حين قال جان جاك روسو يوماً: “أعطني القليل من الشرفاء وأنا أحطم لك جيشاً من اللصوص المفسدين والعملاء”، لم يكن يقصد العالم الثالث بكل تأكيد لأن في العالم الثالث جيشاً من المفسدين ممن ارتضوا أن يتاجروا بالسياسة للكسب الاقتصادي، يستغلون المناصب والدوائر التي يديرونها بالدفع الذاتي لمأربهم الخاصة وكأن تلك الدوائر لم تعد ملكية عامة بل شركات ذات مسؤولية محدودة.
الفساد في البلاد استشرى واعتلى صهوة الجواد وباتت مكافأة الفساد والفاسدين والمفسدين كإطعام ديناصور لا يعرف متى وكيف يشبع مع فارق أن الديناصورات انقرضت ولكن الفاسدون لم ولن ينقرضوا يوماً لأنهم يقتاتون على كل ما يقع تحت أنيابهم، الفاسدون في دول العالم الثالث لا يصنعون دولاً بل يدمرونها ويدمرون شعوبها لأنهم، ونعني بذلك الفاسدين، مصاصو دماء لا يعرفون الرحمة.
عبارة أقولها دوماً أنه ما دام الفاسدون والمنافقون والوصوليون هم أصحاب القرار وهم من يتحكم في مصير الملايين فإن أي حديث عن التغيير والإصلاح حديث في الفراغ الكوني أو كالنفخ في قربة ماء مليئة بالثقوب.
نعلم فن السياسة يحمل في طياته المناورة والكذب أحيانا بل والازدواجية لكن في بلاد العالم الثالث فإن تلك الانتهازية للنفاق عنوان،لا نعلم النوايا ولكن لكل إمرء من خله نصيب؛ فهناك فاسدون بإجماع الشعب وإجماع الخبراء وهناك انتهازيون بالقرائن والأدلة أثروا على حساب شعوب مغلوب على أمرها سيقت إلى المذبح في يوم خُسف فيه القمر وتسلل هؤلاء في ثياب الناصح الأمين إلى قوت المواطن البسيط وبات بعضهم يقدم نظريات في السياسة ويطالب بالمكاشفة وهو أول الفاسدين ومنهم تنفيذيون ومشرعون كان بعضهم رئيساً للوزراء وبعضهم وزيراً وبعضهم نواباً وغير ذلك.
نعم رحم الله مجتمعات يسوسها حفنة باعت ضمائرها للشيطان ولبست صوف حمل لتخبئ أنيابها ومخالبها التي غرزتها في أبناء جلدتها، ولكن، هل لهذه الفيروسات من علاج أو مبيد فتاك؟
في السياسة، من الصعب أن تجد مسئولا يقول الحقيقة كما هي، فالحديث عن المبادئ والقيم المجتمعية لا ينطبق إلا على أبناء البطة السوداء وهم سواد الشعب.
والغريب في الأمر أن الفاسدين هم من ينتقد الفساد ليل نهار وهم من دعاة التطهير والإصلاح وهذا هو الغطاء القانوني لهم.
فهم أوركسترا عالمية يقودها مجموعة من المافيا قد تكون محلية أو عابرة للحدود ويكون كبير الفاسدين حملاً وديعاً بأجنحة ملاك.
فعلى مر العصور كان الحديث عن الشرف والأمانة والنزاهة، ومنذ الأزل كان الفساد عابراً للحدود والقوانين لأن الفاسدين متنفدون ولا يقوى عليهم منفذو القوانين؛ فالفاسدون عابرون للأنظمة وعابرون للقوانين وعابرون للحدود وما وراءها في الماورائيات.
منذ عام 2008 أخذ الفساد مقعداً للحكومات في العالم الثالث في كل وادٍ بل بات الفاسدون يسنَون القوانين التي تخدم فسادهم ويرتدي كل واحد منهم ثياب الواعظين ويصعد إلى المنبر ليلقي خطبة في آلية مكافحة الفساد والفاسدين من باب الحرص على الوطن والمواطن.
وفي الظاهر أمور تخفيها البواطن،فالعيب أو كما يقولون “شريان الحيا” انقطع من بين أعينهم فما عادت تكفيهم صفقات هنا وهناك بالملايين بل يريدون مئات الملايين.
أليس الفاسدون هم رويبضة هذا العصر؟! أليس الفاسدون هم من يعتلون المنصات والمحافل ويحاضرون في النزاعة والشفافية؟! أين هم من تلك المثاليات؟فليس العاملون بمسئولين عمّا تُعانيه البلاد من مشاكل، فالمسئولون هم أولئك الذين لم يُحمّلوا أنفسهم عناء الاهتمام بحالة الشعب والعمل على إنصافه ووضع حَدّ لتضليل المُضللين وفساد الفاسدين.
في العالم الثالث، نستنشق الفساد مع الهواء فكيف نأمل أن نخرج من المستنقع؟ صدق عباس العقاد حين قال: ما يحدث الآن هو ثمرة فساد الإعلام والتعليم والتربية وأشياء كثيرة أخرى إكتسبناها بأيدينا.
الفساد لا يعالج بمحاسبة فاسد لأن الفساد يكون في مجموعات الفاسدين ينتهجون شريعة الغاب، فالقوانين تطبق على الضعفاء من لا ظهر ولا سند لهم وهم في الغالب لا يعلمون ما يفعلون بل هي لقمة العيش كما يقولون
قلم: عمر دغوغي الإدريسي مدير مكتب صنعاء نيوز بالمملكة المغربية