تعيش العلاقات المغربية – الموريتانية على وقع توتر غير مسبوق بين البلدين، كان آخر تجلياتها ما أوردته تقارير إعلامية وطنية ودولية، تزعم أن الحدود بين المغرب وجارته الجنوبية تعيش حالة من الاستنفار تنذر باندلاع حرب بين الطرفين، بعد التحركات العسكرية بالمنطقة الحدودية ”الكاركارت” الفاصلة بين المغرب وموريتانيا.
ورغم أن الجانبين قد أكدا أن التحرك يأتي بهدف محاربة أنشطة التهريب المنتشرة في المنطقة، إلا أن متتبعين لشؤون المنطقة يرون أن هذه التحركات تأتي مباشرة بعد استقبال الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز ولد اعلية لقيادي بجبهة ”البوليساريو” يوم الجمعة 12 غشت الجاري، وخروجه عقب اللقاء ليؤكد أن ”الكويرة أرض صحراوية”.
كرونولوجيا الأزمة
يرى صبري لحو الخبير في القانون الدولي والهجرة ونزاع الصحراء، أن التوتر الذي ينذر بأزمة قد تشهدها العلاقات المغربية – الموريتانية، لا يمكن فهمه دون الرجوع إلى مجموعة من الوقائع والمعطيات التي أسّست لذلك، بدءا من اتفاقية السلام التي وقعتها موريتانيا وجبهة “البوليساريو” بتاريخ 5 غشت 1979، حيث تخلت موريتانيا بموجب هذه الاتفاقية عن أيّ مطالبات بخصوص الصحراء، وهي المطالبات التي كانت قد رافعت من أجلها – قبل ذلك – أمام محكمة العدل الدولية، وأيضا خلال مفاوضاتها مع اسبانيا من أجل المطالبة بالاستقلال، أو في إطار اتفاق تقسيم الإقليم بينها وبين المغرب بعد حصولها على الاستقلال.
وقال الخبير الدولي، متحدثا لجريدة “كشك” الالكترونية، إن موريتانيا لا تملك أي حق في التدخل في شؤون الصحراء، إلا أن موقفها اليوم يحكمه عنصران: الأول يتمثل في الاتفاق المبرم بينها وبين البوليساريو. والثاني سعيها إلى إقامة كيان بينها وبين المغرب. ويأتي هذا المسعى بالنظر إلى ما يدور في مخيلة وفكر الشعب الموريتاني، والذين لا يزال يعتقد أن “المغرب بلد توسعي، وأنه كان يطالب بضم موريتانيا إلى غاية سنة 1969”. والموريتانيون اليوم، يضيف صبري، “يحبون إقامة دولة فاصلة بينهم وبين المغرب، بفعل هذا التراكم الثقافي والفكري الذي ترسخ لدى موريتانيا، ولّد مع الزمن هذه الصورة النمطية عن المغرب”.
وأكد المحامي بهيئة مكناس، أن عدم بسط المغرب لسلطته وإدارته الفعلية على المنطقة العازلة وعلى الكويرة، خلق لدى الجيران انطباعا أنه “لا زال يتردد في بسط سيطرته على المنطقة”، هذا التردد المغربي جعل “البوليساريو ” تدعي أن تلك المنطقة “مجال محرر ومنطقة صحراوية، وأن الكويرة تابعة لنفوذهم”، رغم اعتراف القيادي في الجبهة الإنفصالية محمد خداد، بعد استقباله من قبل الرئيس الموريتاني يوم الجمعة المنصرم، أن “للكويرة وضع خاص، معترفا بذلك من حيث لا يدري أن وضع المنطقة لم يحدد بعد”، مستطرداً بقوله إن السكوت المغربي دفع بـ”البوليساريو” إلى بسط سيطرتها حتى خلف الجدار من الناحية الشرقية، حيث إنها “باتت تتحرك هناك بحرية، من خلال تساهلها مع رعاة المواشي هناك، وإقامة مناورات عسكرية وتظاهرات رياضية أيضاً….”
وأشار الخبير المغربي إلى أن المنطقة التي تدعى “قندهار”، الفاصلة بين الحدود الشمالية لموريتانيا والحدود الجنوبية للمغرب، هي “منطقة يغيب فيها حكم القانون، فليس هناك أي سيطرة مادية للمغرب، وليس هناك وجود للبوليساريو، وليس هناك وجود لوحدات الدرك الموريتاني، هي أرض خلاء، وقفر مترامي الأطراف يتم استغلاله من طرف عصابات الاجرام ومختلف شبكات الجريمة المنظمة من مُهربي السيارات وغيرهم”.
وشدد لحو على أن هذا الغياب التام لمنطق القانون بمنطقة يعتبرها المغرب أرض تابعة له، تمتد حتى المحيط الأطلسي حيث توجد الكويرة، إلا أنه لم يجسد ذلك الحضور لا على “المستوى الاداري، ولا على مستوى التواجد السكاني، فولوج المغرب إليها لا زال يتم عبر نواديبو الموريتانية !”
وأضاف الخبير المغربي العارف بخبايا الأمور في منطقة الصحراء، أن مجرى الأمور تغيرت منذ أن عمدت موريتانيا إلى رفع علمها فوق تلك المدينة، ما دفع المغرب إلى الاحتجاج على هذه الواقعة، وهو ما أدى إلى إحياء التوتر بين الرباط ونواكشوط، إلا أن الأخيرة تعمدت “استفزاز مشاعر المغاربة”، عبر مجموعة من التصرفات، منها عدم تعيين سفير لها لدى المغرب، مطالبتها بتغيير السفير المغربي بموريتانيا، إقدامها على طرد ممثل وكالة المغرب العربي للأنباء من موريتانيا، وتعمّدها إهانة وزير الخارجية المغربي مزوار، وذلك حين تم احتجاز طائرته ذات مرة.. كما حاولت موريتانيا خلال القمة العربية الأخيرة التي استضافتها أن تتهم من خلالها المغرب بمحاولة إفشالها.
وكلها أسباب، يؤكد صبري لحو، تفسر لماذا أثارت موريتانيا مسألة الكويرة في هذا الوقت بالذات من أجل “استفزاز المغرب، ولربما تكون قد دخلت في تواطؤ يضم البوليساريو والجزائر، لكونها تعي جيدا أن المغرب لن يقبل بأي حال من الأحوال أن يكون هناك حاجز بينه وبين عزمه – في الآونة الاخيرة – الانفتاح على افريقيا”.
فرضية الحرب بين المغرب وموريتانيا؟
في هذا الصدد، يرى الخبير العسكري المغربي محمد بنحمو، أن الأمر، ورغم عدم تداوله بشكل رسمي، إلا أن هذه التحركات تأتي على الشريط الحدودي المغربي، ”الذي يُعد شريطا رخوا، ومصدرا لانتقال العديد من التهديدات الأمنية بمختلف أشكالها وأنواعها”.
من جهة أخرى، ربط بنحمو في حديثه لجريدة ”كشك” الإلكترونية التحركات العسكرية الأخيرة لكل من المغرب وموريتانيا في المنطقة الحدودية، بما وصفه بـ ”المواقف الموريتانية غير الودية وغير المفهومة، والتي تُساعد على إضفاء مزيد من الغموض على تطور الأحداث بالمنطقة”.
وأضاف الخبير العسكري، أن الموقف ”اللاودي” لموريتانيا تصاعد منذ أن تعرض الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز لمحاولة اغتيال سنة 2012، إلا أن المغرب من جانبه ”يقوم بما يقتضيه الدفاع عن تراب وطنه، ويوفر كل ما يمكن أن يُسهم في استتباب الأمن داخل التراب المغربي”، ومشيراً إلى أن أي تصعيد عسكري من الجانب الموريتاني ضد المغرب، أو أي نوع من ”الاستفزاز” لن يتم بأي حال من الأحوال، لأن واقع توازن القوى واضح في الميدان”.
واعتبر المتحدث نفسه، أن تلك ”الاستفزازات”، في إشارة إلى التحرك العسكري الموريتاني على حدوده مع المغرب مجرد ”رضوخ وركوع للجزائر”، و أن هذه التحركات لن ترقى – في اعتقاده – إلى أبعد من ذلك، فهي تأتي في سياق سعي ”النظام الموريتاني إلى إظهار “قوة ضعفه” بشكل جلي، وهو أمر لا يخدم مصالح موريتانيا ولا مصالح العلاقات المغربية – الموريتانية”.
المصدر:كشك