لم تك ليلته الاخيرة قي غربته الطويلة ؛ سوى اعادة لذكريات الربع القرن بكل تفاصيلها المؤلمة والقاسية ؛ والتي اخذت منه الكثير؛ فبين خروجه من العراق وتصديه لطاغية وصف انه من اكبر طواغيت العصر ؛ وخسارته للكثير من ابرز اقاربه واصدقائه وتلامذته في حرب مفتوحة مع ذالك النظام ولربع قرن من الزمن ؛ بدا شريط ذكرياته ينتهي ؛ وهو يودع الامام الرضا واخته المعصومة (ع) الوداع الاخير ؛ ويقرر العودة الى ناسه والى المجهول بعد ربع قرن من الفراق .
ودعهما؛ وهو سائر في طريق لا يعرف نهايته ؛ يحمل في حقائبه ذكريات الايام الصعاب وصور لشهداء تربوا على يديه خير تربية ؛ ينظر الى وراءه بعد ان التفت بنظراته الاخيرة الى وطن المنفى ؛ حدق امامه وبنظرة فرح احتظن ارض الوطن من منفذ الشلامجة ؛ فقد كان اختياره من الدخول عن طريقها ذا حكمة كبيرة لانه سيمر بمدن من يعشق من الرجال؛فقد ذاب جميعهم في شخصه ووهبوا حياتهم ثمنا لعشقه العظيم .
فرحته لاتوصف فقد اصبح قريب جدا من الحبيب بعد فراق الربع قرن ؛ بدا شريط ذكرياته مرة ثانية يعيد الاحداث ؛ يذكر لمن كان معه في السيارة (ان كل امانيه تحققت وهي سقوط صدام والبعث والرجوع الى العراق واللقاء بالشعب العراقي المظلوم وان شاء الله تتحقق الثالثة وهي ....الشهادة ) ؛ كان يحمد الله كثيرا عندما يرى جموع الالاف المحتشدة على جانبي الطريق بين البصرة والنجف فمدن البصرة والناصرية والسماوة والديوانية وكربلاء وجميع مدن العراق اعلنت عن احتفالها بقدوم القائد بعد الفراق الطويل .
بعد مسير لساعات طوال ؛ وطريق صعب في الوصول الى الهدف (ضريح علي ع ) بسب حشود الملايين دخل النجف الاشرف وذهب مبايعا لابن علي ونائب الامام المعصوم في زمن الغيبه الكبرى ؛ سلمه الامام السيستاني مفاتيح الابواب الكبيرة لحرم الامام علي عليه السلام ؛ دخل حرم جده علي عليه السلام فقد كان لقاءا حارا فاضت منه دموعه وسأل جده (اترحب بي سيدي كما يرحبون بي؟ ) ؛ سؤال ابكى الملايين من عشاقه في كل انحاء المعمورة ؛ عن اي ترحيب تتحدث ؛ هل تعني اللحاق بامير المومنين ام ماذا ؟ ام انك تحمل الكثير من الوعود بانك ستكون معه فعلا ؛والا ماذا نفسر فشل اكثر من عشرة محاولات اغتيال له في اكثر من واقعة رغم التخطيط الكبير للمخابرات البعثية من اجل انجاحها .
بدا العد التنازلي للقائد بالسير في ركب جده ؛ طريق شهداء كربلاء ؛ بدا بصلاة الجمعهة والمشاركة في ادارة ملف بناء الدولة واسس للكثير من المفاهيم في صياغة الدستور العراقي ومفهوم المواطنة ؛ حان موعد اللقاء في الاول من رجب؛ تناثرت اشلاءه الشريفة ولم يحوها قبر او كفن ؛ فقد تناثرت الاشلاء والدماء فوق القبة الشريفة وفي داخل الضريح المقدس ؛ ليتحقق هدفه السام وهو الشهادة في محراب علي عليه السلام فقط كان........ موعدا يستحق التضحية ...موعدا مع الشهادة في رحاب الشهادة بعد ربع قرن من الانتظار فكان لقاء القبة الشريفة مع جسده الطاهر ...انها هبة الله لمن يحب ...وموعدا مع الجنه ...في دار الجنه ....عليا ع .
علي هادي الركابي