لاشك أن المتابع للجلسات البرلمانية يجد نفسه في حالة اشمئزاز دائم في كل لحظة
يشاهد فيها تلك الجلسات التي لا ترقى للمستوى المطلوب فارغة الشكل والمحتوى الذي يمكن أن تكون به في الأصل ، مثل أي جلسة برلمانية لبلد ما تناقش التطورات الميدانية والإقليمية وإنعكاساتها على البلد سياسيا وإقتصاديا وإجتماعيا فهذا هو الدور البرلماني المنشود.
فكل ما يجري في جلسات برلماننا الموقر داخل ''غرفة الجمعية الوطنية''هو المشاداة اللفظية المشينة حقا كأنهم في غرفة للعب ورق الغمار ، حيث الإنحطاط وقلة الأخلاق وأنواع الرداءة بأشكالها المختلفة.
وربما ذلك عائد إلى تدهور المستوى الفكري الذي يعاني منه أغلبهم لهذا يفضلون الميول إلى الضجيج وخلق الفوضى لإعتبارها جزءا من شخصياتهم يتخذونها بديلا لهم عوضا عن دراسة ومراجعة المشاريع والقوانين المقدمة لهم للمصادقة عليها.
هذا جزء قليل من الصفات المتمثلة في برلماننا الموقر "نوابا" الذين قد يعجزون عن تمثيل "أنفسهم" فضلا عن أسرهم مع إحترامنا الشديد "للقلة القليلة" من الفيئة الكثيرة التي تؤدي واجب الأمانة حسب قدراتها العقلية والذهنية المتاحة.
وإذا كانت الأغلبية بهذا المستوى المنحط ''هيئة وفكرا'' فكيف يمكن أن يكونوا نوابا للشعب الموريتاني لإفتقادهم المؤهلات اللازمة لذلك التي تقتضي أن يكون "النائب "على درجة من "الوعي والإطلاع والثقافة وبعد النظر والوقار والحنكة السياسية" التي قادته إلى إحتلال هذا المنصب السياسي عندها يكون فعلا يمثل ثقة تلك الشريحة التي تشمل ذلك الحيز الجغرافي الذي ينوب عنه.
فإذا أمعنا النظر عند مشاهدة إحدى جلسات برلماننا "الموقر" داخل مقر"الجمعية الوطنية" لمناقشة بعض المشاريع والمصادقة عليها فإن ملاحظة المشاهد اللافتة للنظر أثناء المتابعة تتمثل في ذلك الحضور الخجول الذي يتجزأ إلى ثلاثة أجزاء ، جزء حاضر وجزء "حاضر غائب" في نفس الوقت، "وجزء شارد" .
فالأول يمثل الشريحة المثقفة إن جاز التعبير التي تحاول جاهدة طرح القضايا الحساسة ودراسة المشاريع والقوانين إلى غير ذلك وعلى الأقل يمكن السكوت أن هنالك القليل من النية يدعمه القليل من المسؤولية تجاه الذات والوطن والمجتمع الذي ينوبون عنه أما النية الصادقة والمسؤولية الكبيرة فهي مخصصة للطمع المراد في الحزب الحاكم .
ولا يقل دور جزء "حاضر الغائب"، أهمية عن نظيره مع بعض الإمتيازات الطفيفة التي تحسب للجزء البرلماني الأول السابق للذكر، هذا الجزء أقصد حاضر الغائب الذي ينهي الجلسة بنوم عميق كالجماد الأشبه في وصفه "لخشب مسندة" على جدران تلك الغرفة لا يستيقظون إلا على دقات الجرس التي تناديهم بالتصويت على المشاريع المطروحة فيرفعون أصابعهم جميعا للمصادقة عليها دون أن يعلموا "جوهر القضية" حتى تلك الشريحة المثقفة تشاركهم في ذلك موالاة ومعارضة ليعلنوا ولاءهم للحزب الحاكم الذي يعتبرونه الميثال الأعلى والقدوة الحسنة و وبئس الإثنين وينظرون إليه من زاوية تحقيق المصالح المستقبلية الخاصة بهم بإعتباره الأداة المثلى القادرة على تحقيق ذلك.
لهذا لادعي لمعارضة برامج الدولة ومشاريعها حتى لو كان فيها قطع الرؤوس يجب الموافقة عليها من باب الانحناء والخضوع.
أما الجزء الشارد من البرلمانيين الذين يطلق على مقاعدهم (بالغائبون الدائمون) لحكمتهم التي أملتها ضرورة الواقع لكونهم يرون الأمر غريبا عليهم في ارتداء ثوب الحصانة الراقي المحترم الذي يتقاطع مع طبيعتهم التقليدية التي لم تستفيد ولم تواكب التطور الحضاري الذي مر بالإنسان عبر حلقات تاريخية معينة .
إذن هذا هو حال برلماننا الموقر الذي يمثل قوة الشعب الضاربة للحكومات الرادعة للفاسدين هذه القوة الشرعية التي تصنع كل شيء إذا وجدت النخبة المؤهلة لذلك التي تعكس ثقة الشعب وليس ذلك ببرلماننا الذي لا يعرف أغلب أفراده حتى معنى للسياسة فضلا عن أسسها ومفاهيمها وليس جدير بالمجتمع الموريتاني أن يمثل من طرف هؤلاء(نواب الإسم) حسب رأيي وقد يتفق معي الكثير لأنهم لا يخافون إلا على مصالحهم الخاصة بدلا من مصلحة الشعب والوطن ينظرون إلى أنفسهم أنهم موظفون عقدويون لهذا يخضعون تحت تصرفات الحزب الحاكم لعله يضمن لهم وظائف جديدة إذا سحبت منهم ثقة الشعب الذي لم يكونوا أهلا لها في الأصل.فيرفعون بذلك أجنحتهم كالطيور المحلقة في السماء التي تمارس التحليق بحرية وهي كالزواحف عبيدة غرائزها .
هذا هو واقع برلماننا المخجل نكتبه بواقعية من أجل تغيير الواقع .
لبات ولد الفاظل.