(الجزائر العاصمة / مصطفى منيغ)وإن بدت الأجواء هادئة نسبياً فالأمر لا يخلو من تكثيف الخروج للشوارع في مواجهة أي خطوة سيحاول قطعها النظام خاصة وأن تسريبات صادرة عن عناصر قيادية عسكرية خاضعة لنفوذ نائب وزير الدفاع تميل لمعرفة ردة الفعل الجماهيري إن عَيَّنَ الأخير نفسه رئيساً (ولو مؤقتا) للدولة خَلفاً لعبد العزيز بوتفليقة المنتهي تماما والذي لا يبقى ولخدامه سوى التفكير في مصيرهم وقد كانوا بالأمس القريب أصحاب كلمة نافذة طالت جل دواليب السلطة وإليهم مباشرة يرجع التقهقر المكشوف الذي عانت منه الجزائر وشعبها طويلا .
... شيءٌ موضوعٌ في الحسبان مرده أن السلطة العليا المتحكمة في البلاد سيعمل بعض قادة الجيش الشعبي ما في مقدورهم (كقوة ضاغطة) لتظل بين أياديهم وطوع أمرهم لأسباب عدة أهمها الولوج السهل لمصدر المدخول المادي للدولة من عائدات الثروة الوطنية الجد هائلة . أيضا و حتى لا يتكرر ما وقع من اتفاق أتَى ببوتفليقة من مخبئه الأوربي (سويسرا / فرنسا) ليتزعم كواجهة الشؤون السياسية للدولة الجزائرية بمقابل مغري ما كان ليحلم به "شخص" تبخَّرت مكانته الوظيفية برحيل ولي نعمته "الهواري بومدين" ، على الشعب الجزائري عامة ونخبه العالمة المتعلمة تدارك ما يُخطَّطُ قي الخفاء ، هذه الأثناء ، عن طريق مشاورات تصل الولايات المتحدة الأمريكية بفرنسا بدولتين مشرقيتين عربيتين، تمهيدا لساعة الصفر المؤكد وصولها لحظة إتمام عملية الاتفاق المراعية لضمان استمرارية المصالح الخارجية (غير الوطنية) وما أَلِفَ أصحابها من أرباح خيالية لن يسكتوا على ضياعها أو بأقل حدة التخفيف منها .
... إسقاط النظام بات وشيك الوقوع لكن المرتقب يبدو صعب ترتيب أولوياته إن لم تكن هناك وحدة حقيقة تشمل في توافقها كل المهتمين بإنقاذ الجزائر ولهم ما يقدمونه من أفكار تلزم الإبقاء ، على نضال هدفه البناء للمستقبل ، بناء يعطي القيمة المضافة لشكل ومضمون التضحيات المقدمة حتى بزوغ فجر جديد يشرق على جزائر الألفية الثالثة كدولة حق وقانون وعدل ومساواة وحريات مسؤوله ورؤية كفيلة بالتعامل الند للند مع الإكراهات الفارض العصر المعاش تحدياتها ، التاركة الضعيف مكانه ، الفاسحة الطريق (مهما كان حلزونيا ملتويا) للقوي، مع حقيقة ثابتة أن لا مخرج لمن علِق بينهما إلا بالانجراف للدائرة / المصيدة التي مهما ابتدأ ذاك العالق بنقطة انطلاق فيها ، يجد نفسه بعد قطع مسافة أنه قد عاد إليها ، ليتدحرج حيث شاء الريح أن يدحرجه انحدارا فاقداً الأمل في الصعود .
... الجزائريون نالوا إعجاب واحترام العالم وهم يتظاهرون بأسلوب لا يمكن أن يتم إلا بواسطة شعب متمكن مما يفعله ، مختار لما يريده ، بدقة صاحب الحق العارف بطريقة أخذه، وهذا ما ورّط النظام أكثر وأزيد فجعله مشلولا مرتبكا لا يدري من أين يبتدئ أو على أية حجة يرتكز إن صدرت الأوامر الطائشة بالتدخل.
... كانت مناسبة ذات شأن بالنسبة لشخصي المتواضع لأناقش مع إخوة أعزاء ذكرياتي في نفس الساحة المكتظة بالمتظاهرين الطالبين تنحية بوتفليقة بل تشطيب نظام الحكم الجزائري الحالي من قاموس التدبير اليومي للشأن العام ، الساحة التي طالما جمعتني وصديقي الراحل "كاتب ياسين" في إحدى المقاهي المطلة على شرفة البحر أو الميناء بعد خروجنا من المسرح رفقة الأستاذين العزاوي بنيحيى وبلعيد أبويوسف اللذين أحضرتهما من المغرب وتحديدا من مدينة وجدة للاشتغال معه في فرقة مسرحية تابعة للدولة الجزائرية كلفه بالإشراف عليها وزير العمل آنذاك الأخ المعززي ، نفس الساحة ، الواسعة المساحة ، التي كنتُ أقطعها مرتين في اليوم ذهابا وإيابا لأخذ الحافلة المتجهة لمقر إقامتي في منتجع "الجميلة" – لامدراغ - سابقا حيث عرف ميناؤها الصغير لقاء ثلاثيا لعب دورا ذا قيمة في حياتي العملية داخل الجزائر العاصمة التي ارتبطتُ بها ارتباط عاشق لا يقوى على البعاد دون ضم هوائها لصدره المفعم برؤيتها من أحسن المدن في العالم ، لقاء نتبادل فيه تحن الثلاث "الحاج العنقة" الفنان الشعبي الأصيل الذائع الصيت و الأستاذ "تيسير عقلة" السوري الجنسية رئيس جوق الإذاعة والتلفزيون الجزائرية ، والعبد لله حيث نتناقش في مقاطع أساسية من المسلسل الذي ألفته حاملا اسم " السنبلة الحمراء" وخاصة ما ورد فيها المطابق تماما لما يحصل في محيص الساحة المذكورة صعودا لحي"ّباب الواأد" الموقع الشريف الأكثر ارتباطا بملاحم الكفاح الجزائري من أجل الحرية والاستقلال ، بالتأكيد كان الوصف المتبادل كحوار بين بطلي المسلسل يصور بشكل واضح ما يقع الآن والمنتهي بانتصار ساحق للإرادة الجزائرية الحرة في العيش بكرامة وحرية وتمتع كامل بحقوق الإنسان .