منذ تسلم الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود مقاليد الحكم في المملكة، بعد وفاة أخيه غير الشقيق الملك عبد الله بن عبد العزيز ، أجرى تعديلات جذرية في أسلوب الحكم عبر التعيينات والإعفاءات التي أقرها.
ومنذ عام 2015 تكررت التعيينات والإعفاءات أكثر من مرة، فيما يبدو أن مجلس الوزراء الذي يقود السلطة التنفيذية في البلاد غير مستقر، وتجري إطاحة الوزراء بسرعة غير مدروسة.
ويُضاف إلى ذلك أن بعض الوزراء أعفوا بعد تهم فساد ثم أعيدوا إلى السلطة خلال أشهر، ثم صدرت قرارات ملكية بإعفائهم مجدداً، ليعين آخرون بدلاً عنهم.
ولا يُعلم مدى تأثير القرارات المفاجئة لرأس الهرم الحاكم على سير الحكم في البلاد، خصوصاً أنها تخرج بدون أي مقدمات أو أسباب واضحة، حيث يمسي الرجل وزيراً ويصبح معفياً من منصبه، ويصبح الرجل وزيراً ثم يمسي بلا منصب.
تغييرات مفاجئة
وفي ظل أزمات خارجية متعددة وأخرى في الداخل، أصدر الملك سلمان، يوم أمس الثلاثاء (25 فبراير 2020)، سلسلة أوامر ملكية تقضي بإجراء تعديلات وزارية واسعة، وإدخال تغييرات على أسماء بعض الوزارات.
وجاء في المرسوم الملكي أن الملك سلمان أعفى وزير الإعلام، تركي بن عبد الله الشبانة، من منصبه، وأمر بتكليف ماجد بن عبد الله القصبي وزير التجارة بالقيام بعمل وزير الإعلام بالإضافة إلى عمله، وفق وكالة الأنباء الرسمية "واس".
وعيّن الملك في مرسومه خالد بن عبد العزيز الفالح وزيراً للاستثمار، وأحمد بن عقيل الخطيب وزيراً للسياحة، وعبد العزيز بن تركي بن فيصل آل سعود وزيراً للرياضة.
وكلف ماجد بن عبد الله بن حمد الحقيل، وزير الإسكان، بالقيام بعمل وزير الشؤون البلدية والقروية بالإضافة إلى منصبه.
كما أعفى الملك سلمان وزير الخدمة المدنية، سليمان بن عبد الله الحمدان، من منصبه.
وتضمنت الأوامر الملكية ضم وزارة الخدمة المدنية إلى وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، وتعديل اسمها لتصبح وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية.
واحتوت الأوامر أيضاً على تحويل الهيئة العامة للاستثمار إلى وزارة الاستثمار، وتعديل اسم وزارة التجارة والاستثمار ليكون وزارة التجارة.
كما أمر الملك سلمان بتحويل الهيئة العامة للرياضة إلى وزارة الرياضة، بالإضافة إلى تحويل الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني إلى وزارة السياحة.
العهد الأكثر تخبطاً
وشهدت السنوات الخمس الماضية أكثر سجل تعديلات وزارية في تاريخ المملكة، حيث لا يصمد الوزير في منصبه أكثر من عام حتى يُطاح به، إلى درجة أن هناك وزراء لم يصمدوا أكثر من عدة أشهر على كراسيهم.
ويبدو أن الاستقرار السابق الذي شهدته السلطة التنفيذية بالبلاد، خصوصاً السيادية منها، لم يعد موجوداً في قصور الحكم بالرياض، حيث إن وزارة الخارجية السعودية التي أسست عام 1960 شغلها حتى عام 2015 ثلاثة وزراء، ثم مع قدوم الملك سلمان تسلم ثلاثة آخرون الوزارة هم: الدبلوماسي البارز عادل الجبير (2015)، ثم وزير الاقتصاد السابق (كان ممن اعتقلوا بتهم فساد) إبراهيم العساف (2019)، وأخيراً الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله بن فيصل بن فرحان آل سعود (2019).
وقال المحلل السياسي عبد الله المغارم إن "عدم استمرار نفس تشكيلة مجلس الوزراء تعود إلى مركزية القرار بيد الملك سلمان، وغياب تام لاعتبارات التغيير التي يحتفظ بها الملك لنفسه، كما أن الأحداث على المستوى الإقليمي والعالمي تترك أثرها على التغييرات الوزارية".
وحول وجود تخبط في رأس الحكم أوضح المغارم أنه "ربما يمكن قول ذلك في ظل المدد القصيرة جداً الممنوحة للوزراء المعينين بين الفينة والأخرى، وإسناد مهمة أكثر من وزارة غير منسجمة لوزير واحد، وهذا يعكس بوضوح غياب الاستراتيجية".
واستدرك أن "الرياض تسعى لتوسيع بعض القطاعات ونقلها من نطاق الوحدات المؤسسية الصغيرة إلى الكبيرة كما حدث في وزارات الاستثمار والسياحة والرياضة، وسيقتضي ذلك الكثير من الجهود والتعيينات المستقبلية لاستيعاب تلك المجالات في مؤسسة كبيرة كالوزارة".
ما علاقة ولي العهد؟
ويبدو أن صعود ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يحمل في طياته الكثير من الأجوبة عن أسئلة التغيير التي تُطرح مع كل سلسلة أوامر ملكية يقوم بها الملك سلمان.
فمع سعي ولي العهد لتثبيت قدميه في السلطة أكثر، يرى متابعون للشأن السعودي أن التعيينات والإقالات تعتمد على معيار الولاء لا الكفاءة في تقلد المنصب، خصوصاً في ظل وجود معارضين من داخل العائلة لتولي محمد بن سلمان الحكم، ومن أبرزهم أخو الملك الشقيق الأمير أحمد بن عبد العزيز وغيره من الأمراء.
ويبدو أن سياسة التعيينات تحاول ضرب استقرار أي مسؤول سعودي في منصب رفيع، في محاولة لمنع ازدياد نفوذه على حساب ولي العهد.
ويتكشف التخبط من تعيين خالد الفالح مجدداً كوزير للاستثمار بعد إعفائه من منصبه كوزير للطاقة، والذي كان مفاجئاً على المستوى العالمي، حيث شهدت المملكة، في سبتمبر 2019، ولأول مرة تعيين عبد العزيز بن سلمان (نجل الملك) وزيراً للنفط من داخل العائلة المالكة، حيث إنّ صحفاً عالمية مثل "وول ستريت جورنال" وصفته بـ "التحول المفاجئ".
المثير أيضاً أن وزير الإعلام المطاح به (تركي الشبانة) وُضع في المنصب لتحسين صورة المملكة التي شوهت دولياً في الصحف العالمية بعد اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي بقنصلية بلاده بإسطنبول في أكتوبر 2018، على أيدي قوات أمنية مقربة من ولي العهد، واتهامات استخباراتية للأخير بالتورط فيها، إلا أن الشبانة يبدو أنه فشل في المهمة.
إلا أن إقالته، ووضع وزير لا علاقة له بالإعلام من قريب ولا من بعيد، قد تجعل مهمة تحسين صورة المملكة شبه مستحيلة، خصوصاً أن المكلف الجديد (ماجد بن عبد الله القصبي) هو وزير التجارة أيضاً.
كما يرى متابعون للشأن السعودي أنه من المرجح أن دمج بعض الوزارات مع أخرى هو خطة تقشفية من قبل السلطات لمحاولة تقليل المصاريف، خصوصاً مع الأرقام الرسمية الصادرة عن خسائر فادحة بالاقتصاد خلال عام 2019، ووصول العجز بالموازنة إلى نحو 50 مليار دولار.
وقال عبد الله المغارم إن "السعودية حالياً تسعى لترسيخ الأرضية الحاكمة لولي العهد محمد بن سلمان، وترضية عناصر الأسرة الحاكمة، وتوجيه رسائل توحي بمرونة المملكة وسعيها نحو التغيير المستمر".
وبخصوص تراجع الوضع الاقتصادي في البلاد، رجح المغارم أنه "غير مرتبط بالتعديلات الوزارية، لأنه لا وجود لاستراتيجية معتبرة لإدارة الملف الاقتصادي يمكن من خلالها تحديد معايير نجاح أو فشل المسؤولين، ولا مؤسسات بعينها تدير الثروة السعودية الضخمة".
ويعتقد أن "هذا الملف يدار من قبل دائرة ضيقة في الأسرة الحاكمة وتتدخل فيه بشكل مباشر، ويقتصر دور الوزراء ورؤساء الهيئات على مهمة التيسير للإجراءات المترتبة على قرارات الأسرة الحاكمة".
وتسعى المملكة لتمويل رؤية 2030 الاقتصادية التي يقودها محمد بن سلمان، إلا أنها واجهت وما زالت تواجه مشكلات وعثرات في طريقها، خصوصاً مع انخفاض أسعار النفط الخام مؤخراً، والذي تعتمد عليه الرياض كمورد أساسي، وهو سبب إضافي مرجح للتغييرات الوزارية الجديدة.
ويأتي كل ذلك في ظل استعداد المملكة لاستضافة قمة مجموعة العشرين في نوفمبر القادم، في أكبر حدث ضخم بتاريخها حيث يلتقي زعماء أكبر اقتصادات العالم.
أزمات خارجية
ولا شك أن الوضع الخارجي المحيط بالمملكة يحمل معه تأثيراته أيضاً على التعيينات والتغييرات الدائرة في البلاد، فما زالت أزمة اليمن والتورط فيه عسكرياً، منذ عام 2015، عبر تحالف العدوان الذي تقوده الرياض بصحبة الإمارات، تشكل تهديداً أمنياً؛ بسبب هجمات القوات المسلحة اليمنية المتكررة على أهداف حيوية بالبلاد.
ويحمل تصاعد التوتر بين إيران والولايات المتحدة في الخليج، الذي تفاقم مع اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني في بغداد مطلع يناير الماضي، الكثير من المخاوف لدى الجانب السعودي، لدرجة أن الرياض دعت للتهدئة رغم حساسية موقفها من طهران.
كما أن توقف محادثات حل الأزمة الخليجية فجأة دون سابق إنذار إبان انطلاقها في ديسمبر 2019، يدل على أن الأمور لا تسير على ما يرام داخل المملكة، رغم قبول الجانب القطري بحوار غير مشروط لإنهاء الأزمة.
ومن الجدير ذكره أنه في عام 2017 حاصرت السعودية والإمارات والبحرين ومصر قطر براً وجواً وبحراً بتهمة دعم الإرهاب وهو ما نفته الدوحة مؤكدة أنها خطوة للسيطرة على قرارها السيادي.
وأكّد المغارم أن المجريات الخارجية تجبر القيادة السعودية على إجراء تعديلات وزارية متكررة في محاولة لتحسين صورة المملكة وتخفيف الضغط الإقليمي والعالمي.
وأضاف أن ذلك تجلى تماماً في أزمة خاشقجي التي انبثقت عنها تعديلات مهمة نهاية عام 2018 أطاحت بالجبير ومسؤولين مقربين من ولي العهد. "وقد نشهد قرارات أخرى تصب في مجرى إصلاح العلاقات مع قطر، وتخفيف التوتر مع إيران، وتعجيل الحل السياسي في اليمن"، وفق المغارم.