بالحيف و تسيء إلى كل الجهود المبذولة. 

المتتبع للوضعية الصحية ببلادنا لا يمكن له أن ينكر وجود حالة مرضية داخل القطاع تمتد لعقود من الزمن تتحمل فيها الدولة المسؤولية الرئيسية باعتبارها تمتلك من آليات تغيير الوضع المؤسساتية و المالية ما يعني أن المسألة الصحية في حاجة إلى جرأة تنطلق مع لحظة تأمل مع الذات لتشخيص أخطاء سياسات عمومية سمتها النقص وعدم مسايرة الطلب و إكراهات كل مرحلة بمتطلباتها التي أفرزت وضعا متأزما أولى نتائجه البادية بوضوح خصاص في الموارد البشرية اللازمة و المؤهلة لتقديم الخدمة الصحية يقدر بحوالي 7000 طبيب و 9000 ممرض و إطار شبه طبي كمعدل أدنى يضمن السير العادي في أداء المنشئات الصحية التي تعاني هي بدورها من سوء توزيع وطني و جهوي ومحلي و ضعف في وسائل العمل و التجهيزات و يضاعف من صعوبة ولوجها ومحدودية بنيات الاستقبال فيها الأمر الذي يترتب عنه نتائج وخيمة و ضرر بالصحة العامة و تكاليف زائدة تحد من نجاعة برامج التنمية التي تشترط وجود مجتمع بمواصفات صحية جيدة و مقبولة يتجاوب معها و يساهم في تنزيلها. 

بعيدا عن المزايدة في تحميل الدولة الجزء الأوفر من المسؤولية لابد من الاعتراف أن المزاولين لمهنة الطب يتحملون نصيبهم في هذه الإشكالية المجتمعية في ظل تداخل و تضارب بين الأطراف و المتدخلين في الشأن الصحي و غياب تصور متكامل يضمن حدود ممارسة المهنة و الواجب الطبي يتيح آفاقا واسعة لتقيم و تنويع العرض الصحي ولن يتأتى ذلك بالطبع وسط الفراغ القانوني الحالي الذي ترك مساحات شاسعة لمظاهر و تجليات غريبة عن الرسالة النبيلة لمهنة الطب و اجتهادات لا تتأسس على منطق معقول في كثير من الأحيان تحضر فيها المزاجية و تغيب فيها الضوابط و المساطر المفترض أن تكون حكما و ضامنا لحقوق الجميع، إلا أن الوصول إلى هذا المبتغى لم يتجاوز بعد حدود الآمال و المتمنيات بالنظر إلى التجاذبات و النقاشات الجانبية المؤطرة برغبة في تحقيق مصالح فئوية ضيقة أكدتها التحركات الأخيرة في أكثر من مستوى نقابي و ووزاري لوضع مشروع جديد وأرضية نموذجية أن حدة الخلاف بين وجهات نظر المتدخلين تتسع و تختلف بين مؤيد لمسودة مشروع يفسح المجال لغير ذوي الاختصاص بالاستثمار في المجال و متخوف من الجارفة به و التحذير من فتح الرأسمال الطبي،وبين هذا و ذاك يتقاسم الطرفان و يجمعان حول ضعف المناصب المالية المخصصة للقطاع و ندرة كليات الطب و الصيدلة و معاهد التكوين في المهن التمريضية، وعدم التوازن في انتشار و توزيع المنشئات الصحية بكافة مستوياتها الجامعية و الإقليمية و الحضرية و القروية و الارتقاء بأداء استراتيجيات حيوية في مقدمتها البرنامج الوطني للمستعجلات و نظام راميد و توسيع قاعدة المستفيدين من التغطية الصحية لتغطي كافة الفئات.

الصحة إشكالية منظومة بأكملها في حاجة إلى وقفة تأمل و نقاش واسع تغيب فيه الحسابات الضيقة و الأبعاد السياسية وتحضر المصلحة الوطنية ووحدة الصف لمواجهة خصم واحد و خطر يؤرق الجميع و يكاد يشل قاطرة التنمية و يستنزف المال العام دون تحقيق المردودية المطلوبة، وفي تقديري المشاريع و الأوراش التي تعيشها بلادنا بدءا من إصلاح القضاء و التعليم و مشروع الجهوية و تعزيز المسلسل الديمقراطي و تخليق الحياة العامة لن تقوم لها قائمة في وسط اجتماعي مريض و بيئة مختلة من المؤكد أن إحصاء 2014 مناسبة لتشخيص حالاتها و بالتالي وجب تمكينها من الوصفات العلاجية الضرورية للتفاعل مع هذه الأوراش و تحقيق الانطلاقة المرجوة التي تبقى معلقة على مدى نجاعة الترسانة القانونية و التشريعية القادرة على تنزيل سليم لسياسة صحية بمواصفات تتجاوب مع تطلعات المغاربة ، فدور المشرع محوري في تحديد التوجه المناسب وسد كل الثغرات و تقويم الاعوجاج و تحويلها إلى فرص و نقط للتميز من أجل حاضر و غد أفضل، فالمؤسسة التشريعية مرآة أمة و شعب ينتظر من ممثليه أن يعكسوا تطلعاته و انتظاراته الآنية ولن نبالغ إذا قلنا أن الصحة أولوية والفضاء الأنسب للاستثمار مادام أن العقل السليم في الجسم السليم وكل تقدم و تنمية لن تجد لها طريق إلا بمجتمع سليم خالي من المرض و العلة.

بقلم: عمر دغوغي الإدريسي مدير مكتب صنعاء نيوز بالمملكة المغربية

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطرائف