بعد غياب غير مبرر، يتصدر المشهد بين الحين والآخر، بعض الأطاريح السياسية، التي لا تختلف أهدافها عن خلط الأوراق، وفقدان بوصلة العمل السياسي والبرلماني بالتحديد، وقلة نادرة أبرزت التجربة، وما فيها من سلبيات وإيجابيات، ودعت لإستخلاص الدروس والعبر وتلافي إقتباس الأزمات والتهويل، لما هو قادم محفوف بمخاطر التهويل نفسه، أو الإيهام بهول ما هو قادم.
تناولت معظم الأطروحات السياسية، تلك العناوين المثيرة، التي لم تستند الى وثائق، والوثائق العلمية التي تعطي الصدقية العلمية المطلوبة، وغلب الإنطباع على المشاهدة العيانية السطحية، على التحليل العلمي الموثوق، كما هيمن الخبر الصحافي ومنشورات التواصل الإجتماعي، على البحث الرصين.
لم تتقدم العناوين ذات الدلالة، على التركيز في النقاط السلبية، ولم ينقلنا اسفاف الحديث من الشروق الى السطوح، بل صور حاضرنا ومستقبلها في عتمة، وهرب معظم متناولي السياسة من الأدوار الماهرة الى الأحاديث الظاهرة، وهنا غاب التطلع للمستقبل وغاب التطلع للمستقبل، وأنتهى دور الاستفادة من الدروس، وأسرار نجاح نقاط وفشل آخرى، ومحاولات غرس الروح الوطنية، التي تحمس جيلاً واعياً للإنتماء والتضحية للوطن.
تساؤل منهجي لابد من الإجابة عليه؛ هل نجحنا في إرساء الديموقراطية، وهل إستفدنا من تجارب الدول الآخرى؟! وبتحليل معمق للإدارة وأهدافها الإستراتيجية، لابد للبحث عن عمق الإرتباط العضوي بين المؤسسات الإدارية والدولة، وعن متطلبات السياسة وبرامجها، وما موجود على أرض الواقع، ولكن الواضح لا تجانس بين خصائص العمل الديموقراطي وكيفية توجيهه لخدمة الدولة، ومن جهة آخرى تعامل الطبقة السياسية،بغياب رؤية أن ديمومة المؤسسة هي حياة الفرد العامل سواء كان سياسياً أو إدارياً، وبذلك لا يتجاوز التخطيط أبعد مما يحيط بالنظر من مكاسب آنية وأن إستدامت فهي شخصية وحزبية.
"الإدارة مرآة الشعوب"، كما يصفها عدد كبير من الباحثين، ولكن الإستفادة من الدروس وإجراء الدراسات المعمقة، لدور النخب الوطنية في صنع القرارات التنموية، وبتطبيق الفكر الإستراتيجي بعمق، لأجل إحداث التغيير المطلوب، ومن سوء العمل السياسي، هو تقمص الديمقراطية دون معرفة كاملة بمفاهيمها، وإعتبار الحرية إنطلاقاً الى فضاء بلا حدود.
لدينا رأس مال بشري يُساء توزيعه او تحريكه بعدالة ليكون منتجاً شاعراً بالمساواة، ولدينا كم هائل من المدخرات الصناعية التي صدئت ..والزراعية، التي تصحرت وهاجر أهلها، ونحتاج الى التشخيص والتأهيل والإنطلاق، ولن يستطيع البلد إنجاح المهام الكُبرى، مالم تك إرادة قيادة الدولة، بالإعتماد على الجهد المدني الإستثنائي، الذي يحترم العلم والكفاءة والنزاهة، ويرسخ سلوك المكاسب الآجلة والدائمة للوطن، وليس الغنائم العاجلة العابرة، ولذلك ساد منهج إقتباس الأزمات، على إستثمار الإمكانيات، وفقدت بوصلة العمل السياسي والإداري، وتركز الحديث عن السلبيات وتركت الإيجابيات، وكأن السلبياتِ عمقٌ، والإيجابياتِ سطحٌ.. والعكس هو الصحيح.
واثق الجابري