كرة القدم تطورت عبر التاريخ، ولم تقتصر على مكتشفيها الإنكليز او قارة أوربا، بل تعدت حدود الدول، لتكتسح الكرة الأرضية بقاراتها المتباعدة وأممها المختلفة، بينما لم تتطور الديمقراطية بهذا الاضطراد، وفرقت شعوب الكرة الأرضية إلى عدة عوالم، منها نحن؛ دول العالم الثالث.
رقَّ قلبي قبل قليل لمنظر مؤلم، رجل يحاول اللحاق بالكرة وحصْرَها بين قدميه المتثاقلتين، يلهث وينوء بكرشه المتدلي أمامه، بينما يصرخ هو على أحدهم، ياخذ الكرة منه صبي آخر، ويدفعه صبي ثالث هناك، من بين مجموعة لاعبين يتراكضون بخفة، ويسابقون الريح، لِلَّحاق الكرة العصية على الجميع.
الرجل المتثاقل والصبية المشاكسون، ومن كلا الفريقين، يركضون متدافعين للبحث عن كرة حائرة بين عشرات الاقدام، متناسين أن هناك هدف يجب تمرير الكرة بين عارضتيه، وكأنهم مجموعة كلاب صيد "سلوقية"، يريد كل منهم النيل من الارنب المتسارع أمامهم، "طبعا مع الاعتذار لهذا التوصيف".
هذا الموقف ذهب بمخيلتي للتنافس السياسي الحاصل في العالم الثالث، ومن ضمنه ما يجري في بلدنا حاليا، بعد أن انقشع عالم الديكتاتورية، وتحول إلى عالم جديد، يدعو إلى التنافس الإيجابي، وتداول للسلطة بشكل سلمي، عبر انتخابات يشارك فيها كل طبقات ومكونات الأمة العراقية.
يحتل العراق حاليا المرتبة الثانية والثمانين في كرة القدم بين دول العالم، والمرتبة الثامنة والستين بعد المئة بالنزاهة، ومن بين دول العالم الثالث يعتبر العراق من الدول الناشئة، والوليد الذي لازال يحبو بالديمقراطية، مقارنة بديمقراطية العالم الغربي وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا.
تطور الديمقراطية يشبه كثيراً تاريخ تطور كرة القدم، كلاهما طور منظومته القانونية، واستفاد من الخبرات السابقة، بل وعين وزراء ومستشارين من دول أخرى، وفي كرة القدم أصبح المدرب عملة عالمية، تتداولها افضل منتخبات العالم، لتتحول من اللعب الفردي في بدايات القرن العشرين الى "التيكي تاكا" والهجوم الكلي عند بزوغ القرن الحادي والعشرين.
لازلنا متخلفين عن العالم في كرة القدم والديمقراطية، بينما يكون هناك اللعب الجماعي للوصول إلى الهدف، ومصلحة الوطن وانتزاع الفوز اولا، هنا يكون الصراخ والتدافع على أشده، وكل حزب وتكتل "فيما لو استثنينا البعض" يبحث عن مصلحته الخاصة، ويجمع المناصب، ويحشد الاعلام والجماهير، ويصرف ملايين الدولارات لتسقيط الاخرين، بعيدا عن مصلحة الوطن وخشبات المرمى الثلاث
باقر العراقي