يمكن القول أن الجيش هو عماد الدفاع عن أمن الدولة؛ فهو يُشكَّل ويُدرَّبُ ويُسلّحُ من أجل تحقيق أهدافها الاستراتيجية التي يأتي في طليعتها –بطبيعة الحال- حماية الدولة من أي اعتداء خارجي، ورعاية مياهها الإقليمية والذود عن حوزتها الترابية و تأمين مجالها الجوي؛
وحين تفشل الأجهزة الأخرى يتدخل؛ لا محالة، للسيطرة على الأوضاع الأمنية، ويتدخل في حال حصول كوارث طبيعية، كالزلازل والفيضانات، وكثيرا ما تدخل جيشنا في المدن الداخلية في موسم الأمطار لمساعدة الأهالي المشردين بتهدُّمِ منازلهم أو ضياع ممتلكاتهم.
في بلادنا جنبنا الله تبارك وتعالى خطر الزلازل والفيضانات؛ لكننا ابتُلِينا بكارثة القمامة المتكدسة في الطرقات والأماكن العامة، فضاق بذلك على المواطن مسكنة ومستقر راحته، وتهددته الأمراض والأوبئة، ورامه القلق النفسي واعتاد لسانه التأفف؛ مع أنه المساهم الأول في تشكل الظاهرة والمتضرر الأول والأخير منها.
في اللحظة الحرجة، والموقف الصعب، وتواتر العجز؛ يخرج الجيش الوطني لإنقاذ الموقف واجتثاث الكارثة التي لا ينتهي موضوعها باقتلاعها من جذورها فحسب، بل لابد من متابعة ذلك متابعة دائمة ومواكبته بحلول بديلة ورقابة لصيقة.
إن نجاح هذه العملية لا يتوقف على نظافة الجيش للشوارع والأماكن العامة وإزالة جبال القمامة –كلا- فالمشهد قابل للتكرار بأسوإ صورة وأسرع زمن؛ إن لم يتم تشكيل فرق لحراسة الأماكن العامة وتجييش قوات الأمن والمواطنين ضد ظاهرة رمي الأوساخ في الشارع، فمن المؤسف أن يظل أحدنا ينتظر نوم جيرانه كي يرمي قمامته أمام منازلهم أو خلف نوافذهم، والأدهى من ذلك أن يستبيح جوار المساجد والمدارس والساحات العامة لذلك؛ وموازاة مع إجراءات الحراسة ينبغي أن تكون هناك حاويات مخصصة في نقاط محددة ومحروسة لهذا الغرض، ولا بد من الصرامة في التعامل مع هذه القضية، فلقد أصبحت شَبَهَ العار الملازم، والمرض المزمن.. ولكي نتجاوز المشكل مستقبلا ونُرح جيشنا ونُفرغه لمهامه الأساسية علينا أن نقوم بدورنا كمواطنين معنيين بالتوعية والتحسيس؛ وهنا يأتي الدور كبيرا على قادة الرأي من أئمة مساجد في خطبهم، وعلى المفكرين في صالوناتهم واجتماعاتهم الخاصة، ويأتي على منظمات المجتمع المدني؛ والغريب في الأمر أن منظمات المجتمع المدني -عندنا- تعدادها بالآلاف وحق للمتسائل أن يتساءل أين دورها؟ ماهي مشاركتها في مواجهة هذه الأزمة؟.
صحيح أن هذه الكارثة المتجددة والمؤرقة للدولة والمواطن؛ ينبغي أن يُشرع لها في حلول غير تقليدية ومن ذلك مثلا: -شراء القمامة؛ وليس معنى ذلك الفوضوية فيه، بل يمكن أن يكون بتقسيم المواد البالية والنفايات إلى مجموعات وعناصر تعزل عن بعضها البعض وتتفاوت في قيمة التعويض باختلاف طبيعتها من مواد قابل للتدوير، ونفايات لا تصلح لشيء من ذلك، هذا مع التركيز على رقابة محيط المساجد والأسواق والأماكن العامة من رمي الأوساخ، والتصدي لذلك بالعقوبة الرادعة والاستعانة بكاميرات مراقبة؛ نحن أصبحنا اليوم في عصر التكنولوجيا والرقابة الالكترونية وأضعف التجار مستوى يمكنه تركيب كاميرات على أصغر محل تجاري؛ وهذا يحيل أن الأمر ممكن ببساطة إذا لم تجد الطرق الرقابية التقليدية كوضع حارس في هذه الأماكن، المهم أن المساجد والأسواق والمدارس غالبا ما تشكل الوجهة المفضلة لواضعي القمامة؛ الذين لا يمكن وصفهم دوما بعديمي الوطنية عوضا عن ناقصي أو عديمي المدنية.
ثم إن البلديات ينبغي أن تُشرك بشكل فعال في أي إجراء يُراد له النجاح في مواجهة القمامة، فهي الإطار الفعلي والميداني القادر على متابعة أدق التفاصيل والوقوف على مختلف النقاط، فقط ينبغي أن ترسم سياسة واضحة وتشرك البلديات بفاعلية وتُراقبَ العملية بصرامة، مشكلتنا في كل المجالات غياب الصرامة في تطبيق القوانين والنظم وإبدال ذلك بالرعونة والإهمال والمحسوبية والزبونية.
وفي الأخير فإن جيشنا الوطني يختلف عن الجيوش العربية والإفريقية في هذه وفي غيرها اختلافا كبيرا –مع بعض الاستثناءات طبعا- ففي الوقت الذي يُنهِكُ الاقتتال الداخلي والانقسام المؤسس على المصالح الضيقة والمكاسب الفردية هذه الجيوش يقدم جيشنا صورة رائعة عن التضحية في سبيل الوطن ومواجهة الأزمات والقرب من المواطن بإزالة منغصات راحته من أوساخ وبؤر للأوبئة، ثم يعود إلى الثكنات والثغور بعد ذلك للسهر على توفير الأمن له لينعم بنوم هنيء، وهنا لا بد من تذكر عماد هذا الجيش المتجلي في الجندي وضابط الصف قبل كبار الضباط فهؤلاء يستحقون الإشادة والتقدير ولا يمكن في هذا المقام الذي يذكر فيه الجيش ويُشاد بتدخله أن يمر دون ذكرهم والإشادة بدورهم والتشديد على المطالبة بالتحسين الدائم لأوضاعهم شأنهم في ذلك شأن المعلمين عندما يذكر التعليم، فعند ذكر التعليم دون ذكر دور المعلم ومحوريته سواء كان معلما للمرحلة الابتدائية أو الإعدادية أو الثانوية، فإن ذلك يبقى ناقصا بل مختلا، وأي إجراء لا يُجِلُّ المدرس ويُحسِّن من وضعه ويُشركه بفاعلية؛ يبقى عديم الدوائية.
عثمان جدو