فلنقرأ جيداً ؛ ولنفهم هذا الرجل الإستثنائي

اثنين, 08/03/2020 - 15:12

قد نتفق أو نختلف مع د. طلال أبو غزالة ، رئيس مجموعة طلال أبو غزالة العالمية ـ في قضايا كثيرة يطرحها تبدو مستغربة او سابقة زماناً ومكاناً ، وفي مقولته الشهيرة كيف نحوّل الأزمة إلى فرصة ، وأن سنة 2020 ؛ سنة الأزمات ، وأنه مع نهايتها سيكون النمو في جميع الدول سالباً وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية ، وأن العالم الآن بدون قيادة ولا نظاما جامعاً عالميا ، وأن الصراع الإقتصادي بين العملاقين الصين وامريكا سينتهي بصراع عسكري تصبح بنتيجته الصين الدولة الأعظم في العالم ، تليها روسيا فالهند.   

وقد نختلف مع ابو غزالة عندما يتحدث عن تراجع مكانة الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبي ، وأن نظاماً عالميا جديدا سينشأ بنتيجة هذا الصراع  بعد مخاض قد يستغرق 3 سنوات ، وأن المنطقة العربية ستكون من أكثر المناطق في العالم إستفادة بنتيجة ولاده نظام عالمي جديد لإعتبارات ذكرها.. والذي ستكون من  تداعيات النظام؛ تلاشي غطرسة الكيان الصهيوني وتحكّمه برقاب الأمة .  

ولكن  لا بد أن هناك ؛ الكثير مما هو ليس محل اختلاف أو اتفاق ، ما يستدعي إخضاع تلك الأفكار والمشاريع المطروحة للقراءة المتمعنة والتجربة والاستثمار عندما تثبت جدارتها ( والإستثمار ليس تجارة دائما ) .  

أقول ليس من الحكمة ولا الرصانة إدارة الظهر للأفكار المطروحة ، وليس صحيحا أخذ الأفكار بعيداً إلى مناخٍ من قلة الذوق والتسفيه والسخرية .. فعندما تؤخذ الأفكار ( أية أفكار ) على تلك المحامل ، فعلى الأمة السلام ، مالم ترعوي .  

ليست الأفكار السائدة بالضرورة هي الأصوب والأصح ، وليست صناديق الاقتراع بالضرورة هي من تأتي بأفضل الساسة دائماً ، ( بدليل ما نشهد من قيادات تفرزها الديمقراطيات الغربية ) وليس أكثر الناس شعبية أو شعبوية هم أخلصهم للأوطان ، أو أكثرهم قدرة على حل مشكلاتها ، ولكن أيضاً ليست الرجعية السياسية من يأت بالأفضل  سواء كقيادات أو كنتائج اقتصادية واجتماعية وسياسية وحرياتية. 

كما أن دولة شمولية إشتراكية كالصين الشعبية، ليست هي من فرط بمصالح شعبها وسيادته،وأفقرته وجعلته رهينة مؤسسات رأس المال العالمي، بل إنها غزت الإمبريالية في عقر دارها وتقدمت عليها بأسلحتها الرأسمالية دون أن تصبح رأسمالية .   

أبو غزالة رجل قومي عروبي مؤمن ( إذ يقول أن لله عباداً إذا أرادوا أراد ) ، هو يعشق العمل حد التقديس، ذو إرادة، لكنه لا يضع لنفسه قواعد عقدية أو أيديولوجية.. يبحث كما تدل متابعاته وأفكاره ومشاريعه على ما يخدم مجموعته والأمة معاً،ويستنهضها ويرتقي بها ويعمل على تمكينها من استعادة حضارتها ودورها السياسي والاجتماعي، وهو على يقين ان ذلك ممكن وليس ببعيد زمانياً .    

ومن الملاحظ أن أبو غزالة يعمل على تطبيق ما يطرح من أفكار مبتدئا بذاته ، فعندما يتحدث عن الأمن الغذائي والزراعة باعتبارها أساس نهضة الأمة والسيادة (امتلاك الغذاء وامتلاك السيادة على الغذاء) فإنه يستثمر حديقة منزله التي تقل مساحتها عن دونم واحد، مستغنياً بها عن شراء كثير من الخضار والفواكه ..  

وهو بهذا التطبيق العملي يقترب من المفهوم الإشتراكي أو الشمولي ، فهو يدعو لأن تؤخذ الحسابات الرأسمالية البحتة، عند إقامة مشاريع زراعية وإنتاجية ، وإنما حسابات السيادة على الغذاء وتجنب ابتزاز الجهات المنتجة له ، وتشغيل الأيدي العاملة والحفاظ على البنى الاجتماعية وعدم تكديس الفلاحين في المدن ما يخلق مشكلات اجتماعية ، ويتسبب بتصحر الأراضي الزراعية .   

وعندما يتحدث أبو غزالة عن ضرورة استغلال الطاقة الشمسية باعتبرها طاقة مستدامة نظيفة ورخيصة ، فإنه يستثمرها في مقر مجموعته .  

وعندما تكون المجموعة أكبر مؤسسة للملكية الفكرية ، فإنه يعمل على إنتاج حاسوب عربي بكافة تطبيقاته وفق أرقى الشروط العالمية . 

وعندما يتحدث عن اللغة بالعربية فإنه يعمل على إنتاج كتاب ناطق بالعربية يفترض أن يكون الكتاب الوحيد للقراءة بالعربية في جميع بلدان الدول العربية .  

وعندما يتحدث عن التعلم الرقمي عن بعد ، كبديل عن التعليم التلقيني التقليدي ، فإن مجموعة أبو غزالة عاكفة  الآن على إنشاء موسوعة تتضمن أضعاف ما تتضمن الويكيبيديا  من معلومات وأكثر دقة ، وبعيدا عن الحشو مما لا حاجة  به . 

وعندما يتحدث عن ثورة المعرفة والتواصل عن بعد فإن مجموعته لم تتأثر بجائحة كورونا وبقيت تعمل كالمعتاد دون أدنى تداعيات سلبية. 

ويطرق أبو غزالة أحياناً أبواباً غير معهودة وتبدوا ضرباً من الخيال .. كأن يدعو إلى إقامة وحدة عربية فضائية ،وبحسب رؤيته فإن إقامتها أيسر حالاً من إقامة وحدة جمركية على الأرض .. ويدعو إلى دراسة هذا المشروع في ضوء ورقة أعدها أو سيعدها .  

أبو غزالة حذر  مبكراً من أن سنة 2020  ستكون  سنة الأزمات الكبرى كما يسميها، ( وهو مانشهده الآن .. ويلفت الإنتباه إلى الأزمة الاقتصادية سابقة على الجائحة ) وأنها ستترك ( اي سنة 2020 ) تداعيات خطيرة على العالم ككل ، وقال أن حرباً مدمرة ستقع بين العملاقين الصين وأمريكا ما لم يبادرحكماء عالميين لاستباقها .. بالبحث في موضوعات الاختلاف وإيجاد حلول لها وفي كل الأحوال فإن نظاماً عالميا جديدا سينشأ. 

أقول أن هذا الرجل استثنائي في كل ما طرح ويطرح من أفكار ورؤى ومشاريع ، ويتوجب أن يُقرأ جيداً ، ويُفهم جيداً ، هو الآن لديه من المال والشهرة والجاه والمؤسسات والمكاتب والمتعاونين تحت قيادته ما يكفيه وزيادة ويفيض ، وهو لا يبحث عن شيء مما سلف، فلنقرأ الرجل ومشاريعه وأفكاره ورؤاه ، ونعمل كبلدٍ وأمة ومجتمع إنساني على الإستفادة منها جميعها في وقت مناسب ، ويكفي الأمة تجاهلاً لعلمائها ومفكريها ومناضليها وإستراتيجييها .

 محمد شريف جيوسي

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطرائف