هناك كلمات فيها حكمة تقول" يستطيع الشيطان أن يكون ملاكاً, والقَزَمُ عِملاقاً والخفاش نَسراً, والظًلمات نوراً, لكن أمام الحمقى والسذج فقط." تَشَعَبَ الفَساد مالياً وإدارياً في العراق, وترسخت جذوره إلى أن أصبح, ظاهرة ملازمة للعمل السياسي, وقد كان من نتائج ذلك العمل الأهوج, فقدان الشعب بالأحزاب السياسية, التي كان يأمل منها, ان تُصلح حال البلاد, بعد عقود عدة من الظلم والجور والطغيان, وشظف العيش وبطش الأجهزة القمعية.
توالت الأعوام سريعة, ولم يشبع السراق حيث لا حساب, مع ان الدستور قد جاء في (14)" العراقيون متساوون أمام القانون, دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية, أو الاصل أو اللون أو الدين أو المذهب, أو المعتقد أو الرأي, أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي" إلا أن ما تم تطبيقه, لم يمت لهذه المادة بصلة, بل أن ما تم سَنَّهُ من قوانين, أباحت لفئة الساسة رواتب ومخصصات وامتيازات, أضعاف مضاعفة وسط حرمان الأغلبية, من ابسط حقوق المواطنة, والتي نص عنها الدستور العراقي, في المادة 30 أولاً"
اولاً: تكفل الدولة للفرد وللأسرة ـ وبخاصة الطفل والمرأة ـ الضمان الاجتماعي والصحي، والمقومات الاساسية للعيش في حياةٍ حرة كريمةٍ، تؤمن لهم الدخل المناسب، والسكن الملائم" بينما ما لمسناه انتشار العشوائيات وقلة الخدمات؛ ليصل في مناطق عدة الى فقدانها, وهذا جزء يسير, مما كان على الدولة توفيره.
تفاقم الوضع ما بين فقدان الأمن, ليصبح الشعب هو المتضرر الأكبر, بينما يعيش ساسة العراق, في رفاهية منقطعة النظير, والمواطن يطالب وينتظر ولا من مجيب, وكان في آذان أرباب السلطة وقراً! شعاراتٌ ترتفع سقوفها, قبيل كل دورة انتخابية, ووعودٌ تتبخر بعد عقد أول جلسة برلمانية؛ لعيش الجيل الجديد من ساسة السرقات, في وادٍ بعيد عن معاناة المواطن, وفي ظل القوانين الخاصة, بفئة دون أخرى, عانى اغلبية الشعب من التمايز الطبقي, ليصدر قانون يعفي الفاسدين, من العقاب مع إلغاء شرط إعادة الأموال المسروقة.
مواطن لا يجد وطن حقيقي, فلا حقوق مصانة ولا عيش كريم, بل سلبت كل حقوقه الإنسانية, فشعر يفقدان الوطن, ليستغل أعداء النظام الجديد, تراكم الأزمات وحاجة المواطن, والقيام بالتحشيد عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي؛ ما فاجأ الحكومة وأغلب الساسة, بهبة شعبية قلما نجدها في الدول الديموقراطية؛ والسبب الأساس هو, تغاضي الفاسدين والفاشلين, ممن تسنم سدة الحكم, الغضب الجماهيري القابل للانفجار في أي لحظة.
اعتاد العراقيون كل عام, على خروج التظاهرات المطالبة بالخدمات, من البصرة أو إحدى محافظات الجنوب, إلا أنَّ التظاهرات الأخيرة, التي تم التحضير لها بدقة, وحُدد لها موعداً للإنطلاق, في بغداد لتتآزر باقي المحافظات العراقية, ما جعل الإرباك الحكومي واضحاً, فما بين المتظاهرين السلميين الحقيقيين, ودخول مندسين على الخط, سقط مئات الشهداء وآلاف الجرحى.
قامت الحكومة برئاسة السيد عادل عبد المهدي؛ بإجراءات متأخرة جداً, لترميم ما تم تهديمه, خلال أكثر من عقد ونصف, إلا أنَّ فقدان الثقة, من قبل الجماهير الغاضبة, وركوب الموجة من قبل, بعض الأحزاب المرفوضة جماهيرياً, فلا يمكن للفاسد أن يكون مُصلحاً.
هل ستصمد "حكومة الفرصة الأخيرة", أم أنها ستسحب معها, كل الأحزاب العراقية, التي شاركت في الحكومات السابقة؟ هل سنودع زمن الفساد لنشعر بالمواطنة الحقيقية؟ أم اننا سائرون نحو مجهول, حيث لا قيادة واضحة للمحتجين؟
سلام محمد العامري