بعقوبة ام البساتين

جمعة, 07/17/2020 - 18:04

كانت مدينة بعقوبة . مركر محافظة ديالى في العراق ...
محاطة من جميع الجهات بأجمل البساتين ومنها بستان ( آل بندر ) المستأجرة من قبل السيد شكري الداغستاني وهي ملاصقة لدارنا من الجهة اليمنى . تطل عليها أربعة شبابيك كبيرة الحجم نفتحها عندما تخلو منهم عصرا ونجلس في إحداها انا وشقيقي قاسم غناوي واخي من الرضاعة ابراهيم الشيخ . نمد ارجلنا ونستمتع برؤية ورد الختمة بألوانه الزاهية التي تفتح النفس والروائح الزكية التي تملأ انوفنا ونحن نلهو ونمرح حتى  وقت الغروب ... ولكن البعوض يؤذينا . حتى ان الوالد كان يجلب لنا المرشة وقنينة الفليت من ماركة ( شل ) نكافح به غرف البيت والفلاح عند الشتاء يحضر ( الجَلَّة : وهي روث البقر الذي يصنع على شكل اقراص ويجفف ويخزن لفصل الصيف وعند اشعاله يخرج منه دخان كثيف يهرب منه البعوض ) وفي الليالي التي يكون فيها كثيرا جدا كنا نضع على الارض آنية كبيرة فيها ماء يسقط فيها ...

وعندما يأتي الليل ومعه الضيوف من نسوة الجيران الذين يجلسون في فناء المنزل ( الحوش ) او الرجال في غرفة الجلوس لان الاختلاط لم يكن معهودا كما الان . وهذه العملية استمرت حتى ظهور جهاز التلفاز ثم اختفت تدريجيا . كنت اسمعهن مع والدتي يروينَ القصص التي كان اكثرها لإخافتنا نحن الاطفال مثلا ( طنطل والسعلوة وخضرة ام الليف وبيز ابو العرس ) تخيلوا انهم يقولون ان السعلوة تطرق الباب وتحضر معها صحن من الرز وعليه كف العروس التي اكلتها ليلا . كل هذا الرعب الذي دمرنا ومازال تأثيره على الكثير منا من اجل ان لانفتح الباب . ويدعون انها تأكلنا وهذا اول الطريق لتعليم الطفل على الكذب ... لأننا في حينها او بمرور الزمن سنكتشف ان اكثر ما كنا نسمعه هو من الاكاذيب والخيال المريض والجهل الذي كان يخيم على العقول ... واحيانا عندما يُردنَّ ان يتحدثنَّ في اشياء خاصة يطلبون منا ان نذهب لنلعب ( التوكي )

وبعد خروجهم كنا نصعد على سطح البيت حيث كانت الأسِرَّة عليها اعمدة تثبت فيها قطعة كبيرة من القماش تُسمى ( الكُلَّة ) منعا لدخول الحشرات . كنت اخرج رأسي من طرفها احيانا فأرى أسراباً منها تضيء مُؤخرتها نطلق عليها اسم ( الطابوحة ) لم أراها منذ خمسين عاما ... كنا نستيقظ مبكرا على اصوات الحمام . وعندما كنت اسأل والدتي ماذا تقول كانت تخبرني انها تردد :

كوكوكتي وين اختي ...
لكني كنت ابقى أسأل اهل البيت فرداً فرداً فالطفل الصغير يريد ان يتعلم ولديه حب الاستطلاع
وكان ابي يقول : هديل الحمام يعني غناءها
وخالتي تقول : هي تردد يا كريم
وخالي يقول : تضع البيض
وزوجة خالي تقول : تُسبحُ الله
وابن خالي يقول : تفعل ذلك عندما تبني عشها
والخادمة بحدة وضجر تقول : مقهورة
ومنذُ عشرات السنين وانا اسمعها واقول : انها تبشر ببزوغ فجر يوم جميل مُفعم بالأحلام الوردية والأمل المليء بالسعادة والعافية والقناعة ورضا الخالق وعند الغروب تقول انتهى النهار ونحن في ستر وعافية وصحة ومعدة مليئة بالطعام ولنا وللبشر دوام الاستمرارية

فائزة محمد علي فدعم

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطرائف