منذ ظهور الشبكات الاجتماعية وخصوصا الفيس بوك، تغيرت عدة قواعد وأصبح هذا الفضاء، مكان ينقل فيه البعض الحالة اليومية بتفاصيلها إلى العالم الافتراضي، حيث أصبح مرآة للمجتمع، لنجد صفحات متنوعة ومختلفة تتناول العديد من المواضيع. ومع الثورات التي عرفتها شمال إفريقيا والشرق الأوسط، اتضح جليا أن الفيس بوك بإمكانه أن يلعب دور محرك للمسيرات والاحتجاجات حيث تنتقل من الفضاء الافتراضي إلى الواقع.
فمن الصعب أن يتقبل البعض أنه بدون وجود الشبكات الاجتماعية يمكن القيام بمعارك نضالية، حيث يراه هؤلاء ضروريا بشكل كبير. وقد يكون له تأثير أكثر من وسائل أخرى كان يعتمد عليها المناضلون. من جهة أخرى، هناك وجهات نظر أخرى تعتبر أن الشبكات الاجتماعية ليست أساسية في النضالات.في حسن يرى البعض الاخر أن الواقع مختلف عن الشبكات الاجتماعية التي تبقى مجرد مجال افتراضي، وتختلف عن الواقع بشكل كبير، فبالإمكان أن يجتمع الآلاف على فكرة في الفيس بوك، وعند القرار بالخروج للشارع للمطالبة بما تم الاتفاق عليه لا يتعدى الملبين للنداء رؤوس الأصابع.
في هذا الصدد نرى أن هناك علاقة تكامل بين النضال الفيسبوكي والواقعي.فكم من الرؤى المشتركة تنضج خلال التواصل على الفيس بوك معززة بالتواصل على أرض الواقع وهذا تجلى في أكثر من موقف سواء ما حدث في مصر أو سوريا وتمنت أن ينضج اكتر من خلال المثابرة والالتزام.
أقول أن هناك علاقة تناقض بين مناضلي فيس بوك والمناضلون الحقيقيون، فمناضلي فيس بوك ليس لهم أي وجود في الشارع،لأن الفيس بوك عالم خيالي وغير واقعي .واعتبر أن النضال لا يكون من خلال "استاتي" على الفيس بوك أو عمل "شير" لصورة بل هو أكبر من ذلك بكثير ،واعتبر بعض نشطاء الفيس بوك عينة "ثورجية" زائفة.
ولكن المغالاة في استخدام الفيس البوك والابتعاد عن الواقع ينتج عنه نوع من التشنج بحيث يصبح المناضل مجرد أكونت علي فيس بوك ولا يرقي ليغير الواقع، فإذا كان الفيس وسبله للتواصل كخطوة أولي للانتقال للواقع فهذا جيد أما إن كان نضال علي الفيس من اجل الفيس فسوف لا يجدي نفعا.
حيث ما أراه الآن من تحالفات الكترونية لا تهدف إلا للجدال أولا وأخيرا بحيث انفصلت كليا عن ارض الواقع. بل وتحولت للمزايدة علي المواطن العادي والتعالي عليه.
وعن تأثير الفيسبوك على فكرة النضال نفسه أن الفيسبوك يستهلك الوقت والطاقة المحددين للنضال على ارض الواقع؛ الفيسبوك يشوه مضمون النضال، ويستبدل النضال الحقيقي بأشكال واهية، لا تناسب لا وضعيتنا ولا مبادئنا ولا قضايانا.
رغم أن الشبكات الاجتماعية أصبحت لها أهمية كبيرة في النضال وتأثير بشكل إيجابي على تعميم الأحداث، إلا أن لها سلبيات كذلك، فمن يناضل في الفايسبوك كالجالس في ركن المقهى والقابض على قلم أحمر ويصنف كل شيء حسب هواه دون أن يكلف نفسه عناء أو تقديم بديل يذكر بمعنى تمييع مجهود الأخر،فيما أرى أن النضال الافتراضي يمكنه استقطاب أفراد جدد ويجمع حول تصور فكري مشترك، وأن النضال الافتراضي يتيح إمكانية توحيد فكرة ما والوصول إلى حدود دنيا بين هؤلاء الأفراد بتبادل وجهات النظر بينهم.
إلا أن هناك من رأى أن شباب الفيس بوك أثبتوا أن الإنترنت والفيس بوك ليسوا للبعبعة ولا الفتي الإلكتروني فقط ولا للشات، وإنما ضربوا مثلا يحتذي به في صحافة المواطن، والتي تتغلب على أي توجيه أو أملاءات أو قيود تُفرض من قبل حارس البوابة الإعلامية.
بقلم: عمر دغوغي الإدريسي مدير مكتب صنعاء نيوز بالمملكة المغربية