مـكانة الـشباب في تـنمـية الـمجتمع المدني "الجزء الأول"

سبت, 01/05/2019 - 11:29

يقول فريديريك نيتشه أن لا أمل في أن يمتلك الإنسان وجوده وكينونته إلا بالنضال من أجل إرادة القوة، والتي لا يمكنها أن تتحقق إلا بمجابهة تمثل الواقع ومسلماته، والتضحية بالحياة واحتقارها، بحثا عن حياة ثانية كلها مجد وكرامة؛ لأن الإنسان كائن يمتلك الإرادة الحقيقية على تغيير نفسه وتغيير العالم من حوله، بحيث لا يظل الإنسان عبدا يتحكم في حياته الأسياد ويحجرون على تفكيره وحركته.

إن تراجع الدولة عن دورها في الميادين الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، ساهم في تزايد مبادرات أفراد المجتمع في الانتظام وبشكل منظم جماعيا داخل تنظيمات وجمعيات مختلفة من حيث الأهداف، وعرفت وثيرة متنامية ومتسرعة في العقود الأخيرة من الزمن، قوامها الأساس مبدأ "التطوع" في مختلف المجالات من أجل تحقيق أهداف مجتمعية في حياد واستقلالية عن الدولة؛
في السياق التاريخي لمفهوم المجتمع المدني:

ظهر لأول مرة مصطلح المجتمع المدني (La société civile)في الفكر الإغريقي، حيث أشار إليه أرسطو بأنه "مجموعة سياسية تخضع للقوانين" بمعنى أنه لم يكن يميز بين الدولة والمجتمع المدني؛ والمقصود بالدولة في التفكير السياسي الأوروبي القديم هو المجتمع المدني على أساس أنه يمثل تكتلا سياسيا ما، يضم أعضاءه من المواطنين الذين يقرون بالاعتراف بقوانين الدولة ويتصرفون وفقا لمقتضياتها؛ لكن مع تطور الفكر الغربي على وجه التحديد، مع فلاسفة عصر الأنوار الأوروبية، جعلوا منه مقابلا للدولة الاستبدادية التي كانت يسودها نظام الحكم المطلق، بناء على ذلك تم اعتبار الجمعيات هي النسق الأفضل لمواجهة مخاطر الاستبداد السياسي.

كما سيعرف المفهوم تطورا في الفكر الليبرالي، حيث أشار "هيغل" في مؤلفه (مبادئ فلسفة الحق) "المجتمع المدني يتموقع بين الأسرة والدولة، تنتظم كلها داخل القانون المدني"، تعريف يقوم على أساس التمايز بين الدولة، والتي هي تعبير عن سمو الفرد إلى الكونية، وبين المجتمع الذي يتكون من الأفراد والطبقات والجماعات ككيان متفرد يختلف عن الكيان الدولتين ويتمايز عنه، يتجسد في مجموعة من المؤسسات.

أما في الفكر الماركسي فإن مفهوم المجتمع المدني استعمل لمواجهة السلطة الشمولية على أساس أنه فضاء يتحرك فيه الإنسان، بعيدا عن مصالحه الشخصية، واعتبره كارل ماركس "ساحة للصراع الطبقي"، وفى القرن العشرين وفي إطار تفسير جديد لمسألة المجتمع المدني مع أنطونيو غرا مشي حيث اعتبره "ساحة للتنافس الإيديولوجي" بين مجموعة من البنيات الفوقية  النقابات، والأحزاب، والصحافة، والمدارس، والكنيسة تختلف مهامه عن وظائف الدولة وعن المجتمع السياسي كسلطة منظمة داخل المجتمع بعيدة عن تأثير الدولة، التي تدفع إلى إخضاع هيئات المجتمع المدني وتوجيهها حسب إرادتها، والتي فسرها فيما بعد يورغن هابرماس ب"الرأي العام غير الرسمي"، بمعنى ذاك الذي لا يخضع لسلطة الدولة، على إثر الانقسام الذي حصل في المجتمع الأوروبي مع احتدم الصراع بين طبقات تتفاوت مصالحها أو تتناقض، انطلاقا من التمييز بين السيطرة السياسية، والهيمنة الإيديولوجية؛
ومع اتساع دور المجتمع المدني وتزايد أهميته في المجتمعات الديمقراطية، فقد أصبح يحظى باهتمام لدى الكثير من المفكرين والباحثين المعاصرين، وأخذ المجتمع المدني عدة تعارف.

جون لوك يرى بأن المجتمع المدني لا يختلف عن الدولة، بل عن المجتمع السياسي لكون أن المجتمع المدني هو"مجتمع المدينة" الذي يعني له مجتمع التحضر الذي لا يمكن أن يوجد ويتحقق إلا عندما يسمو القانون في العلاقات بين أفراده، أي أن المجتمع المدني يشترك مع الدولة في خاصية معيارية ومرجعية تتمثل في فرض القانون لتنظيم العلاقات الاجتماعية، لأنه يمثل ضمانة الحرية، وهنا يبرز الاختلاف بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي، اعتبارا أن هذا الأخير ينظم السلطة، مما يعني أنه يشكل سدا أمام الحرية.

دومينيك كولاس يقول بأن المجتمع المدني "يعني الحياة الاجتماعية المنظمة انطلاقا من منطق خاص بها، وبخاصة الحياة الجمعوية التي تضمن دينامية اقتصادية وثقافية وسياسية" ....يتبع

بقلم: عمر دغوغي الإدريسي مدير مكتب صنعاء نيوز بالمملكة المغربية

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطرائف