الرجل صاحب المبدأ والثابت على الحق في المحكمات والمسلمات، والرجل لين في المشتبهات التي لا تخالف العرف ولا الشرع وإذا تعدد الصواب اختار الأيسر والأنسب "ومرن" في المتغيرات، فيكيف نفسه، وقد يضطر لتبديل خططه لأن الأحكام تتغير بتغير الزمن.
وليس الرجل الذي يثبت على كلمته ولا يغيرها كما يعتقد البعض الناس، فالرجل بشر قد يقول كلمة ويندم، أو يعطي وعدا ثم يجد نفسه عاجزا عن الوفاء به أو تتغير ظروفه أو قد يتسرع ويقول ما هو خطأ أو يتعارض مع مصلحة أخرى، أو يقول كلمة يم يطلع على تفاصيل خافية ما كان يعرفها، فهل يمضي في فعله الخاطئ، فقط لأنه قال؟
الرجل لا يصر على الباطل ولا يتعنت ، بل يثبت على الحق أينما وجده، ويمشي على أحكام دينه، ويحافظ على قيمه ومبادئه، ويؤثر ولا يتأثر ولا يبيع ضميره وخلقه بالمال، ويفي بوعده، ولا يخضع للمساومات، ولا تميل به المغريات، ولا يستعمل الأساليب المحرمة ولو كانت غايته نبيلة، فلا يكذب ولا يغش ولا يربوا.
الرجل لا يكون إمعة تأخذه كلمة، وتعود به الكلمة، ولا ينساق مع الآخرين، وكما تصادفنا أمثال المواقف في حياتنا، فنرى الغش في الامتحانات، أو الربا في القروض، أو الرشوة في بعض الدوائر أو أكل أموال الناس بالباطل فيأخذ ما تبقى من الأموال في جيبه، أو يأكل و يشرب أثناء التسوق ولا يدفع أجر ما استهلكه، أو يعتبر ممتلكات الحكومة مباحة فيركب بالحافلة الحكومية مجانا، كل هذه المحرمات وغيرها في متناول أيدينا، وفي مقاربتها تيسير وتحقيق عاجل لمصالحنا، وكلما تجلدنا وصمدنا ضدها، أعطينا أولادنا درسا صادقا في الثبات على الحق.
ويكره الرجال التشبه بالنساء، ويبالغ بعضهم حتى ليأنف من التشبه بالصفات الأنثوية الحلوة المأمورة بها شرعا، كالعاطفة والرحمة، ثم يتشبه بصفة قادحة يلصقها بهن زورا، متناسيا أنها صفة خارجة عن الإرادة وطارئة ولأيام معدودة بسبب الدورة، ويبيح الغضب لنفسه وهو قادر على لجمه.
وإني لأسمع الأمهات يقلن لأبنائهن "الرجال لا يبكون" وكأنها القاعدة الذهبية للدلالة على الرجولة، والحقيقة "الرجال لا يبكون" لكن الرجال لا يغضبون ولا يثورون".
لأن الغضب يذهب العقل، ويطيش بالحكمة، ويذهب بالفطنةـ ويجعل المرء متوترا مشوشا فاقدا لأعصابه، والرجل لا يفقد اتزانه، والرسول بكى أمام صحابته وفي مواقف عدة، ولم ينه الناس عن البكاء، ولكنه لم يغضب، وشدد في النهي عنه: "لا تغضب، لا تغضب، لا تغضب".
وإن من أبرز الصفات الجولة: التعقل والاتزان ، ولجم الانفعال، وأنا من الذين يرون العصبية صفة مكتسبة وليست طبعا أصيلا، وبالتالي يمكن التخلص منها بسهولة، فلا تصدقي أن ابنك الصغير يفقد أعصابه ولا يشعر بنفسه، نعم قد يلفه الحزن، أو يسيطر عليه النعاس، فيتصرف بعصبية، وهذا يحدث لكل طفل، وبلا استثناء ، أما الطفل الذي يصرخ إذا لم يعجبه الطعام أو لم تستجب أمه لطلباته، فهذه "وقاحة وقلة أدب" بل هذا "عقوق"، وليست عصبية خارجة عن لإرادة ، والدليل في السلوك الأطفال أنفسهم، تجدين أكثر الأطفال الذين يتصرفون بعصبية، يهمدون إذا دخل عليهم من يهابونه "كالمدير أو الأب" ويتوقفون فورا عن السلوك السيئ، الأمر الذي يدلل على دلعهم وطمعهم في عاطفة أمهاتهم، فلا تسكتي لأبنك إذا غضب، واطلبي منه التوقف فورا عن الصراخ والشتم وعن كل مظاهر الغضب، امسكيه بقوة وقولي بهدوء وبكلمة قوية، "كف توقف وفورا" ومريه بتعبير عن مطالبه بالحسنى، وليتصرف بهدوء، ثم يرضى بالنتائج مهما كانت
بقلم: عمر دغوغي الإدريسي مدير مكتب صنعاء نيوز بالمملكة المغربية.