رحلة رجل.. بين النجف والجنة

اثنين, 03/04/2019 - 14:58
 زيد شحاثة

لتفهم كيف يفكر شخص, أو تحاول تفسير أسباب مواقفه وأراءه التي يتخذها, يجب أن تعرف أولا بيئته التي نشأ فيها, والجو الأسري والعام الذي أحاط به, وماهية الأفكار التي إعتنقها, ومن هم الأشخاص المقربون الذين تأثر بهم, وكان يعتبرهم قدوة أو نموذجا له خلال سني حياته.

لمن لا يعرف النجف الأشرف, حاضرة علي أبن أبي طالب ومقر أعدل حاكم مر على تاريخنا بعد النبي الأكرم عليه وأله أفضل الصلوات.. هي مدينة عرفت بهويتها الدينية والأدبية, ناهيك عن كونها مقرا لأهم صراعات الفكر بكل أنواعه, دينيا كان أو سياسيا.. علميا كان أو أدبيا.

منها نبع أعظم نوابغ العلم والأدب, الفكر والنقد واللغة.. فكانت مكانا يُشد الرحال إليه طلبا للعلم, وللإستزادة لمن يحمل منه شيئا, من نوابغ باقي بقاع العالم, والإسلاميةمنها خصوصا.. لكن أهم تطور حصل, كان عندما أتخذها الشيخ الطوسي تغمده الباري برحمته, مقرا لحوزته و مكانا لإلقاء دروسهالعلمية.

لا تختلف طريقة تربية " البيوتات العلمائية" في تربية أولادهم عن بقية العوائل, إلا بمقدار الجو الذي يعيشه الطفل, والأمور والمحاذير والمتابعة التي ينالها الأبناء.. فرغم أن الأولاد يتاح لهم طفولة كاملة تمنحهم إشباعا كاملا, وترافقها لمحات تعليمية موجهة أكثر.. لكن تلك الطريقة تختلف تماما بعد السادسة أو السابعة غالبا, حيث يتوجه الأبن عندها لتحصيل دروس إضافية, من العلوم المختلفة, تتجه في أغلبها حول تخصصات, الفكر واللغة والعقيدة, تتدرج بساطتها بتدرج العمر.

بمثل تلكالظروفيتربى أبناء, أل ياسين  والمظفر والصدر والحكيم و الجواهري وجمال الدين .. وغيرهم العشرات من الأسر العلمائية التيتستوطن النجف, أوقصدتها من بقية الحواضر الدينية.. ومنهم نبغ العلماء والفلاسفة والباحثون والأدباء والشعراء.

يختلف قليلا بعد عن هكذا حال, من كان  مرجع الطائفة منهم.. فهذا يحملهم مسؤولية إضافية, كونهم يمثلون رمزية وقدوة أعلى لأتباع مذهب أهل البيت, عليهم وألهم أفضل الصلوات, فهم تحت مجهر العامة والخاصة, محبهم إقتداء وإتباعا لهم, ومبغضهم تسقطا وتتبعا للزلات, وحتى الهفوات الإنسانية العادية منها!

تمثل فترة ستينيات القرن الماضي, قمة بروز وتألق نجم الفكر الإشتراكي وما مثله من تحدي للتيارات الدينية, لما بينهما من تصادم فكري.. وكانت تلك الصراعات الفكرية تأخذ حيزا كبير من إهتماما الشباب في حينها.. وتدخلت فيها المرجعيات بقوة دفاعا عن الفكر الإسلامي, وكُتبت عشرات المؤلفات دفاعا ونقدا عن هذه الفكرة أو تلك.

يزداد الوضع تعقيدا, إن رافق هذه المرجعية, وكل ما سبق من ظروف محيطة, وجود حكم جائر متسلط يكره الدين والمتدينين, يميل لعلمانية عدائية مفرطة, وإن غلفها بغلاف ظاهره ديني أو مذهبي أو طائفي, كما حصل مع المرجعيات التي عاصرت حكم البعث ونظام صدام.. فيكون الضغط والمواجهة على أشدهما, وقد تصل حد التقتيل والتنكيل والمطاردة.

بمثل تلك الأجواء والظروف, كانت نشأة وتبلور شخصية الشهيد العظيم, السيد محمد باقر الحكيم.. أبزر وجوه المعارضة العراقية لنظام صدام, ورجل مرحلة خطيرة في تاريخ العراق والمنطقة, واحد أبرز المؤسسين لعراق ما بعد صدام والبعث.. ونموذج فريد للإسلامي  المتنور, المنتمي لأحد أهم المرجعيات في القرن العشرين.. صاحب فكرة الدولة الحديثة التي يؤطرها الإسلام.

 زيد شحاثة

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطرائف